الشيوعيون السوريون وقرار الحل: بين الامتحان والمراجعة

إبراهيم اليوسف
يبتهج بعضهم اليوم- للأسف- بقرار حل الحزب الشيوعي السوري ومنعه من النشاط، كمن يضحك ممن سبقه في نيل العقاب، في طابور طويل، متناسين أن هذا الحزب العملاق، الذي تأسس عام 1924، غدا جزءًا من تاريخ سوريا الحديث، بماله وهو جد كثير، وبما عليه، وهو كذلك- أيضاً- بسبب خبث ولؤم المجرم حافظ الأسد وبعض قياداته، وقد لعب دورًا رئيساً في النضال السياسي والاجتماعي لعقود. خلال قرن زمني كامل، إذ ظل الشيوعيون في قلب الصراع من أجل العدالة الاجتماعية وحقوق العمال والفلاحين، قبل أن يقع الحزب في فخ “الجبهة الوطنية التقدمية”، التي كانت أداة النظام السوري لترويض الأحزاب السياسية، ولتتراكم الأخطاء أكثر، بعد 15 آذار 2011، إذ كان على الحزب اتخاذ موقفه ضد قتل الأبرياء، وتجميد عضويته في الجبهة أو مغادرتها، وهوما كتبته.
طمس الوجه المضيء للشيوعيين
اليوم، يتم طمس الوجه المضيء للحزب الشيوعي السوري، والتركيز فقط على أخطائه، من قبل جوقات الظلاميين والمصفقين الببغاورات النهازين، وكأنه لم يكن له دور في تاريخ سوريا النضالي. أجل،  لا شك أن هناك أخطاء كثيرة وقع فيها الحزب بسبب بعض قياداته، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن الشيوعيين كانوا في طليعة المناضلين المدافعين عن قضايا الشعب، حتى في أصعب الظروف، وتحديداً في زمن الدكتاتوريات!
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الحزب ارتكب أخطاء حتى قبل الدخول في “الجبهة الوطنية التقدمية”. من أبرز هذه الأخطاء:
-القضية الكردية: لم يكن موقف الحزب واضحًا وحاسمًا في الدفاع عن حقوق الكرد، رغم أن عدداً كبيراً من قادته وأعضائه كانوا من الكرد. بدلاً من تبني خطاب مناصر للقضية الكردية بشكل كامل، بقي الحزب حبيس الأيديولوجيات الأممية التي لم تعترف بالخصوصية القومية الكردية كما يجب.
-عدم استلام السلطة عندما توافرت الظروف لذلك: إذ إنه في لحظات تاريخية معينة، توافرت للحزب الشيوعي فرص ليكون قوة سياسية حقيقية تمثل الشارع السوري، لكنه لم يستثمرها بالشكل الصحيح. إلا أنه بدلاً من ذلك، دخل في تحالفات خاطئة، أو التزم بمواقف دفاعية جعلته تابعًا بدلاً من أن يكون صانعاً للتغيير.
الأسد: فيروس مقتل الحزب
كان حافظ الأسد هو الفيروس القاتل الذي دمر الحزب الشيوعي السوري من الداخل. حين أنشأ “الجبهة الوطنية التقدمية”، ولم يكن ذلك اعترافًا بقوة الشيوعيين، بل كان خطة ماكرة لتحييدهم، وإفراغهم من محتواهم الثوري، وتحويلهم إلى تابعين للنظام. هذا التحالف لم يكن شراكة، بل كان استسلامًا تدريجيًا، انتهى بسيطرة الأسد على القرار السياسي للحزب، وقضى على استقلاليته.
ما حدث بعد ذلك، من انشقاقات وضعف في الخطاب السياسي، كان نتيجة مباشرة لهذا الاختراق. فالحزب لم يعد ذلك التنظيم القوي الذي يقود الحراك العمالي والطلابي، بل أصبح مجرد ظل باهت لما كان عليه من جماهيرية حقيقية وموقف مؤثر، ولا أقول: موقف سد الذرائع، ما جعل قرار الحل اليوم يبدو وكأنه “إجهاز على حزب ميت سريريًا”، بدلاً من كونه ضربة لحزب فاعل في المشهد السياسي.
امتحان الانتهازيين وبداية جديدة وفرصة للمراجعة:
لا أرى البتة أن الشيوعية في سوريا ستنتهي. بل إن قرار الحل سيزيده قوة، وتعاطفاً، لأن ما يتم هو امتحان حقيقي للانتهازيين الذين دخلوا الحزب واستفادوا منه في إطار “الجبهة”، دون أن يكون لهم التزام حقيقي بمبادئه. أما الشيوعيون الحقيقيون، فهم الذين لن ينقلبوا إلى “جبهة التكبير التقدمية”، ولن يفروا إلى مشاريع انتهازية بديلة، بل سيبقون أوفياء لمبادئهم بعيدًا عن تحالفات السلطة والمصالح الضيقة.
بعد ما يقارب قرنًا من التأسيس، قد يكون هذا القرار، رغم قسوته، صدمة ضرورية لمراجعة المسار، وإعادة بناء حزب الجماهير الحقيقي، بعيدًا عن الخطأ التاريخي الذي وقع فيه حين دخل في تحالف مع نظام حافظ الأسد عبر “الجبهة”. إنه لحظة فاصلة، يميز فيها المخلصون لمبادئهم عن أولئك الذين اتخذوا الحزب مجرد وسيلة للوصول إلى امتيازات سياسية أو شخصية.
انظر بعض مقالاتنا المتاحة على الشبكة العنكبوتية” في موقعي الفرعي”
الميثاق الجديد للجبهة الوطنية التقدمية جملة مآخذ …وتناس واضح لواقع الأكراد السوريين……!
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=25204#google_vignette
الجبهة الوطنية والحشرجة الأخيرة-1
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=36822
            الجبهة الوطنية والحشرجة الأخيرة-2
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=37029
ما لا يقوله الحزب الشيوعي (الرسمي): الموقف من الاحتجاجات السلمية أنموذجاً
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=257095
حقيبة الحكومة الأخيرة- إلى رفاق شيوعيين
https://www.ahewar.net/debat/show.art.asp?aid=312993
رسالة بالبريد العاجل إلى رفيق شيوعي قديم..!
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=318801
بالإضافة إلى الكثير من المقالات الأخرى….

شارك المقال :

4 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…