الكورد على كف عفريت

 زاكروس عثمان
ما كاد الكورد ينتشون بهروب الرئيس السوري السابق بشار الاسد وسقوط نظام حكمه الدكتاتوري، حتى صدموا سريعا بمواقف و تصريحات مسؤولي مختلف اطراف ما كانت تسمى بالمعارضة السورية والتي غالبيتها بشكل او آخر تتبنى الموقف التركي من قضية كوردستان ڕۆژئاڤا و هو الرفض والانكار.
السوريون من الدلف إلى المزراب:
اذ بعد هيمنة هيئة تحرير الشام على غالبية الاراضي السورية دون قتال يذكر، واستلام زعيمها احمد الشرع ابو محمد الجولاني للحكم في العاصمة دمشق، لم يسمع الكورد او يلمسوا تغيرا ايجابيا في موقف حكام سوريا الجدد من قضية ڕۆژئاڤا، سوى تصريحات مفخخة وتعميمات ضبابية  فضفاضة تختزل الملف الكوردي في مصطلح (الاقلية) البغيض، وفي بضع من حقوق المواطنة والتي لها الف تفسير وتفسير، ما يثير قلق الاوساط الكوردية من محاولات طمس و تمييع قضيتهم القومية, والتصدق على الكورد بشيء بسيط من حقوق الإنسان.
وما يزيد من مخاوف الكورد هو ان مواقف التنظيمات السياسية السورية الاخرى خاصة التيارات الرئيسية  في المعارضة السابقة رغم اختلاف مشاربها الايديولوجية فإنها تلتقي على موقف واحد وهو الاستمرار على سياسة النظام البائد في حرمان الشعب الكوردي من حقوقه المشروعة ومن حقه في تقرير المصير، ما معناه ان موقف الجولاني والتنظيمات السورية الاخرى من قضية ڕۆژئاڤا هو نسخة طبق الاصل من الموقف التركي.
ويعمل الجولاني بطل اسقاط الدكتاتورية!! بتوجيه من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على الاسراع في انجاز بعض المهام قبل خفوت زخم الدعم الشعبي له، ومن ابرز هذه المهام توطيد سلطته ليس كحاكم مؤقت بل رئيسا دائم لسوريا، الغاء القرار الدولي 2254 الخاص بتسوية الوضع في سوريا، وبالتالي الغاء الكثير من القضايا العالقة وابرزها قضية كوردستان ڕۆژئاڤا، في هذا المجال يلاحظ تدفق  الوفود العسكرية الامنية والدبلوماسية من انقرا إلى دمشق، و قريبا سوف يذهب اردوغان بنفسه إلى العاصمة السورية للصلاة!! في الجامع الاموي وهذه رمزية تشير إلى ان سوريا ولاية عادت إلى حظيرة السلطنة العثمانية وسوف تكون بوابة توسع الترك في بلدان المنطقة، وقد اعلنها اردوغان من قبل بكل صراحة و وضوح قائلا: سوف نضع هيكل الدولة السورية ونصيغ دستور لها، اين حدث هذا، حاكم دولة اجنبية يقرر صنع هيكل دولة في بلد اخر، ويفصل لها دستورا حسب مزاجه، اين هي سيادة واستقلالية هذا البلد ان كان من يصنع هياكلها حاكم اجنبي، اين هي مشيئة شعبها ان كان اجنبي يضع لها دستورا، الا يعني ذلك بان هذا البلد اصبح مستعمرة وان من يديرها مجرد موظف لدى سلطات الاحتلال، خاصة اننا لم نسمع الجولاني ولا احد من فريقه يحتج على تصريحات اردوغان كونها تدخل سافر في ادق الشؤون الداخلية واكثرها حساسية.
تركيا كلو كوم والكورد كوم:
لا شك ان لتركيا اطماع ومآرب كثيرة في سوريا ولكن غايتها العظمى هي القضاء على الشعب الكوردي في الجزء الكوردستاني الخاضع لسوريا و كذلك في الاجزاء الاخرى، حيث تشكل كوردستان حاجزا بشريا وطبيعيا ضخما امام الاطماع التركية في بلدان المنطقة، وبدون القضاء على الامة الكوردية لن تستطيع تركيا تحقيق مآربها الاخرى.
