عزالدين ملا
تشهد منطقة الشرق الأوسط والعالم تطورات وأحداثاً كبيرة وخطيرة، تظهر معها تعقيدات جديدة في التعامل الدولي مع الملفات القائمة على الساحتين الإقليمية والدولية، كما أن الانتقال الدراماتيكي في العلاقات بين الدول الكبرى والكيانات وحتى المجتمعات تزداد توتراً وتعقيداً، مما يؤثر سلباً في طبيعة الصراعات القائمة، وتبثُّ الخوف والرعب في خروج تلك الصراعات عن السيطرة، نتيجة التقنيات والمعدات الحديثة والمتطورة والتي قد تكون كارثة على البشرية جمعاء رغم إيجابياتها إن تم استعمالها سلباً.
نعلم أن معظم هذه الصراعات الدولية تعود بمجملها إلى الجغرافية السياسية من خلال سعي الدول إلى تعزيز مصالحها الاستراتيجية وحماية أمنها القومي، ويبدو أن منطقة الشرق الأوسط أكثر الجغرافيات استراتيجيةً لتنفيذ تلك المهام، وما يسهل مهامها الأفكار والإيدولوجيات الداخلة والمتداخلة الموجودة في عمق مجتمعات الشرق الأوسطية، وتعد من أهم محرّكات النزاعات القائمة على هذه الجغرافيا، ومن هذا المنطلق اعتقد أن جميع الصراعات مترابطة والعلاقات بين الدول متشابكة، ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض، والحلول تكون واحدة.
كما نلتمس، ظهور تحوّلات عميقة وكبيرة في بنية العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى الأحداث الكبيرة التي مرّت بها منطقة الشرق الأوسط والعالم من أزمات الربيع العربي، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية وآخرها حرب إسرائيل وحماس. ويعود بعضها الآخر إلى تحوّلات جيواستراتيجية عالمية من التّسارُع الهائل في تقنيات العولمة والذكاء الاصطناعي والتغيُّرات المناخية التي طرأت على العالم في السنوات القليلة الماضية، سبّبت في تمرّد بعض الدول عن نطاق وجودها وإظهار نفسها كقوة وقطب، كما فعلها نظام صدام حسين سابقاً، ودفع ثمن غطرسته، والآن النظامان الإيراني والتركي، مما يلحق أضراراً في التوازنات على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم.
لذا، نرى نزاعات كثيرة وتحولات سياسية جذرية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتداخل كافة القضايا مع الأزمات الإنسانية والتحديات الاقتصادية والسياسات الخارجية للقوى العظمى، ويكتسب هذا الواقع تعقيداً في ظهور ديناميكيات جديدة على السطح، مثل تحركات أدوات الدول في تأزُّم الصراع وتعقيدها، كـالحوثيين وهجماتهم المتكررة على طريق التجارة العالمي في خليج عدن والبحر الأحمر، وكذلك تحرشات حزب الله ضد اسرائيل من خلال اطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة، وأيضاً الفصائل المسلحة في العراق التي لا تتوانى في إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة على القواعد الأمريكية والتحالف الدولي في العراق وسوريا. هذا بالإضافة إلى تحريك أدوات النظام السوري والإيراني من العشائر في منطقة ديرالزور، وشنّ هجمات على قواعد التحالف الدولي وخلق حالة تأزم والاصطدام مع قسد، وخلق حالة استنفار في مدينتي الحسكة وقامشلو بين الجانبين، ما أدّى إلى حالة هلع وخوف لدى المواطنين، وألقى بظلالها على الوضع المعيشي والاقتصادي في سوريا بشكل عام وخاصة على المناطق الشرقية والجزيرة.
أعتقدُ أن النفوذ الإيراني كان ومازال عاملًا رئيسًا في التوترات الحاصلة في الشرق الأوسط، حيث تسعى إيران إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية، وتوسيع دائرة نفوذها، وهو ما يشكّل تحدياً للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، كما يخلق توترات مع دول الخليج، إلى جانب ذلك، يحمل النفوذ الإيراني تداعيات كبرى على الأمن الإقليمي، خاصةً مع توسع تحالفاتها، ودعمها جماعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والفصائل المسلحة والحشد الشيعي في العراق، وجماعات أخرى في سوريا، وهو ما يشير إلى استراتيجية إيرانية لبناء شبكة نفوذ تمتد عبر الشرق الأوسط والتي تهدد في مجملها استقرار المنطقة وتهديدا لمصالح وأمن الغرب وأمريكا وكذلك تهديدا لاستقرار المجتمعات المحلية.
برأيي أن وجود الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ضرورة، ولها غاية محددة وهو تفكيك المنطقة جغرافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً بعد أن وصلت إلى قناعة في عدم جدوى إصلاح هذه الأنظمة، ومن ثم إعادة صياغتها وفق متطلبات المرحلة وتداركاً للفوضى وحفاظاً على استقرار المجتمعات والشعوب التي ترزح تحت وطأة استبدادها وخاصة أمام التنوع القومي والطائفي وحتى الفكري والأيديولوجي، لذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل مع الحكومات الوازنة ومع هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمنع الإساءة للمجتمعات والشعوب وأن تمنع نشوء إيديولوجيات فكرية متطرفة تجرّد هذه المجتمعات من إنسانيتها وتقودها إلى كوارث جديدة.
ضمن هذه الجغرافيا الصعبة والمجتمعات المعقدة، تبقى القضية الكُردية من القضايا الشائكة والأكثر تعقيداً، واستقرار المنطقة مرتبط باستقرار هذه القضية، ومحاولات جادة وقوية في حل القضية الكُردية لضمان أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط أولاً، وإعادة جزء مهضوم من حقوق هذه القومية وإعادة اعتبار لشعارات الدول المنادي للديمقراطية وحقوق الإنسان.
يتطلب من الأطراف الكُردية قراءة المشهد السياسي الحالي بمسؤولية، وبوادر المسؤولية تجاه القضية الكُردية من قبل الدول صاحبة القرار والذي بدأت منذ حرب الخليج وتشكيل إقليم كُردي في جنوب كوردستان، وإعطاء هذا الإقليم أهمية ودور شبه دولة مستقلة، وكذلك تقديم الكُرد في سوريا كـطرف أساسي لأيِّ حلّ سوري مستقبلي، وفي الآونة الأخيرة ترخيص حزب سياسي كُردي في تركيا يطالب بحق تقرير مصير للشعب الكُردي.
على القادة السياسيين الكُرد العمل بمسؤولية وإرادة روح كُردية، والسير نحو توحيد الجهود والطاقات والبحث عن كيفية ربط المصالح الكُردية العليا مع مصالح الدول ذات الشأن في التغيير والاستقرار وحق تقرير المصير للشعب الكُردي.