شكري بكر
لو أردنا أن نخوض سردا لواقع الحركة الكوردية بشكل عام نرى أن أغلب القيادات الكوردية وأخص السورية منهم يحبذون المديح والتصفيق والتمجيد بهم ، لكنهم لا يحبذون النقد بأي شكل كان إلا الندر . وقد ساهمت هذه القيادات بشكل كبير بنقل هذا المرض إلى القواعد وبشكل منظم .
مرض الأنا (الأنانية) هذا خلق لدى القواعد ثقافة الإلغاء والإقصاء التي أدت إلى الشروع بإنتشار الحراك الإنشقاقي في الحركة التحررية الوطنية الكوردية وفي كافة الأجزاء والتي فاقت الواقع بجميع أشكاله ، ففي كوردستان تركيا تجاوز عدد الأحزاب فيها لأكثر من ثلاثين حزبا ، وفي كوردستان العراق فقد تجاوز عدد الأحزاب فيها إلى أكثر من أحد عشر حزبا ، وفي كوردستان إيران هو الجزء الأقل تعرضا للحراك الإنشقاقي حيث لا تتجاوز عدد أحزابها إلى خمسة أحزاب ، أما في كوردستان سوريا هو الجزء الأصغر من أجزاء كوردستان ، فكان نصيبه الأكثر تعرضا للحراك الإنشقاقي حيث تجاوز عدد الأحزاب فيها لأكثر من مئة حزب ، والسؤال الذي يتبادر لذهننا هو :
لماذا تعرضت الحركة الكوردية في سوريا لهذا الكم الهائل من الإنشقاقات؟.
أعتقد أن الجواب على هذا السؤال لها عدة جوانب ، منها شخصية ، ومنها تنظيمية ومنها فكرية وسياسية مبدئية
نتيجة خضوعها لظروف ذاتية وموضوعية ، يجدر بي الإشارة هنا إلى نقطة هامة ألا وهي ، تدخل أحزاب جزئين من كوردستان هما كوردستان العراق عبر دعمها المادي والمعنوي ، أما كوردستان تركيا فقد فقد جاء تدخلها بشكل شخصي ، لذا نرى بأن أغلب القيادات الكوردية في سوريا هم كانوا من كورد تركيا .
لماذا ؟.
قد يكون لسببين :
الأول : أن كورد تركيا كانوا يمتلكون الخبرة في النضال القومي الثوري ، لكونهم غادروا تركيا هربا من ملاحقة النظام التركي في العشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ، لمساهماتهم في إندلاع ثورات عديدة هناك .
الثاني : كورد سوريا لم يكونوا أصحاب خبرة من جهة ، ومن ثم منح قيادة الحركة الكوردية في سوريا منذ البداية لكورد تركيا ربما تقديرا وإحتراما لهم . بالعودة للسؤال أعلاه نرى كان لها دواعي وأسباب عديدة منها لتعرض الحركة التحررية الكوردية في سوريا إلى الإنشقاق .
إلى جانب الأسباب الذاتية والموضوعية
حصول خلافات شخصية ، كان هناك خلافات تنظيمية ، عبر تمرد الشخص الفاقد لموقعه القيادي في قيادة الحزب
يؤدي به إلى تشكيل كتلة داخل الحزب ومغادرته للحزب منشقا ثم إعلانه لحزب جديد بعد فترة وجيزة ، وعلى الغالب بنفس الفكر والمنهج وكثيرا بنفس الإسم
هذا السلوك إتخذه البعض موضة العصر
يمكن تسميته بعصر الإنشقاقات .
إلى جانب هذا وذاك جاء تدخل الحزبين الإتحاد الوطني الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني في الشؤون الداخلية للحركة الوطنية الكوردية في سوريا وجعلوها ضعيفة ومشتتة لا حول ولا قوة لها .
وإستكمالا لما عمل هذان الحزبان ، جاء تدخل النظام السوري في عهدي ، الأب والإبن ، وخاصة بعد إندلاع الثورة السورية وتسليم المناطق الكوردية لحزب الإتحاد الديمقراطي الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني التركي ، اللذان عملا على تفتيت الحركة الكوردية في سوريا وترك الأبواب مفتوحة أمام تشكيل أحزاب جديدة ليتم تحريكهما حين الطلب ، كل هذا في سبيل تحقيق هدف واحد ، ألا وهو فصل الكورد عن اللحاق بالثورة
السورية ، وكذلك لسد الطريق أمام وحدة الصف الكوردي سياسيا وتنظيميا ، والذي هو شغلنا الشاغل في هذه الأيام والذي يصعب علينا تحقيقه
رغم تدخل مباشر من قِبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا .
إن دل هذا على شيء إنما يدل على إما أن بعض لا يهمهم القضية الكوردية
بشيء ، أو أنه نوع من ضياع الوقت ريثما تتهيء الظروف الموضوعية في منطقة الشرق الأوسط في تهيئة الظروف الذاتية لوحدة الصف الكوردي في سوريا والمنطقة ككل ومنح الكورد حقه في تقرير المصير أسوة بشعوب المنطقة والعالم .
هكذا يبدو لي الواقع الكوردي القريب والبعيد ، وما ستؤول إليه الأمور مستقبلا .
وأخيرا يبقى لي أن أنوه إلى نقطة هامة وهي أن الكثير من عقول ساسة الكورد يحاربون العمل الجماعي في النضال القومي التحرري الكوردي ضمن إطار جامع في إنتزاع الشعب الكوردي لحقه في تقرير المصير ، لا يزال هذه العقول تخضع لثقافة الأنا متبنيا ثقافة الإقصاء والتفرد في إتخاذ القرارات التي تمس الشعب الكوردي بالخلاص من نير الإضطهاد بجميع أشكاله ، المباشر والغير مباشر على كافة الصعد المحلي والإقليمي والدولي .