المحامي عبدالرحمن محمد
القضية الكردية ليست قضية لغوية أو ثقافية أو متعلقة بالمواطنة، بل هي قضية سياسية وحقوقية تتطلب حلا سياسيا وفق مبدأ حق تقرير المصير للشعوب والقانون الدولي.
صراعنا مع الدول التي تحتل كوردستان هو صراع على الانتماء والأرض والحق والهوية والحرية والاستقلال والدولة. ومن وجهة نظر القانون الدولي، فإن القضية الكردية ليست مسألة تتعلق بالمواطنة أو حقوق المواطنين، لأن تعريف المواطن هو كل شخص يحمل جنسية دولة ما بغض النظر عن هويته القومية، حيث أن الدولة الوطنية لا تُحدد بالأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العرق.
أما الجنسية، فتعريفها القانوني هو علاقة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، وهي مرادفة للمواطنة.
تنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على:
“يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق.”
كما تنص المادة الخامسة عشرة منه على:
-
لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.
-
لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفا أو إنكار حقه في تغييرها.
توضيح قانوني وسياسي:
أنا كردي قوميا، أنتمي إلى الشعب الكردي، ووطنيا أنتمي إلى كوردستان، لكنني أحمل الجنسية السورية لإثبات قانوني لا أكثر، باعتبار أن الجنسية حق قانوني لكل فرد أينما وجد، حسب القانون الدولي. لكنها ليست هوية أو انتماءً للأرض والشعب.
في المستقبل، سأحصل على الجنسية الألمانية وسأصبح مواطنا ألمانيا، ومن حقي أن أمارس كافة حقوق المواطنة كألماني.
من هذا المنطلق:
إن الذين يطرحون مصطلح “دولة المواطنة” في سوريا يحاولون إلغاء ومحو ونفي وإنكار الهويات والحقوق الخاصة بالشعوب الأخرى في سوريا، وهذا أمر خطير ومرفوض ومردود للأسباب التالية:
-
هناك فرق جوهري بين حقوق الشعوب وحقوق المواطنين والأقليات القومية والدينية، حسب القانون الدولي والقانون الداخلي (الدستور).
-
حق تقرير المصير (سواء الخارجي، أي الاستقلال، أو الداخلي، أي الفيدرالية السياسية) هو حق للشعوب فقط، وهو حق سياسي وحقوقي لكل الشعوب دون قيد أو شرط أو استثناء. كما أنه حق دولي عام ومطلق، حيث إن “المطلق يجري على إطلاقه” وفق القاعدة القانونية الدولية.
-
هذا الحق غير مشمول بالتقادم، وغير جائز التصرف فيه، وغير قابل للتنازل أو التفاوض، بل هو حق مكتسب بالأصل.
-
في المقابل، هناك حقوق سياسية للمواطنين مثل حق الترشح والانتخاب وتأسيس الأحزاب، لكن حق تقرير المصير هو حق جماعي للشعوب وليس حقا فرديا للمواطنين.
التناقض والتعارض بين بعض مواد “الإعلان الدستوري السوري” والقانون الدولي:
تنص الفقرة (3) من المادة (7) من “الإعلان الدستوري السوري” على ما يلي:
“تكفل الدولة التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين.”
لكن، ما المقصود بمصطلح “المكونات”؟ هل تعني الشعوب أم الأقليات القومية أم الأقليات الدينية أم ماذا؟ هذه المادة بحاجة إلى تفسير وشرح قبل الاجتهاد، لتحديد المعنى والدلالة السياسية والحقوقية لها.
تتناقض هذه المادة مع المواد التالية:
-
المادة (4):
“اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.”
لم يتم ذكر الشعب الكردي وحقوقه في الإعلان الدستوري، كما لم يتم الإشارة إلى الأقليات والمكونات السورية الأخرى.
-
المادة (10):
“المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.” -
المادة (1):
“الجمهورية العربية السورية…” -
المادة (3):
“دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع.”
المقارنة مع القانون الدولي:
تنص الفقرة (2) من المادة (12) من “الإعلان الدستوري السوري” على:
“تعد جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية، جزءا لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري.”
لكن لدى مقارنة هذه المادة مع القانون الدولي، نجد التعارض مع المواد التالية:
-
الفقرة (2) من المادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة:
“يجب احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب، وأن يكون لكل منها الحق في تقرير مصيرها.” -
المادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة:
تنص على:-
المساواة في الحقوق بين الشعوب.
-
حق تقرير المصير للشعوب.
-
بما أن سوريا عضو مؤسس في الأمم المتحدة وصادقت على ميثاقها، فهي ملزمة وفق القانون الدولي بمبدأي:
-
حق تقرير المصير للشعوب، بما في ذلك الشعب الكردي.
-
المساواة في الحقوق بين الشعوب، بما في ذلك الشعب الكردي.
كما تنص المادة (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على:
“لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها…”
ونصت المادة (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 على:
“لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها…”
بما أن الكرد هم شعب يعيش على أرضه التاريخية قبل تأسيس الدولة السورية، ويملك مقومات وصفات وشروط الشعوب وأركان الدولة، فإن سوريا، باعتبارها قد صادقت على العهدين الدوليين المذكورين، ملزمة قانونيا وسياسيا وأخلاقيا ببنود هذه الاتفاقيات الدولية.
وتعتبر هذه الاتفاقيات من قواعد النظام العام والقواعد الآمرة، أي أنها ملزمة ولا يجوز مخالفتها أو التنصل منها.
عند التعارض بين القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية وبين القانون الداخلي (الدستور الوطني)، فإن الأولوية والأفضلية والسمو والعلو للتطبيق والتنفيذ والالتزام تكون للقانون الدولي.
وبالتالي، فإن سوريا كدولة ملزمة قانونيا بتطبيق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعهود والإعلانات والاتفاقيات الدولية.
الخلاصة:
التناقض والتعارض بين مواد “الإعلان الدستوري السوري” واضح وصريح، سواء داخليا بين مواده، أو عند مقارنته بالقانون الدولي.
عند قراءة هذه المواد، نجد أن سوريا ذات لون واحد (عربي-إسلامي-سني)، حيث إن:
-
اللغة الرسمية عربية.
-
الدولة عربية.
-
الدين الرسمي إسلامي.
-
الفقه الإسلامي السني مصدر التشريع.
أين المساواة بين المواطنين في الحقوق؟
-
هل يحق للسرياني أو الإيزيدي الترشح لرئاسة الجمهورية والتحدث بلغته القومية؟
-
هل يتمتع الشعب الكردي بنفس الحقوق التي يتمتع بها الشعب العربي في سوريا؟
لم يرد في الإعلان الدستوري السوري أي ذكر لكلمتي “الديمقراطية” أو “المساواة في الحقوق بين الشعوب”.
إن رفض سلطة الأمر الواقع في دمشق لمبدأ الفيدرالية السياسية هو استمرار لنهج وسياسات البعث العنصرية، مما يؤدي إلى استمرار الصراعات والأزمات والسياسات الإقصائية والقوانين الظالمة والاستثنائية.