 وما يزيد من حجم التحديات والمخاطر التي تواجه كورد ڕۆژئاڤا هو ان التطورات الدراماتيكية المتلاحقة التي عصفت بسوريا في الآونة الاخيرة، تأتي بين لحظة واخرى بتداعيات جديدة ومستمرة، وعلى ما يبدو فإنها حتى اللحظة ليست في صالح الكورد، كان المتوقع ان تقوم قوات سوريا الديمقراطية ـ قسد  المحسوبة على الكورد بمهمة السيطرة على دمشق واسقاط نظام الاسد، لتحصل على دعم من مختلف الاطياف السورية، وكذلك من بعض الدول العربية والاقليمية ناهيك عن دول التحالف الدولي، فيكون لها دور محوري في حل الازمة السورية وضمان حصول الكورد على حقوقهم المشروعة، ولكن حدث العكس وكانت المفاجئة ان مهمة اسقاط الدكتاتورية اوكلت الى حلفاء تركيا وهم هيئة تحرير الشام (فرع تنظيم القاعدة في سوريا) وفصائل مرتزقة الجيش الوطني وهما اشد خصوم الكورد، حيث شاهدنا مسرحية هزيمة جيش الاسد وسقوط نظامه في ايام معدودة، فاذا بهيئة تحرير الشام المدرجة على لائحة الارهاب من قبل الامم المتحدة تتحول بين ليلة وضحاها إلى فصيل ثوري يحظى بدعم شعبي, واذا بوفود الدول تتقاطر الى دمشق للتبرك بالجولاني رغم ان اسمه ما زال موجود في قائمة الارهابيين، ولم يكن تسلمه للسلطة في دمشق لصالح الكورد لارتباطه الوثيق بتركيا، ولم يقتصر الامر على ذلك إذ نتج عن انسحاب جيش الاسد من مناطق عدة فراغ امني و فوضى اديا إلى خلل في توازنات كانت هشة بالأصل، حيث انتهزت فصائل مرتزقة الجيش الوطني الموالية لتركيا الفرصة لتتقدم إلى مناطق تسيطر عليها قوات قسد، بالترافق مع تصعيد وتيرة القصف التركي لمختلف مناطق الادارة الذاتية، وانسحبت قوات قسد من مدن وبلدات بما فيها منبج، واليوم تضغط تركيا مع فصائل المرتزقة لدفع قوات قسد على الانسحاب من كوباني وسد تشرين، ويطالب اردوغان الولايات المتحدة بالسماح له باحتلال كوردستان ڕۆژئاڤا بالكامل بذريعة مكافحة حزب العمال الكوردستاني، فيما لا تتخذ واشنطن قرارا حاسما، بل تكتفي بردع اردوغان عن اصدار امر لجيشه بشن هجوم بري واسع، ربما يكون هذا الوضع خطة تركية لإرهاق واستنزاف قوات قسد, ريثما يتفرغ الجولاني من تشكيل حكومته ومن مسائل اخرى في دمشق، الى ان يوطد سيطرته الامنية والعسكرية على مختلف المناطق الخاضعة له، ثم يتوجه إلى قوات قسد بحجة عدم قبول وجود كيان مسلح إلى جانب القوات المسلحة الحكومية.
كلمة حق يراد بها باطل:
 في هذا السياق طالب الجولاني بحل كافة الفصائل المسلحة او دمجها في الجيش النظامي، مع انه لا يوجد جيش نظامي بل الموجود هو عناصر تنظيم هيئة تحرير الشام, وبين في اجتماع مع قادة بعض الفصائل انه بعد سقوط نظام الاسد انتفت الحاجة الى فصائل مسلحة، ويجب الانتقال الى العمل السياسي وبناء مؤسسات الدولة، هذا كلمة حق ولكن يراد بها باطل، والغاية الحقيقية الوحيدة لهذه الدعوة هي استهداف قوات قسد بأوامر تركية عليا.
لا يخفى على احد ان هيئة تحرير الشام التي تحتكر ادارة الدولة السورية في المرحلة المؤقتة خاضعة لتركيا بشكل كلي تقريبا، وكذلك فان فصائل مرتزقة الجيش الوطني تتبع انقرة تماما، وبما ان هذه الفصائل من المكون العربي فإنها حققت هدفها الرئيسي في اسقاط نظام الاسد، اما مطالب المكون العربي الاخرى فإنها مضمونة و سوف تتحقق في سياق العملية السياسية التي بدأت من الآن، ولن يحتاج المكون العربي او التنظيمات التي تعمل باسمه الى معارك سياسية او ميدانية من اجل تثبيت حقوقه القومية و الانسانية والتأكيد على هويته الخاصة، فالعرب بالأصل حتى في عهد الاسد يمتلكون هذه الحقوق، وتبقى مسألة الحريات العامة والفردية وحقوق الانسان والديمقراطية التي لن تكون موضع نزاع مسلح بين التنظيمات العربية، كونها اجمالا تميل الى الاستبداد و تتبنى الاسلام السياسي الاخواني او السلفي.
