خوشناف سليمان ديبو
يترقّب الشارع الكُردي انعقاد المؤتمر الكُردي المقرر في 18 أبريل/نيسان بمدينة قامشلو، وسط مشاعر متباينة تجمع بين الحذر والتطلع. ويأمل كثيرون أن يُشكل هذا الحدث محطة مفصلية تُنهي سنوات الانقسام والتشرذم، وأن يُمثل بارقة أمل لشعب طالما حلم بوحدة الصف وتوحيد الرؤية في مواجهة التحديات المتزايدة.
أبرز تلك التحديات هو غياب وحدة الموقف داخل الحركة الكُردية وتراجع تأثيرها على مجريات الأحداث. فقد قادت حالة الانقسام والتشرذم إلى مزيد من التهميش وإلى ضياع الفرص المصيرية. ورغم تعدد المبادرات خلال السنوات الماضية، إلا أن جميعها باءت بالفشل، بسبب تغليب المصالح الحزبية الضيقة على حساب المصلحة الوطنية الجامعة.
يُستدل من المعطيات الراهنة أن أي رهان على نجاح المؤتمر يستلزم تبنّي مقاربة منهجية جديدة، تبدأ بإعادة تعريف مرتكزات العمل السياسي الكُردي على أسس أكثر توازناً وشمولية. ويتطلب ذلك تجاوز ثقافة الهيمنة الحزبية التي لطالما شكّلت عائقاً أمام تطوير الفضاء السياسي، والانتقال نحو ترسيخ مبدأ التعددية وضمان تمثيل كافة الفاعلين السياسيين، بما في ذلك المستقلون والكفاءات من داخل الوطن وخارجه. ويُعد إرساء العمل المؤسساتي عاملاً حاسماً في هذا السياق، حيث من شأنه أن يُلزم جميع الأطراف بالمخرجات والقرارات، ويحدّ من تكرار ظاهرة إصدار البيانات الرمزية، كما حدث في تجارب سابقة.
عقبات الواقع ورهانات التغيير
في ظل تعقيدات المشهد السوري وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، يبقى التفاهم الكُردي ـ الكُردي أحد المفاتيح الأساسية لإعادة رسم ملامح مستقبل المنطقة. ومع ذلك، يصطدم هذا التفاهم بعدد من العقبات التي تعرقل أي محاولة جدية لبناء رؤية مشتركة تتجاوز حدود الانقسامات. لكن التحدي الأكبر لا يكمن في التفاهم نفسه، بل في القدرة على تحويل أي اتفاق إلى واقع مستدام، مدعوم بآليات تنفيذ حقيقية وضمانات فعلية، بدلاً من أن يتحول إلى مجرد أوراق تُحفظ في الأدراج كما جرت العادة.
تُعد هيمنة العقلية الحزبية ومنطق الزعامة الفردية، إلى جانب الخلافات الأيديولوجية وعدم نضج مشاريع الإدارة الذاتية، من أبرز العوائق التي تعرقل مسار التفاهم الكُردي-الكُردي في سوريا. ويزداد المشهد تعقيداً نتيجة التدخلات الإقليمية، وعلى رأسها الدور التركي، الذي ينظر بريبة شديدة إلى أي مشروع سياسي كُردي منظم، ويعتبره تهديداً مباشراً لأمنه القومي، ولا يتوانى عن توظيف مختلف أدواته السياسية والعسكرية لإفشاله.
وفي هذا السياق، يبرز إشراك النخب الكُردية في المهجر كأحد مفاتيح الحل الممكنة، نظراً لما تملكه هذه النخب من خبرات ورؤى قد تساهم في تحقيق توازن يثري أي عملية تفاهم سياسي. إن إقصاء هذه الكفاءات من دائرة التأثير وصنع القرار يُعد خطأ استراتيجياً من شأنه تقويض فرص نجاح أي مشروع سياسي مستدام.
علاوة على ذلك، لا يمكن لأي حوار سياسي جاد أن يتجاهل الفوارق البنيوية بين القوى الكُردية الفاعلة وأدوارها، وفي مقدمتها “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي يتحمل مسؤوليات مضاعفة بحكم ثقله العسكري والسياسي، إلى جانب “المجلس الوطني الكُردي” الذي يُشكل أحد الأركان الأساسية في معادلة الشرعية السياسية الكُردية في سوريا.
أما على الصعيد الدولي، فإن دعم الولايات المتحدة والتحالف الدولي يعد أحد المفاتيح الأساسية لإضفاء الشرعية على أي تفاهم. بحكم الشراكة العسكرية مع “قوات سوريا الديمقراطية”، تملك واشنطن أدوات الضغط لدفع الأطراف نحو طاولة التفاهم وضبط التدخلات الخارجية، لاسيما التركية منها.
خارج الساحة السورية، يبرز إقليم كُردستان العراق كوسيط محتمل ونزيه يمتلك أدوات التوازن والخبرة، وهو مؤهل للعب دور الراعي لأي حوار جاد. نجاح الإقليم في هذا الدور سيمنح نتائج أي مؤتمر وزناً سياسياً إضافياً، خاصة إذا جاء ذلك مدعوماً بغطاء إقليمي ودولي واضح.
نجاح المؤتمر يعتمد على توازن دقيق يجمع الإرادة السياسية الصادقة، والدعم الإقليمي المسؤول، والغطاء الدولي الفعّال. ولكن الأهم من ذلك كله، هو قدرة الأطراف على تجاوز “خنادق الماضي” وفتح صفحة جديدة من التفاهم المبني على الشراكة والثقة.
ويبقى السؤال قائماً: هل نحن مستعدون لمواجهة التحدي كما يفرضه الواقع؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة.