خالد إبراهيم
على الشعب السوري أن يوجه رسالة شكر وامتنان إلى إسرائيل، حكومةً وشعبًا، التي أدت أدوارًا حاسمة في إضعاف النظام السوري ودفعه نحو سقوط محتوم. دور إسرائيل في هذا السياق تجاوز الشعارات الزائفة التي رفعها “أصحاب اللحى”، من أمثال الجولاني وفروع داعش ومثيلاتها، الذين لم يكونوا سوى أدواتٍ لتخريب الثورة وتشويه نقائها. الثورة التي بدأت من أجل الحرية والكرامة انحرفت عن مسارها بسببهم، لتغرق في مستنقع الطائفية والتطرف. الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الساحل السوري، التي استهدفت مواقع زُعم أنها معاقل لحزب الله والحشد الشعبي، لم تكن مجرد عمليات عسكرية عشوائية. لقد كانت ضربات دقيقة موجّهة نحو قلب النظام وحلفائه، جرت تحت أنظار الروس الذين اكتفوا بالصمت، مما أوحى بتوافق ضمني أو عجز واضح. هذا التناغم الخفي بين الأطراف الدولية، والصمت الذي تلا تلك الضربات، جعلا نهاية النظام تبدو أقرب من أي وقت مضى. إسرائيل لم تكتفِ بالغارات الجوية، بل لعبت بذكاء على ملفات إقليمية شائكة، أبرزها ملف حماس. لقد حولت هذا الملف إلى أداة استراتيجية للتلاعب بالتوازنات في المنطقة، وسخّرته لإضعاف النظام السوري وتقويض النفوذ الإيراني، الذي تعتبره تهديدًا وجوديًا. ضرباتها لم تستهدف حزب الله والحشد الشعبي فقط، بل كانت تستهدف إنهاء كل ما يربط النظام بمحور المقاومة المزعوم، لتعيد تشكيل خريطة النفوذ في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. أما تركيا، فإن خطابها الداعم للشعب السوري لم يكن سوى قناع يخفي أطماعها الإقليمية. كيف يمكن لتركيا أن تدّعي الوقوف إلى جانب السوريين، وهي التي غزت عفرين ودمرتها، وشردت أهلها، وسمحت بنهب معامل حلب بالكامل؟ أفعال تركيا ليست إلا دليلًا على أن كل يد امتدت إلى سوريا، سواء من تركيا أو غيرها، لم تكن يد عون بقدر ما كانت يد استغلال، تخدم مصالحها الخاصة على حساب معاناة السوريين. وفي قلب هذا المشهد المظلم، يقف “أصحاب اللحى” كرمز للدمار والتخريب. هؤلاء الذين يمثلون امتدادًا لداعش ومثيلاتها، لم يكتفوا بتدمير الثورة من الداخل، بل تلطخت أيديهم بجرائم يندى لها الجبين. هم من سبوا النساء في سنجار، واستعبدوا اليزيديات، وانتهكوا كرامتهن باسم الدين. هم من قطعوا الرؤوس بلا حق، وزرعوا الرعب في كل مكان وطأته أقدامهم. جرائمهم لم تُطِل فقط عمر النظام، بل شوهت صورة الثورة السورية أمام العالم، وربطتها بالإرهاب بدلًا من النضال من أجل الحرية. “أصحاب اللحى” لم يكونوا سوى خناجر مسمومة غُرست في قلب الثورة السورية. هم من قوضوا الجيش الحر، وفرقوا صفوفه، وجعلوا من معركة التحرير حربًا عبثية مليئة بالخيانات والانقسامات. لقد سحقوا أحلام السوريين، وقلصوا مساحة الأمل، واستبدلوا المشروع الوطني بمشاريع عابرة للحدود، تخدم أجندات لا علاقة لها بالشعب السوري. في المقابل، كان لإسرائيل دور أكثر تأثيرًا وفعالية. قراراتها وغاراتها المركزة كشفت عن هشاشة النظام وعجزه عن حماية نفسه، في وقت كان فيه “أصحاب اللحى” منشغلين بقتال إخوتهم في الثورة بدلًا من مواجهة النظام أو أعدائه الحقيقيين. بينما انشغلوا بالصراعات الداخلية، كانت إسرائيل تعمل بجد لتفكيك أركان النظام السوري وتحطيم تحالفاته الإقليمية. ومع كل هذه التعقيدات، يبقى السؤال الأهم: هل سقوط النظام يمثل تحريرًا حقيقيًا لسوريا، أم أنه مجرد تبديل لأشكال الهيمنة؟ هل تحقق حلم السوريين في الخلاص، أم أن ما يجري ليس سوى إعادة ترتيب للأوراق على حساب الشعب الذي عانى الويلات؟ الحقيقة الواضحة، رغم مرارتها، هي أن الثورة السورية، ورغم كل الخيانات الداخلية والتلاعب الخارجي، ستبقى شاهدًا على إرادة شعب حاول أن يتحرر من الاستبداد، حتى وإن تعثرت خطواته وسط ضباب المصالح والأجندات المتصارعة.