شيرزاد هواري
رغم مرور ما يقارب سبع سنوات على الوضع الاستثنائي في منطقة عفرين، وعجز كافة الجهات والأطراف والأحزاب الكردية عن إيجاد حلول إسعافية، بدءًا من المجلس الوطني الكردي كإطار سياسي وتنظيمي بمختلف تكويناته، ومؤتمر الإنقاذ والمجالس المحلية السبعة التي تميزت باستعداد معظم كفاءات المنطقة للتعاون، مفضلين مصلحة أهل عفرين على مصالحهم الشخصية، ومخاطرين بأنفسهم لإنجاز ما يمكن وتقديمه لمنطقتهم بعد تخلي الجميع عنهم في ظل تهاون دولي وإقليمي مع ما يسمى الثورة السورية بسبب التضييق الدولي الممارس عليهم وتواطؤ الكثيرين ضمن أجندات لا تخدم مصلحة السوريين.
بالإضافة إلى خيبة الأمل السورية الكبيرة من الكثير من الفصائل المسلحة التي تركت خطوط الاشتباك مع النظام، متجهة بدلاً من ذلك لتحرير سوريا بأكملها، وهي الفصائل نفسها التي قيدتها الاتفاقيات الدولية مثل أستانا وسوتشي، التي لا يخفى تأثيرها على أي متابع للوضع السوري. فانحصرت مناطق نفوذهم بدلاً من التوسع، وتعاونوا فيما بينهم على الضغط على المدنيين، معتمدين على فرض الضرائب وجمع الأموال، بالإضافة إلى عمل أغلب الفصائل في مشاريع التهريب بين المناطق المختلفة والدخول إلى تركيا، مما أدى إلى تراجع فخر الثوار بالثورة السورية، خاصة في ظل ما يعيشه أهلنا في هذا الموسم والصراعات على أرزاق المدنيين بدلاً من حمايتهم.
ورغم التمثيل الكردي المحدود في الهيئات التمثيلية كهيئة التفاوض والمنصات المختلفة، فإن الجميع بات عاجزًا عن تقديم حلول مناسبة لأهاليهم للحفاظ على تواجدهم في ديارهم ومناطقهم التاريخية، وذلك بسبب تركيز الكثير من الممثلين والقيادات السياسية على مصالحهم الشخصية والحزبية دون إعطاء الاهتمام اللازم للأمور العامة وأهل عفرين، خاصة بعد كارثة الزلزال التي زادت من معاناة المواطنين اليومية. كما فشل طرفا الاستقطاب الكردي في إنهاء الحوار الكردي-الكردي بسبب تعنت الـPYD وتهربه من تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع المجلس الكردي، بالإضافة إلى تفرُّده بالحياة السياسية المتبقية في المجتمع الكردي في سوريا ومناطقه التاريخية، نتيجة ارتباطاته السياسية التي باتت معروفة للجميع.
كان يمكن لهذا الحوار، في حال نجاحه، أن يمهد الطريق لحلول جزئية من خلال التفاوض مع دول الجوار السوري أو التواصل مع مراكز القرار الدولي لضمان حماية الشعب، ريثما يتم الانتقال السياسي وتطبيق القرارات الدولية الخاصة بسوريا. ويمكننا القول إن لا أحد قادر على تحقيق شيء، بل هناك إهمال من العديد من الجهات الكردية تجاه كرد عفرين وإعزاز والباب، بالإضافة إلى غياب دورها في التوثيق الشامل والإعلام المطلوب لانشغالهم بأمور ثانوية، وهذا بسبب تركيز أغلب القيادات على مناطق الجزيرة وشرق الفرات.
لذا، تفاقمت ممارسات الأفراد والفصائل المتورطة في الجرائم، متجاهلين الهدف الذي تشكلت من أجله تلك الفصائل، ومعتدين على أهل عفرين خارج إطار أعرافهم القبلية والعشائرية. وفي ظل المحاولات والنداءات المتكررة من محبي عفرين في الداخل والخارج لعدم تركها وحيدة مع رأس العين وتل أبيض، عجزت مختلف الأحزاب عن إيجاد حلول للشمال الغربي لسوريا عبر تركيا والائتلاف المعارض والنظام السوري، والتي اعتمدت على إبرام الاتفاقيات عبر الوسيط الروسي المنهمك في أوكرانيا ومشاكله مع دول العالم.
منذ أيام، نشر بعض النشطاء السياسيين والوطنيين الكرد إعلان تأسيس “التجمع الوطني لبناء عفرين”، مؤكدين أنهم ليسوا حزبًا سياسيًا بل حركة ذات غايات مرحلية مؤقتة تهدف لبناء عفرين عبر سلسلة من الخطوات والأهداف التي يسعون لتحقيقها بالتعاون مع المعنيين بالوضع السوري والعفريني. ورغم ادعاء معظم الأطراف والأحزاب الكردية التواصل والبحث مع مختلف الجهات لتخفيف معاناة أهل عفرين، فإن الجميع بات عاجزًا.
يبقى السؤال: ما الجديد الذي يحمله هؤلاء أبناء عفرين؟ وهل يستطيعون، رغم محدودية قدراتهم ومواردهم، تحقيق تغييرات ملموسة؟ خصوصًا أن نداءاتهم الخارجية تأتي مع كل الاحترام لنواياهم الطيبة والمخلصة. فماذا بوسعهم فعله، كونهم لم يطرحوا أي شيء جديد مختلف عن باقي الأحزاب والمنظمات، ولم يخرجوا عن السياق الذي سبقهم إليه الآخرون وفشلوا في تحقيقه؟
لكن الميدان مفتوح على مصراعيه، ويمكن للجميع العمل في النضال المدني السلمي، لعل وعسى يكون الجديد مفيدًا. أتمنى أن يكون “التجمع الوطني لبناء عفرين” قادرًا على تحقيق ما أُعلن عنه، ولننتظر المزيد من السياسيين المستقلين ليطرحوا مشاريعهم وأفكارهم لإنجاز ما عجزت عنه الجماعات والحركات.
فليتقدم المستقلون والجيل الصاعد لتحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه أهلهم ومنطقتهم، رغم تأخرهم وتحججهم بانتظار الحركة الكردية لتقديم خدماتهم لأهلهم، وهذا ليس مقبولًا في العرف الاجتماعي؛ فالواجب لا يحتاج إلى انتظار. يمكننا الجزم بأن الجميع أيديهم قصيرة، في الوقت الذي ملَّ فيه شعبنا من وعود العودة، لذلك نرى يوميًا العشرات يعودون إلى ديارهم وأملاكهم.
المطلوب لمعظم مناطق الشمال الغربي لسوريا الخارجة عن سيطرة النظام، بدءًا من إدلب ثم المناطق المجاورة كعفرين وإعزاز وجرابلس والباب وحتى رأس العين وتل أبيض، هو سلسلة من الخطوات التي أوردها “التجمع الوطني لبناء عفرين”، والتي تشمل المطالبة بإزالة آثار الظلم والانتهاكات العشوائية، وتعويض المدنيين، وإعادة زمام السيطرة في هذه المناطق إلى قيادة مرحلية مؤقتة من الشرفاء والوطنيين السوريين، خاصة أولئك الذين أثبتوا جدارتهم في الظروف الصعبة ولم يشاركوا في الفساد الإداري، والعمل على تعزيز دور القضاء وتطبيق العدالة الاجتماعية نسبيًا.