الكرد والتحديات الراهنة

عبدالعزيز قاسم 
بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠
وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي من أبناء شعبنا الكردي كأفراد، وبدافع الغيرة على المصالح القومية العليا ليس إلا؛ ناهيك عن الحراك الدولي المكثف لبعض الدول ذات الشأن بالملف السوري عموماً والكردي خصوصاً؛ كالولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية فرنسا؛ واللتان  أبديتا إهتماماً واضحاً بالملف الكردي في ” كردستان سوريا ” وأكدتا على ضرورة وحدة الصف الكردي والتي تعثرت في السنوات الأخيرة كنتيجةً مباشرةً لفشل توصل الطرفين الكرديين لتفاهمات ملموسة وتنصلهما من الإستجابة للإستحقاقات القومية آنذاك ٠٠٠
والملاحظ اليوم؛ ومع تزايد المطالبات وصيحات الإستجداء الجماهيرية الصادقة لضرورة التوحد والتكاتف ورغم المبادرة ( الأمريكية – الفرنسية) وللأسف لا نجد أُفقاً للتقارب الكردي – الكردي والمتمثل ب:” المجلس الوطني الكردي ” و” إئتلاف أحزاب الإدارة الذاتية ” وحتى ” الأحزاب الكردية الأخرى الغير المنضوية تحت لوائهما”، ورغم كل الجهود الدولية والمناشدات الشعبية في ضرورة إيجاد أرضية مشتركة ونوع من التوافق الكردي – الكردي  ولما له من بالغ الأهمية في تشكيل وفد كردي مشترك يحمل برنامجاً وطنياً كردياً جامعا وأرضيةً للتفاوض المرحلي والمستقبلي مع “دمشق” وكيفية وضع العلاقة السياسية مع حكومة المركز ” سواءً كانت فيدرالية ً أم حكماً ذاتياً لكردستان سوريا”.
وبالنظر لما يجري ورغم كل دعوات ومطالبات ضرورة إيجاد رؤية وخطاب موحد، نجد أن الخلافات تتخذ أبعاداً اُخرى وأكثر تعقيداً وتوسعاً وكأنها تسعى وبشكل مقصود لتخرج عن دائرة الملف الكردي السوري!
وكما يبدو لي أنّ المساعي المذكورة لن تأتي بمخرجات  ملموسة تخدم القضية!
وفي مثل هذه الحالة المستعصية لا بد من البحث عن خيارات  أُخرى؛ فليس منطقياً ربط مسألة المطالبة بحقوق شعب مع مسائل ثانوية أقل شأناً وتحتمل التأجيل والترحيل لمراحل تالية! ومنها على سبيل المثال لا الحصر : مسائل حل  الخلافات الجانبية وكذا الرهان على خيار حل الخلافات الحزبية وتفضيلها على القضايا القومية العليا والنظر إليها كرِهان وحيد؛ وإن بات مستحيلاً بنظري ! وإن  تحقق فسيكون التفاهم على توزيع المناصب والمكاسب الحزبية الضيقة أو أنها ستُجهض قبل أنْ تولد كما في الإتفاقات السابقة ٠
والاغرب من كل هذا هو مانراه اليوم وعلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن بعض قياديي الأحزاب الكردية يذهبون بإتجاه تعميق وتكريس الخلافات وطرح مطالب وإملاءاتٍ لأطراف  إقليمية معادية لتطلعات وحقوق الشعب الكردي على الطاولة الكردية، أو السعي لإفراغ القضية الكردية من محتواها القومي والإصرار على رفض الحقوق القومية الكردية ورفض الفيدرالية او اللامركزية على اساس قومي!
ووسط حالة من التعنت الحزبي الضيق واللامسؤول واللامبرر وبقاء الخطاب الخشبي والعقيم وهدر الوقت سدىً؛ يتولد شعور صادق في الشارع وينكشف جلياً أن هذه الأحزاب غدت عبئا على القضية الكردية بعددها الهائل٠٠٠٠٠٠٠٠
لقد آن الآوان لسياسة المحاور والتبعية والادلجة أن  تسقط! فقد سقطت الحجج والذرائع المرحلية تلك ولابد من وضع الألوية القومية نصب الأعين، رغم مايشاع بأن وقتها قد مضى!.
وبعد كل تلك الكوارث والأحداث الجِسام التي حلّت  بالشعب الكردي وعلى مدى أكثر من عقدٍ ونيف ٍ من الزمن وكنتيجة منطقية  كحالة الإحتراب الحزبي لهذه الأحزاب في رفضها واصرارها للإستماع لصوت العقل وبالرغم من كل المناشدات الدولية والدعوات لضرورة وحدة الصف والكلمة؛ فقد ظلت تلك وعلى الدوام تصم آذانها في ألا تسمع؛ منسلخة ً في ذلك عن واقعها الكردي الذي يبدوا وكأنه لا ينتمي إليه!
وبدءا على القول : ” ان هذه ” الأحزاب ”  ظلت  على الدوام تعتبر الصوت المخالف لمصالحهم الحزبية، صوتا نشازا ؛ ناهيك عن الأحداث الجِسام والكوارث التي حلّت بشعبنا إبتدءا من احتلال عفرين وسري كانيية وگري سپي ٠٠٠
ولزاماً أرى من الصعوبة أن تتفق هذه الأحزاب المتهرلة اليوم؛ وبالتأكيد فان الرِهان عليهم صعب للغاية.
ووسط كل تلك الدلائل والتجارب السابقة لا يبدو في الأفق المنظور توفر أية بادرة أو فرصة حقيقية لتحقيق تفاهمات أو تقاربات “حزبية” كردية – كردية!  وعندما يدرك المتنفذين في الاحزاب ويشعرون بالفعل وجود “خيارات بديلة ” مستعدة وقادرة على سحب البساط من تحت  أقدامهم ليتهاووا تهاوي التماثيل والأصنام كما هي الآن تحدث في الساحات السورية وعندما يكون  ذلك الخيار قادراً على التفاوض كوفد مشترك وعلى برنامج وطني كردي جامع وفق صيغة ٍما “فيدرالية أم حكم ذاتي” لكردستان سوريا.
والخلاصة ان الرهان على هذا الكم الهائل من “الأحزاب” الاي شتت الشارع الكردي واصبحت مترهلة بفعل التقادم الزمني وكما اثبت الواقع العملي؛ لا المنظور الفكري الشخصي؛ لا يؤمل ما لا يؤمل إصلاحه وهي كعمليات تدوير للفئات الحزبية الفاشلة والمتنفذة على المشهد السياسي الكردي ومنذ ما يقارب أكثر من عقد من الزمن، وكما ان المياه الراكدة تتعفن وأن التغيير هي سمة الكون، فلا بد من تغيير تلك القيادات الفاشلة، لا شكلياً كالتدوير او تجديد اوتغيير الاقنعة أو المسميات، والخيار الوحيد هو خيار الوحدة الحقيقية ( وحدة الشارع الكردي) – والذي ظل غائباً كما أرى الآن – وهذا هو الضامن لنيل الحقوق القومية والسياسية المشروعة، وعلى الساسة الكرد المستقلين والكُتّاب والأكاديميين والمعتقلين السياسيين عدم  القبول بهذا الواقع المرير والإصطفاف التحزبي الهدّام والعقيم!
وفي الختام لا بد من التذكير بأنه قد حدثت وتحدث في سوريا مرحلة جديدة هي في بالغ الاهمية وقد تمتد آثارها لدول الجوار، فالتاريخ يُكتب الآن  وعلى الكرد التطلع والشروع بحرص وإخلاص  وبروح المسؤولية وإنتهاز الفرصة التاريخية السانحة وعدم إضاعتها وحيث أن تلك الفرص لا تأتي كل مرة  وقد لا تأتي لقرون فعليها قد تتعلق مصير أُمة بأكملها!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…

