الطريق إلى سوريا الجديدة: تحديات المرحلة الانتقالية

اكرم حسين 
مع سقوط نظام الأسد، واجهت سوريا مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات، تتطلب رؤية واضحة ، وإدارة حكيمة ، لتجنب الانزلاق نحو الفوضى أو التقسيم، وهو السيناريو الذي عانت منه العديد من الدول التي شهدت تغييرات جذرية في أنظمتها السياسية. فالتجارب التاريخية تُظهر أن الفترات الانتقالية غالباً ما تكون مصحوبة بصراعات بين القوى السياسية المختلفة التي شاركت في إسقاط النظام البائد ، مما يثير تساؤلاً رئيسياً حول  من سيتولى إدارة المرحلة الانتقالية وكيف يمكن ضمان مشاركة الجميع؟
التجارب في إيران ـ سقوط الشاه – 1979، وأفغانستان – سقوط محمد نجيب –  1992، وليبيا – سقوط معمر القذافي – 201١ ، أكدت على  أن غياب رؤية مشتركة وآليات واضحة للمشاركة سيؤدي إلى انقسامات واستقطابات حادة ، والتي غالباً ما تتحول إلى صراعات مدمرة تزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي، وتجعل إعادة بناء الدولة أمراً بالغ الصعوبة.
في السياق السوري، يمكننا أن نستفيد من هذه الدروس لتجنب الأخطاء المتكررة، خاصة أنها تعيش في ظل بنية مجتمعية متعددة المكونات العرقية والدينية والسياسية ، وأي تجاهل لمبدأ الشراكة الحقيقية سيُسهم في تعميق الانقسامات وتفاقم حالة عدم الثقة بين مختلف الأطراف.
من هنا فإن الرؤية التي قدمها أحمد الشرع حول المرحلة الانتقالية، رغم أهميتها كطرح أولي، تعاني من قصور جوهري ، إذ لم تنبع من مشاورات شاملة بين المكونات والقوى السياسية المختلفة. هذا الغياب في المشاركة ،  عزّز الشعور بعدم الاعتراف بالأطراف المختلفة، مما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الاستقطاب الذي شهدته دول أخرى بعد ثوراتها.
ان أي خطة للمرحلة الانتقالية يجب أن تُبنى على أساس مشترك يُمثل جميع القوى السياسية والاجتماعية، وأن تضمن آليات واضحة للمشاركة والاعتراف المتبادل. دون ذلك، ستظل البلاد عُرضة للتوترات والانقسامات التي تُهدد وحدة أراضيها ومستقبلها السياسي.
فهناك ما يشبه الاجماع  على أن الخطوات الأساسية لقيام مرحلة انتقالية ناجحة في سوريا ، ينبغي أن  تشمل:
– تشكيل حكومة انتقالية ، تتولى ضبط الأمن وتحسين الأوضاع المعيشية، وضمان استقرار البلاد .
– الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع ، يُمثل كافة مكونات المجتمع السوري، ويهدف إلى التوافق على أسس المرحلة المقبلة.
– صياغة دستور جديد ، يتم وضعه من قبل  لجنة منتخبة أو متوافق عليها، ويُطرح للاستفتاء الشعبي.
– إقرار قوانين الأحزاب والانتخابات ، لتنظيم الحياة السياسية وتهيئة البلاد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، سواء كانت برلمانية أو رئاسية.
–  إعادة بناء المؤسسات ، لضمان قيام دولة قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها وحماية حقوقهم.
ويُعدّ المؤتمر الوطني المحور الأساسي لتحقيق التوافق الوطني، شريطة أن يتم التحضير له جيداً، بحيث يُمثل جميع الأطراف دون إقصاء أو تهميش. لان الهدف من هذا المؤتمر ليس فقط وضع خارطة طريق، بل أيضاً بناء الثقة بين الأطراف المختلفة وتعزيز الشعور بالمشاركة والملكية الجماعية للمستقبل السوري.
ورغم الحاجة الملحة للبدء في المرحلة الانتقالية، يجب عدم التسرع في اتخاذ القرارات أو تنفيذ الخطط. فالتحضير الجيد، والتشاور الواسع، والاتفاق على الأسس والمبادئ هو الضامن الوحيد لتحقيق انتقال سلس وآمن في سوريا.
 المرحلة الانتقالية ليست مجرد فترة لإزالة آثار النظام السابق، بل هي لحظة تاريخية لتأسيس دولة جديدة قادرة على تحقيق تطلعات شعبها في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة  وهذا يتطلب من الجميع وضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار والعمل على تجاوز الخلافات لبناء مستقبل مشترك وأمن .

شارك المقال :

4 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
نزار بعريني
نزار بعريني
11 شهور

كلّ الاحترام والتقدير والود.
أفكار أساسية، ورؤية وطنية واضحة.

اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…