المرحلة الراهنة: تحدٍ مصيري للشعب السوري

كريمة رشكو
إن المرحلة التي نمر بها اليوم تُعد أصعب من مرحلة الثورة ذاتها، إذ إنها المرحلة التي ستحدد مستقبل الشعب السوري بجميع مكوناته، من الكورد والعرب، وأيضًا مصير الأديان والمذاهب التي تشكل النسيج السوري المتنوع.
منذ انتصار الثورة، ظهرت محاولات مستمرة من قبل ضعاف النفوس الذين يسعون بشتى الوسائل إلى زرع الفتنة بين الكورد والعرب، مما يهدد بإشعال صراعات تعصف بما تبقى من وحدة الشعب السوري. أي نزاع في هذه المرحلة الحساسة بين القوميتين الرئيسيتين في سوريا لن يؤدي إلا إلى مزيد من إراقة الدماء، وهو ما لا يمكن للشعب السوري تحمله.
ضرورة التغيير الجذري
يجب علينا اليوم العمل على تغيير جذري لكل ما كان موجوداً منذ 54 عاماً، أي منذ أن تسلمت عائلة الأسد السلطة. ومن أهم مظاهر هذا التغيير هو إعادة النظر في الهوية الوطنية الجامعة لسوريا. الإصرار على عدم تغيير اسم البلاد من “الجمهورية العربية السورية” إلى “الجمهورية السورية” يعكس استمرار سياسة صهر جميع القوميات في بوتقة العروبة، وهو ما لا يمكن قبوله في دولة متعددة القوميات والهويات.
إن هذه التسمية ليست مجرد عنوان، بل تعبير عن رؤية أحادية تسعى لتجاهل التنوع الثقافي والقومي والديني في سوريا. الإبقاء على هذا الاسم يعني تهميش المكونات الأخرى، وعلى رأسها الشعب الكوردي، الذي يشكل جزءاً أصيلاً من النسيج السوري.
نحو مساواة حقيقية واعتراف شامل
إن النخبة السياسية والمثقفة في سوريا باتت أكثر وعياً بالأخطاء المصيرية التي ارتكبها النظام السوري على مدى العقود الماضية. استمرار هذه الأخطاء تحت مسميات جديدة أو في ظل أنظمة بديلة لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الظلم الذي عانينا منه لعقود، ولكن بأشكال مختلفة.
لذلك، لا بد من الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الكوردي، من خلال ضمان حقه في الحفاظ على لغته وهويته وثقافته، إلى جانب الحقوق المشروعة في المشاركة السياسية وصياغة مستقبل البلاد. وينطبق هذا الأمر على جميع المكونات الأخرى التي تشكل سوريا، حيث لا يمكن بناء دولة حديثة إلا عبر تحقيق المساواة الكاملة بين القوميات والأديان والمذاهب، دون أي تمييز أو تهميش.
سوريا الجديدة: دولة للجميع
سوريا التي ننشدها هي دولة مدنية علمانية تعددية، تفصل الدين عن القانون، وتضمن حقوق جميع مواطنيها على قدم المساواة. دولة تعترف بالتنوع الثقافي واللغوي كقوة إيجابية تعزز الوحدة الوطنية بدلاً من أن تكون سبباً للانقسام.
إن تحقيق هذه الرؤية يتطلب تعزيز ثقافة قبول الآخر، ونبذ الخطاب الإقصائي، والعمل الجاد على بناء مؤسسات دولة تعكس تطلعات الشعب السوري بأسره، وليس تطلعات فئة أو قومية أو دين بعينه.
فالمستقبل الذي ننشده هو مستقبل يسوده العدل، وتتحقق فيه كرامة كل إنسان يعيش على هذه الأرض، بغض النظر عن هويته أو انتمائه.
14.12.2024

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…