خليل مصطفى مطالب كورد سوريا (بعد سقوط نظام البعث) ليست بجديدة، بل هي قديمة. فالغالبية العظمى من أبناء شعوب الأُمُّة السُّورية (وتحديداً ذوي الذهنية الشوفينية / عرباً وآخرين أمثالهم): لم يقرؤوا التاريخ الحقيقي لشعوب الأُمَّة السورية وتحديداً المُتعلق بالشعب الكوردي.؟! ولذا أُعرض للمعنيين (أعلاه) جزئيات من تاريخ سوريا (فترة الانتداب الفرنسي): أوَّلاً / عملت فرنسا خلال الأعوام من 1920 إلى…

أزاد خليل* في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا منعطفًا تاريخيًا بعد إسقاط نظام الأسد، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، بعيدًا عن عقود من الاستبداد والحرب. هذه المرحلة تشكل نقطة تحول نحو تحقيق تطلعات السوريين للحرية والكرامة، بعد أربعة عشر عامًا من النضال والتضحيات. الفرص والتحديات أمام سوريا الجديدة مع إسقاط النظام، باتت…

يبدو أن هناك مرضاً متجذراً في المنظمات الكردية في روج آفاي كردستان، يتمثل في التبعية لمحاور كردستانية وإبراز المصالح الفردية على حساب الروح الجماعية والمؤسساتية. وللأسف، أصبح العمل عكس الشعارات والمواثيق والبرامج التي تعلنها هذه المنظمات ظاهرة واضحة، وكان آخرها ما يُسمى بـ”جبهة كردستان سوريا”. لقد كانت مطالبنا في هذه المرحلة واضحة وصريحة: توحيد الخطاب السياسي الكردي، والاتفاق على حقوق…