الرئيس المخلوع: بين جبن الطغاة وبذخ العروش

إبراهيم اليوسف

 

يحمل التاريخ السوري المعاصر إرثًا ثقيلًا من الظلم والاستبداد، الذي جسّده نظام الأسد الأب والابن. نظام لم يكتفِ بالتنكيل بالمواطنين و تكبيل البلاد بقيود القمع والتسلط، بل أغرقها أيضًا في مستنقع الفساد والنهب والبذخ الفاحش. بشار الأسد، الذي بدأ عهده بوعود زائفة بالإصلاح والانفتاح، لم يكن سوى ظل باهت ممسوخ وقميء لأبيه حافظ الأسد، لكنه تفوق عليه في إحكام قبضة الفساد والديكتاتورية. فقد ورث منظومة القمع من أبيه، الذي حوّل سوريا إلى سجن كبير لعقود. حافظ، الذي حكم بالحديد والنار، زرع الخوف في النفوس وارتكب مجازر جماعية، مثل مجزرة حماة عام 1982، التي أباد فيها مدينة بأكملها، محطمًا كل من تجرأ على معارضته. هذه السياسات الإجرامية كانت بمثابة المدرسة التي نشأ فيها بشار، ليكمل مشوار والده في سحق الشعب وتدمير البلاد، مضيفًا إلى ذلك جرائم تهجير الملايين واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.

في عام 2011، عندما هبّ السوريون للمطالبة بحريتهم وكرامتهم، جاء رد بشار الأسد مروعًا. استدعى الدعم العسكري من روسيا وإيران وحزب الله، وجعل من سوريا ساحة حرب إقليمية، بدلاً من مواجهة ثورة شعبه بشجاعة أو حتى بتنازل يحفظ ماء وجهه. كانت “شجاعته” مصطنعة، مستمدة من قوة مستعارة، بينما الشعب يُقصف ويموت جوعًا تحت الحصار.

البذخ وسط المعاناة

في الوقت الذي كان فيه الشعب السوري يعاني الجوع والتشريد، كانت عائلة الأسد تعيش حياة باذخة تنضح بالفساد. أموال النفط، الضرائب، وحتى المساعدات الإنسانية، تحولت إلى أرصدة شخصية تُقدّر بالمليارات في حسابات بنكية سرية، بينما كانت القصور الفارهة تمتلئ بأغلى المقتنيات وأبهى مظاهر الترف. ماهر الأسد، الذي يُعرف بكونه اليد الحديدية للنظام، كان أيضًا رائدًا في عمليات النهب والاحتكار. أما بشار، فقد قدّم صورة لرئيس منفصل تمامًا عن واقعه، يستعرض قوته بقتل الأطفال في الغوطة، وتدمير مدن كحلب وحمص، بينما ينفق أموال الشعب على رفاهيته الشخصية ورفاهية أسرته.

فرار الطغاة وجبن المواجهة

جبن الأسد لم يكن فقط في اعتماده على القوى الخارجية للبقاء، بل ظهر جليًا في تهربه من مواجهة الواقع. لم تكن شجاعته المزعومة سوى قناع يخفي ضعفه، فهو لم يواجه الشعب إلا عبر الأقبية الأمنية، ولم يقف أمام ثورة السوريين إلا بسلاح القصف والتدمير. الفيديو الذي ظهر فيه يسخر من السوريين الذين غادروا البلاد هربًا من جحيمه، يكشف عن مدى انفصاله عن الواقع. حيث تكمن المفارقة المضحكة في أن الصفات التي ألصقها بالمهاجرين تنطبق عليه تمامًا اليوم. لم يكن سوى رئيس هارب من المسؤولية، حيث اختبأ خلف قوة مستعارة من روسيا وإيران، بينما ترك سوريا تنهار اقتصاديًا واجتماعيًا. الشجاعة الحقيقية ليست في قصف المدن، بل في مواجهة الشعب والاعتراف بالفشل، وهو ما لم يستطع بشار ولا نظامه القيام به.

سوريا 2025 وضرورة العدالة والانفتاح على أهلنا العلويين

رغم كل هذا الظلم، لا يمكن محاسبة طائفة بأكملها على جرائم النظام. إذ ليس كل من ينتمي إلى الطائفة العلوية شريكًا في الاستبداد، بل إن سوادهم كان مضطهدًا وضحية لطغيان آل الأسد. فهناك أخوة علويون رفضوا النظام، ودفعوا ثمن مواقفهم من التهميش أو القتل أو الاعتقال. إن المصالحة الوطنية تتطلب فتح قنوات للحوار مع أبناء هذه الطائفة، وتفكيك الصورة الزائفة التي روجها النظام بأنه الحامي الوحيد لهم. ومن هنا فإن على القوى المعارضة التي لم تسقط في امتحانات السوريين- إذا أتيح لها أن تقود دفة الحكم- أن تمد يدها للعلويين الذين يسعون لبناء سوريا جديدة، خالية من الاستبداد والطائفية. المصالحة الحقيقية تبدأ بإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري، والاعتراف بأن العلويين، كغيرهم، كانوا ضحايا آلة القمع نفسها، كما الحال مع المسيحيين والدروز والكرد الإيزيديين بل والكرد ثاني أكبر قومية في البلاد، وإلا فإننا أمام صورة مشوهة لنظام الأسدين: الأب والابن، وهذا ما لا نريده لسوريا. إذ إنه لا يمكن تحقيق السلام دون محاسبة النظام ورموزه. بشار الأسد، ماهر، وضباط الأجهزة الأمنية، وكل من تورط في قتل السوريين ونهب ثرواتهم، يجب أن يمثلوا أمام محاكم سورية حرة. لاسيما أن العدالة لا تعني الانتقام، لا تعني الثأر بل تصحيح المسار وإعادة حقوق الشعب المسلوبة.

النظام الذي حكم البلاد لعقود بالحديد والنار والفساد، أثبت أن الطغيان مهما طال أمده، مصيره الزوال. الشعب السوري، بكل أطيافه، يستحق أن يستعيد ثرواته، كرامته، ومستقبله، وأن يضع حدًا لحقبة مظلمة من تاريخ بلاده.

 

*خلاصات ونتاج صورة انطباعية و مصادر  ومراجع أنترنيتية متعددة!

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…