الكرد والمتغيرات في سوريا: واقع مأزوم ومستقبل مجهول

نوهات دياب
أخشى أن يخرج الشعب الكرديّ خالي الوفاض من المتغيرات الحاصلة في سوريا، طالما يحمل كثير من السوريين ثقافة البعث وثقافة الشعب الواحد، واللغة الواحدة، والعلم الواحد، والجيش من مكون واحد، وعقلية تصعب عليها مواكبة العصر والإيمان بحقوق الآخرين.
ومن يتابع ما يصرح به معظم النخب السورية يظن، من الوهلة الأولى، أنّ سوريا لم تمرّ بمخاض عسير من القتل والتهجير والصراع الطائفي، بل كان التحول سلسًا من نظام إلى نظام دون أي إشكاليات، وعليه، فالحفاظ على الإرث القديم لا بد منه.
فبعد رحيل النظام، زادت وتيرة النعرات القومية والطائفية، وتكاد حالات الانتقام أن تكون يومية، وباتت نظرة التعالي والاستفراد بالسلطة ميزة لدى المعظم من مكون معين، وكأن لسان حالهم يقول: “نحن من هُجِّرنا وقُتلنا، ووقفنا ضد هذا النظام، ولنا الفضل في إسقاطه، ولنا الحق بأن نحكم”، بحسب مقولة: “من يحرّر يقرّر”، متناسين أن من أسقط النظام هي أميركا، التي أعطت الضوء الأخضر لأدواتها وأذرعها من الدول مثل تركيا وقطر لإدارة الوضع. فلولا الضوء الأخضر الأميركي، لبقي النظام، ولم يكن بمقدور عدة فصائل متناحرة، وموضوعة ضمن قوائم الإرهاب، أن تتحرك.
مشكلة السوريين، ومعظم دول الشرق، أنهم يفتقرون إلى أدنى الثقافة والوعي، ولهذا تراهم يتناحرون ويتصارعون ويتقاتلون على أحداث وقعت قبل ألف وأربعمائة عام! والأنكى أن حتى نخبهم السياسية والاجتماعية، وحتى الدينية، أسيرة لتلك الثقافة، وليس بمقدورها الخروج منها. فهم يعيشون في دول أوروبا سنوات، بل عقودًا، ولا يتأثرون بقوانينها، ولا بحضاراتها، ولا حتى بديمقراطياتها.
بعد إسقاط النظام، زادت وتيرة الحقد والضغينة على الكرد، ويتسابق الأغلب في بث سمومه وحقده عليهم؛ كي ينال رضا أطراف معيّنة. كانوا يحملون نفس العقلية ونفس النظرة تجاه اليهود، وكانوا يمقتونهم، ويطلقون عليهم أفظع الشتائم والألقاب، كالخنازير والقردة، وأنهم ليسوا شعبًا واحدًا… إلخ.
ومن ينظر إلى دولة إسرائيل ووضع شعبها، سيدرك مدى ضحالة فكر وثقافة من كانوا يقولون ذلك؛ فمنهم علماء ومفكرون على مستوى العالم، من الأصل العبري والديانة اليهودية. فمعظم رجال الاقتصاد والإعلام العالمي من اليهود، وقد حولوا أرضًا ذات مساحة صغيرة إلى واحة من الديمقراطية والعلم والتطور. أما في الطرف الثاني، فلم نشاهد إلا إطلاق العنان للعنتريات، التي لم تقتل ذبابة، من الشعارات القومجية والعنصرية، كقولهم: “سوف نرمي اليهود في البحر” أو “سنزيل وجودهم، ولن يبقى يهودي واحد، وسيفرون إلى حيث أتوا”.
وتحت تلك الشعارات، ابتداءً من جمال عبد الناصر إلى صدام، وآخرهم بشار، ظلت الدول العربية “مكانك راوح”، واستمر الفقر والجهل والتخلف، ورسخت مفاهيم الانتقام لديها، وصارت الدول العربية خرابًا، وشعوبها باتت مهجرة، لاجئة، مشردة، تتنقل من دولة إلى أخرى، فيما ظلت دولهم هياكل فارغة وخرائب تنعق فيها الغربان.
المفارقة أنهم لا يتعظون، ولا يستطيعون التخلص من وباء الماضي، فحتى ادعاء الحضارة متعلق بالماضي، وليس العيش في الحاضر بعقلية تواكب التطور والتمدن والعصر. وقد وصلت إلى قناعة بأن الشعوب العربية هي التي تسعى لخلق الأصنام والدكتاتوريات، ولا تريد الخلاص منها، وأعتقد أن ذلك من الموروث الديني، حينما كانوا يصنعون الأصنام من التمر، ويعبدونها، ثم يأكلونها حينما يجوعون. بل الأسوأ من ذلك، ما زالت تلك الثقافة منتشرة بين الشعوب العربية؛ فإن تخلصوا من صنم، بحثوا عن آخر، وهكذا دواليك.
ومن خلال متابعتي ومشاهداتي للوضع السوري، لست متفائلًا بسوريا جديدة، بل ستستمر نفس العقلية، ونفس الموروث الاجتماعي والديني، وستبقى الدول العربية وشعوبها في دوامة الفكر الشمولي الاستقصائي غير القابل للتغيير والتجديد. وقدر الكرد أنهم جيران للعرب، ويجمعهم تاريخ طويل ومجاورة جغرافية، لكني لا أستطيع إقناع نفسي بأن الكرد سيحصلون على حقوقهم، طالما بقي السوريون بتلك العقلية.
أما بخصوص مواقف أميركا والدول الأوروبية تجاه الكرد، فتلك المواقف تتداعى وتنهار أمام الصفقات والمصالح الاقتصادية. ومسألة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وشعارات الإنسانية والديمقراطية، ما هي إلا أدوات لتمرير مشاريعهم التوسعية، وتلك الشعارات تصبح في خبر كان حين تتشارك الدول أو تتصارع مع بعضها لتقسيم الغنائم. وأعتقد أن الحالة الكردية، بشكل عام، في تراجع، لا سيما فيما يتعلق بكردستان العراق.
وما آلت إليه ظروف إقليم كردستان الاقتصادية، بعد قطع الميزانية عنها من أقرب حلفائها المفترضين (الشيعة)، خير مثال. وبرغم ذلك، لم تضغط إدارة بايدن على الحكومة الشيعية، المتمثلة بالمليشيات الإرهابية، التي تعمل خارج إطار الدولة والدستور، وتضع عراقيل كثيرة، وتعمل على تجويع شعب الإقليم، حين تحرمه من تصدير النفط وقطع رواتب الموظفين.
كما دخلت في الأمر أطراف تعمل على زعزعة أمن الإقليم، من خلال المظاهرات التي تخرج في السليمانية، ويكون بعض البرلمانيين الشيعة متواجدين بين المتظاهرين بحجة دعم قضيتهم. ورغم كل ذلك، لم تحرك إدارة بايدن ساكنًا، وظلت صامتة عن كل تلك الخروقات.
تلك الإدارة التي كان من المفترض أن تكون صديقة للكرد، خاصة أن بايدن صرح للرئيس بارزاني قائلًا: “إنك سترى كردستان في حياتك”.
16.02.2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…