السيد الشرع في دوامته.. لا خريطة طريق للخلاص إلا عبر رفع آلة القتل والقمع!

إبراهيم اليوسف

 

يبدو أن ما يحدث في المشهد السوري من تناقضات يعيد إنتاج الأخطاء  ذاتها التي أسقطت النظام السابق، والتي أدت إلى انتفاض السوريين ضد استبداده. لقد ابتهج جميع السوريين، باستثناء الفاسدين والشبيحة، بسقوط نظام الأسد، لكن ما حدث بعد ذلك من خيبة أمل يجعلنا نعيد طرح الأسئلة الملحة: لماذا خاب أمل السوريين سريعًا؟ ومن المسؤول عن ذلك؟

حقيقة، لا بد من التأكيد أن السيد الشرع يتحمل جزءًا كبيرًا من هذه المسؤولية، بل هو المسؤول الأول عما يتم، بسبب خياراته السياسية التي تجاهلت التعددية السورية، وانصياعه لتدخلات خارجية، خاصة التركية منها، والتي أفضت إلى استبعاد مكونات أساسية من المعادلة الوطنية. كما أن استقواءه بفصائل لها تاريخ أسود ضد مواطنين عانوا عقودًا تحت ظلم البعث، خلق حالة من النفور، وأعاد إنتاج القمع بصيغة جديدة.

من دكتاتورية الأسد إلى دكتاتورية بديلة؟

من هنا، فإن الاعتماد على جهة واحدة، وتكرار أخطاء المراحل السابقة عبر التلاعب بمسارات الثورة، يقود إلى دكتاتورية قد تكون أكثر سوءًا من سابقتها. إذ لم يعد السوريون يصدقون سياسات التمويه والتجميل، ولم يعد مقبولًا إقصاء جزء من المجتمع لصالح جزء آخر. إذ إنه في ظل ذلك، لا معنى البتة لما يسمى “المناطق المحررة” إذا استمرت سياسات الإقصاء والتمييز، بل بات الأمر يتحول إلى مجرد إعادة إنتاج الاستبداد بوجوه جديدة، لن يعد أمرها ينطلي على السوريين.

الكرد، العلويون، الدروز: مواطنون أم أعداء؟

إن التعامل مع هذه المكونات عبر الإقصاء، بدلًا من الحوار والحكمة، يعد خطأ كارثيًا. لا يمكن بناء سوريا جديدة على أسس الطائفية والاستبعاد. ولا يمكن لسوريا أن تكون بلدًا لطائفة واحدة، سواء كانت سنية أو غيرها، بل يجب أن تكون لجميع أبنائها. نبذ الكرد والعلويين والدروز، وغيرهم من الأحرار الذين يرفضون الاصطفافات الطائفية، يعني السير في المسار نفسه الذي سلكه الأسد من قبل، وهو مسار أدى إلى الكارثة التي نعيشها اليوم.

للعلم، أنه ليس الكرد والدروز والعلويون وحدهم من يشعرون بقلق عميق من سياسات مرحلة الشرع، بل هناك أوساط واسعة من السوريين، سواء من الأقليات أو من الأغلبية السنية، الذين يعبّرون عن مخاوفهم. ورغم أن بعض هذه الأوساط قد تجد في مسوغات الانتماء السني فرصة للحماية أو التحصّن من تداعيات السياسات الحكومية، إلا أن الوضع العام لا يزال يثير القلق لدى العديد من فئات الشعب السوري. هذا القلق يتزايد بسبب تزايد التوترات الطائفية والعرقية، إضافة إلى تهميش عدد من المجموعات الاجتماعية والسياسية في سياق هذه السياسات.

تأسيساً على ما سبق من إشارات عاجلة، فإن استبدال شبيحة جدد  بشبيحة الأسد، سواء كانوا مواطنين أو أجانب، لا يغير شيئًا من جوهر المشكلة، بل يفاقمها. لأن الجرائم تبقى جرائم، والمجازر التي وقعت في الساحل السوري ستظل لطخة عار على جبين كل من ارتكبها أو سوغها، بغض النظر عن دوافعه. حيث لا يمكن محو الدماء بذرائع واهية، ولا يمكن بناء مستقبل سوريا على أنقاض انتقام أعمى.

وإذا كان السيد الشرع معنيًا حقًا بمصير سوريا، فعليه مراجعة مواقفه فورًا، والتخلي عن سياسات الإقصاء، والانحياز لنهج وطني جامع، بعيدًا عن الحسابات الطائفية أو الإملاءات الخارجية. سوريا تحتاج- الآن.. الآن قبل غد- إلى حلول سياسية جذرية، لا إلى تكرار الكوارث التي أوصلتنا إلى هنا. فهل يستدرك السيد الشرع قبل فوات الأوان، بل إنه فات الأوان، لأن مجرد جريمة سفك نقطة دم طفل بريء وإزهاق روح لا يعوض عنهما البتة أي شيء في هذا العالم ولا أحد مفوض بقبول الاعتذار أو العفو عن الجناة!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

منظمة حقوق الإنسان في عفرين أستُقبل وزير الثقافة في الحكومة الإنتقالية السورية محمد ياسين صالح و الوفد المرافق له في مدينة عفرين ، على أنغام الزرنة و الطبل من قبل أبناء المنطقة إلى جانب بعض من المواطنين العرب القاطنين منذ سنوات في المدينة ، وسط غياب أغلب رؤوساء البلديات و أعضاء منظمات و نشطاء المجتمع المدني و الأكاديميين الكُرد ،…

عزالدين ملا شهدت سوريا خلال العقد الماضي تحولات عميقة قلبت معالم المشهد السياسي والاجتماعي فيها رأساً على عقب، وأدت إلى تفكك بنية الدولة وفقدانها السيطرة على أجزاء واسعة من أراضيها. بعد سقوط النظام الذي حكم البلاد لعقود، توقّع الكثيرون بداية عهد جديد يعمه السلام والاستقرار، لكن سوريا دخلت في دوامة أعمق من الصراع، إذ تعقّدت الأزمة بشكل لم يسبق له…

عبدالرحمن كلو لم يكن مؤتمر قامشلو مجرّد لقاء عابر بين طرفين متخاصمين في الساحة الكوردية، بل كان خطوة نوعية تُلامس أفقًا سياسيًا أوسع بكثير من مجرد “اتفاق ثنائي”. فبرعاية أمريكية وفرنسية، وبإشراف مباشر من الرئيس مسعود البارزاني، تمكّن المؤتمر من جمع طيف متنوع من القوى، لا يقتصر على المجلس الوطني الكوردي أو الإدارة الذاتية، بل شمل شخصيات وطنية مستقلة،…

هولير (ولاتي مه) شفيق جانكير: بمناسبة مرور عشرين عاما على انطلاقة موقع “ولاتي مه”، جرى في كافتيريا “أريزونا” بهولير (أربيل) تكريم الباحث والمحلل السياسي الأستاذ عماد باجلان. وجاء هذا التكريم تقديرا لدور باجلان البارز في الساحة الإعلامية والسياسية، وجهوده المتواصلة في الدفاع عن الحقوق والقضايا العادلة للشعب الكردي، ووقوفه في مواجهة الأصوات الشوفينية والعنصرية التي تحاول إنكار حقوق الكورد أو…