اكرم حسين
يقول الشهيد مهدي عامل ” يَكْتَسِبُ كلُّ نشاطٍ نظريٍّ طابعاً نضالياً ، ويتوقُ كل نشاطٍ ثوري ان يتعقلن في النظرية ” لكن هناك تباين كبير بين الفكرة المجردة وواقع الاحداث ، وهو ما يعكسه النقاش حول القضية الكردية في سوريا وطريقة حلها ، فقد اعاد صديقنا نزار بعريني مناقشتها وطرحها من جديد في محاولةٍ لتعميمها واسقاطِ الماضي على الحاضر …!
في فكرٍ متأرجحٍ ، يستبدلُ الاشياءَ ويعجزُ عن ادراكِ كنهها ، يعكسُ صديقنا العزيز نزار بعريني ما دونته على صفحتي “حول الامة الكردية وحقوقها وضرورة احترامها من قبل الشعوب العربية والفارسية والتركية ” الى ما يشبهُ حوار الذات في لغةٍ تُحاولُ التعميم َ وأسطرةَ الماضي ، وتطمحُ الى انْ يُصبحَ الواقعَ كما تشتهي في اكتشافِ ” الفارق النوعي بين الحقوق المشروعة وامكانية تحقيقها ” في غموضِ الفكرِ، وعدم قدرةِ منظارهِ على الرؤية الواضحة ، وتسطيحهِ للأشياءِ البليغةِ ، وربط ذلكَ بالزمن ” الامبريالي” الثابت الذي لا يتحرك ..؟ وهو تحريضٌ سياسيٌ غير مباشر يهدفُ اليه صديقنا في مجرى الهجوم الايديولوجي على الكرد وشيطنتهم ، ويتجاهلُ واقِعَ الحرب الراهنة التي تجري في سوريا وشروطها التاريخية داخلياً واقليمياً ودولياً ، والتي تبدو خارجَ كلِ منطقٍ ، رغمَ اجتهادهِ في انْ يُدّرج كلُ ما كتبه ضمنَ المنطق الداخلي الذي يحكمُ سيرورة الاحداثِ في سوريا ، باعتبارها ” حقائق” يراها دونَ النظرِ الى هذا الوضع واسبابه العميقة …!
الصديق العزيز يعكسُ– في هذا السياق – رأي غالبية النخب السياسية السورية لا بل عموم السوريين من – موالاةً ومعارضةً – في رفضِ الاعترافِ بخصوصيةِ القضية الكردية في سوريا ، وممكنات حلها كقضية ارض وشعب وفق العهود والمواثيق الدولية ، فهو يرى ان محاولات الكرد السوريين الاعتراف بهويتهم وحقوقهم تأتي توافقاً وانسجاماً مع ” متطلبات اجندات القوى الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة ، صاحبة اقوى واكبر مشروع سيطرة اقليمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية !! ” وبحسب رؤيتهِ يعتبرّ الكردَ السببَ في قطع السيرورة الثورية التي كادت انْ تُحقق التحول الديمقراطي في سوريا لولا تدخل امريكا والغرب الامبريالي بشكل عام..! دون الاشارة الى دور ومسؤولية الانظمة العربية الشمولية والديكتاتورية التي قمعت شعوبها ومواطنيها ، وكانت السبب فيما وصلت اليه مجتمعاتها من دمار وكوارث . بعيداَ عن الشروط الملموسة التي تحققَ فيها هذا الوجود .
في الحقيقة لم يستطيع صديقنا ان يرى سوى علاقات السيطرة الامبريالية التي اوصلت الاوضاع في سوريا الى ما هي عليه ، وعجزعن رؤية الاسباب الحقيقية التي ادت الى الانفجار السوري وبنية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية المشوهة ، وممارسات الطغمة الحاكمة واستبدادها ، وبهذا يجرّد الواقع من شروطه الموضوعية ويستبدله بنظريات مؤامراتية …!
يجتهدُ صديقي ويحاول ان يكون مقنعاً الى حد البداهة – في تحميلي – لشعوب المنطقة ، وخاصة العرب منهم ، مسؤولية عدم قيام دولة قومية كردية – واقع الامر ليس كذلك – رغم ان العرب اقاموا دولهم القومية بغضّ النظر عن فشلهم في تحقيق الوحدة العربية من المحيط الى الخليج كما كان يطالب بها القوميون العرب ، لكني دعوتُ الشعوب العربية والتركية والفارسية الى احترام الحق الكردي ، وعدم معارضته او مناصبته العداء ، وهو اقلُّ ما يمكن ان تقدّمه هذه الشعوب للامة الكردية التي لعبت دوراً مؤثراً في حضارة المنطقة وفي تطورها .
يعلم صديقي أن الكرد لم يكونوا يوماً اداة تقسيم لا في العراق ولا في سوريا ، ولا في أي مكان اخر. بل يصرون على الوحدة وسيادة البلدان التي يعيشون فيها ، ويطالبون بالعيش بكرامة ومساواة . الا ان الممارسات القمعية والشوفينية تجاههم ، واتهامهم بالانفصال والولاء للخارج يدفعهم دفعاً الى اختيار طرق ومسالك صعبة ومعقدة ..!
صحيح ان ما حدث بعد 2011 وما فعلته داعش وقوى الثورة المضادة في سوريا اضافة الى السياسات الاقليمية والدولية قد قطع الطريق على التحول الديمقراطي في سوريا مؤقتاً ، وأوجد مناطق نفوذ وسلطات امر واقع لا تختلف كثيراً في ممارساتها عن ممارسات النظام السابق وسياساته ، الا ان رفض النخب السورية وعدم اعتراف نخبهم السياسية بحقوق الكرد القومية قد ادى الى نوع من الانكفاء ، وعدم الانخراط الفعّال في العمل الثوري المعارض…!
الكرد في المنطقة هم واقع تاريخي ملموس ، ليسوا دعاة انفصال – رغم ان هذا الحق – مكفول – بالعهود والمواثيق الدولية . فهم يعلمون تمام العلم بان الانفصال غير ممكن في الظروف الحالية ، ولذلك يسعون للعمل مع القوى الوطنية والديمقراطية لإحداث تحولات جذرية في بنية المجتمعات التي يعيشون فيها ، لجهة الاعتراف بالوجود والحقوق ، لذلك لم يتبعوا الاوهام ، ولن يحاولوا الانتحار على اسوار كردستان ..!
ما يطمح اليه الكرد السوريون هو الاعتراف بحقوقهم القومية المشروعة في اطار بلد ديمقراطي تعددي علماني يقر بحقوق الجميع ، ويستند الى المواطنة المتساوية دون تمييز عرقي او جنسي او ديني …!