يريدون كورد بلا انياب:
ما هو هدف الجولاني من التشديد على حل الفصائل، ان  كان لا يستهدف بالدرجة الاولى فصائل المرتزقة بشمال سوريا، فصائل حوران بالجنوب، او جيش سوريا الحرة في البادية، لا شك انه بدعوته هذه يستهدف اولا واخيرا قوات قسد، لأنها تمثل الشعب الكوردي، وحيث ان مسألة ڕۆژئاڤا سوف تكون اصعب قضية في العملية السياسية الجارية في سوريا، لوجود تباين جوهري بين العرب و الكورد حول هذه القضية، الكورد يطالبون بنوع من الفيدرالية او الحكم الذاتي وتثبيت ذلك دستوريا، وما يترتب على ذلك من تمتع الكورد بحقوقهم القومية والانسانية والعدالة في توزيع الثروة، فيما التنظيمات العربية ترفض قطعيا منح الكورد حكم ذاتي، بل يكتفون بالحديث عن المساواة في الحقوق والواجبات بين كافة المكونات السورية، و ترى نخب كوردية بل تتوجس من ان الهدف من هذا التعميم والتصريحات الضبابية هو انكار الحقوق الكوردية، لهذا تسعى تركيا بكل الطرق الى التخلص من قوات قسد وهدم الادارة الذاتية، ولان واشنطن لم تسمح له حتى الآن بهجوم بري على ڕۆژئاڤا فانه قلق من ديمومة قوات قسد الى حين بدء الاستحقاقات الدستورية في سوريا، ومن ضمنها فتح ملف الشعب الكوردي، حيث التباين كبير بين موقف الطرفين، الجولاني يلمح الى حقوق متواضعة فيما الحركة الكوردية تطالب بالفيدرالية، بهذه الحالة ان لم تكن هناك قوة مسلحة للكورد تدعم موقفهم التفاوضي لتنتزع اكبر قدر من حقوقهم  الشرعية، فان الحكم الجديد في سوريا سوف يقمع الكورد ويصادر حقوقهم، لهذا تعمل تركيا على انهاء قوات قسد لأنها الضمان الوحيد لإحقاق الحقوق الكوردية، دون ذلك فإنها ستخوض القتال ولن يكون ذلك جيدا للحكومة السورية ولا لتركيا، لان النزاع قد يدفع بالتحالف الدولي الى التدخل او فرض حماية دولية على كوردستان ڕۆژئاڤا ويمكن للعملية ان تتطور الى اعلان الفيدرالية، وهذا سيكون ابشع شيء يحصل لتركيا.
لا تفقد الامل
الوضع غامض ومعقد للغاية وهو مفتوح على كل الاحتمالات والمفاجئات وما هو متوقع او غير متوقع، المرجو هو ان يكون للجولاني دور مرحلي محدد، وان تظهر الانتهاكات التي يقوم بها عناصر تنظيمه إلى العلن، ليصحو الناس من السكرة و تأتيهم الفكرة ليكتشفوا ان من رضع من ثدي الفكر السلفي الجهادي لا يمكن ان يكون رجل دولة يقبل بالتعددية والديمقراطية والانتخابات والحريات العامة والفردية، فالدولة في نظر هؤلاء إمارة حرب والسلطة تؤخذ بالجهاد، وبيعة الامير تكون بوضع السيوف على الرقاب و ليس بالانتخابات، ومن خالف الشريعة تجز عنقه، ما يبعث الامل هو ان الناس تحررت من الخوف وها هي المدن السورية بدأت تشهد الاحتجاجات على ممارسات عسس الجولاني، إذ بدون حكم ديمقراطي علماني لن ينعم الكوردي ولا السوري بالسلام والحرية, والقرار يرجع إلى القوى التي كلفت الجولاني بإسقاط بشار الاسد فهي من اتت به وهي من تستطيع الحاقه ببشار، فهل تكلف ابن حلال بنقل البلد إلى مرحلة ما بعد السلفية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…