الكورد في تركيا بين وعود أردوغان المتبخرة وسياسة التضييق: قراءة في الأزمة الراهنة

لوركا بيراني 

يعاني الكورد في تركيا من تحديات سياسية واجتماعية متفاقمة في ظل ما يبدو أنه تحول جذري في سياسات الحكومة التركية تجاههم بعد سنوات من الوعود التي أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان و المبادرة الاخيرة التي تكللت بالفشل لأسباب كثيرة بتقديم حقوق للكورد وتوسيع دورهم ضمن الدولة التركية شهد الوضع تراجعا واضحا.

وعدت الحكومة بفتح المجال للكورد كشركاء في الوطن  غير أن هذه الوعود ما لبثت أن تبددت وتحولت الى سياسة قمع واعتقالات  مستمرة تستهدف قياداتهم ونشطائهم ما أدى الى احتقان شديد في الشارع الكوردي وزيادة حالة عدم الثقة بين الكورد والحكومة.

وعود أردوغان السياسية للكورد ودوافعها

منذ صعود أردوغان الى السلطة وعد الكورد بمرحلة جديدة تقوم على الانفتاح والاعتراف بحقوقهم بما في ذلك الاعتراف باللغة والثقافة الكوردية وحقوقهم في التعبير والمشاركة السياسية. اعتبرت هذه الوعود جزءا من استراتيجية سياسية لأردوغان بهدف كسب دعم الكورد في الانتخابات المتعاقبة ولكن لم تكن الوعود موجهة لتحقيق تطلعات الكورد بقدر ما كانت وسيلة لضمان تأييد سياسي مرحلي مع مرور الوقت.

بدأت هذه الوعود تتآكل لتكشف عن سياسات تناقض تماما شعارات الانفتاح السابقة ما جعل الكورد يشعرون بخيبة الأمل معتبرين أن هذه الوعود لم تكن سوى أداة سياسية مؤقتة.

 وعي الكورد السياسي ورفضهم للمشاريع الوهمية

ازداد وعي الكورد السياسي نتيجة التجارب السابقة مع الحكومات التركية المتعاقبة وأصبح لديهم إدراك عميق بأن السياسات المقدمة لهم لم تكن جادة في تحقيق تطلعاتهم. هذا الوعي جعلهم حذرين من المشاريع التي اعتبروها مجرد أدوات لاحتواء المعارضة الكوردية وامتصاص مطالبهم دون نية حقيقية لتحقيقها. ومع تنامي هذا الوعي تصاعدت المطالب الشعبية الكوردية ورفض الكورد الانجرار وراء سياسات تخدم المصالح المؤقتة للحكومة ما دفع السلطات التركية الى انتهاج سياسة جديدة تعتمد على القمع والتضييق خاصة في أعقاب الانتخابات الديمقراطية الأخيرة.

 التوجهات المستقبلية للكورد الكفاح المسلح أم البحث عن حلول سياسية؟

بعد التحول الحاد في سياسات الحكومة التركية يجد الكورد أنفسهم أمام خيارات صعبة.

يطرح البعض خيار الكفاح المسلح كوسيلة للرد على القمع والاعتقالات المكثفة التي تستهدف قياداتهم ونشطائهم خاصة مع تصاعد الاحتقان في الشارع الكوردي. ومع ذلك فإن هذا الخيار ينطوي على مخاطر كبيرة خاصة في ظل الظروف السياسية والأمنية الراهنة. في المقابل قد يكون البحث عن حلول سياسية والتحالف مع قوى داخل تركيا أو التفاوض على حقوق معينة خيارا أكثر واقعية غير أن نجاحه يعتمد على استعداد الحكومة للتخلي عن سياسات التضييق.

 حق الكورد في تقرير المصير بين الواقع وسياق الانفصال

لطالما اعتبر الكورد في تركيا حق تقرير المصير جزءا من تطلعاتهم وهويتهم خاصة في ظل ما يرونه من سياسات تستهدف هويتهم وحقوقهم. ورغم أن هذا الحق يعتبر من الناحية القانونية والسياسية مشروعا الا أن السعي لتحقيقه يواجه تحديات كبيرة في ظل الواقع الراهن. تعتبر الحكومة التركية أن انفصال الكورد يشكل تهديدا لوحدة الدولة وهو ما يدفعها لاتخاذ تدابير قمعية بينما يرى الكورد أن هذه التدابير تزيد من مبررات مطالبتهم بحقوقهم وتغذي رغبتهم في تقرير مصيرهم بشكل مستقل.

يجد الكورد أنفسهم في تركيا وسط ظروف معقدة تتطلب منهم اتخاذ قرارات صعبة. فاستمرار سياسة التضييق والاعتقالات يزيد من حالة الاحتقان ويجعل مسار التفاهم مع الحكومة اكثر صعوبة. مستقبل الكورد مرتبط بمدى قدرتهم على المناورة السياسية وتحقيق مطالبهم بطرق جديدة. ومع ذلك يبقى احتمال انفراج الأزمة او تصعيدها مرهونا بتطورات الاحداث السياسية في تركيا ومدى استعداد الحكومة للاستماع الى مطالب الكورد وضمان حقوقهم ضمن الدولة.

 

4 / 11 / 2024

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في الأسابيع الأخيرة وبعد تفاقم وتوسع حرب غزة بين إسرائيل وحماس ، والمؤتمر العربي الإسلامي في الدوحة بعد الضربة الاسرائلية ، والبدء بتحضيرات انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة ، بالتزامن مع مؤتمر السلام وحل الدولتين في نيويورك ، والزيارة الأولى للرئيس السوري الى الولايات المتحدة الامريكية والمتوقعة ان يتخللها اتفاق امني سوري إسرائيلي ، وقرب انعقاد…

نارين عمر يقال: الرجال لا يعرفون ولا يظهرون إلا في الشدائد والمواقف الصعبة، عندها يظهر معدنهم لامعاً كالذهب أو متآكلا من الصدأ. كنعان عكيد أثبت على أنه رجل الشدائد والمواقف الصعبة، ككردي مناضل، صامد، مخلص لقضية شعبه، وفيّ لتراب وطنه من خلال مسيرته النضالية العريقة التي أثبت فيها على أنّ من يريد القيادة والريادة عليه أن يمتلك صفاتها وسماتها، ويتحمل…

هولير (ولاتي مه): بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع (ولاتى مه)، جرى تكريم كل من صحيفة كوردستان الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، وقناة ولات تي في، وذلك في مبنى قناة “ولات” بمدينة هولير. حيث تسلم الأستاذ صباح ميراني، المسؤول العام لإعلام الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، درعي التكريم المقدم…

عبدالعزيز قاسم منذ عقود، يعاني الشعب الكردي في سوريا من سياسات الانكار والتهميش السياسي والثقافي، والحرمان من أبسط حقوقه القومية، كالتعليم باللغة الأم والاعتراف بهويته القومية، إضافة إلى ممارسة السياسات العنصرية ومشاريع التعريب والتغيير الديمغرافي لمناطقه التاريخية منذ تأسيس الدولة السورية، ورغم التغيرات الجذرية التي شهدتها سورية بعد عام 2011 والى يومنا، فإن الأداء السياسي للأحزاب الكردية بقي في معظمه،…