شكري بكر
مع بداية انطلاقة الثورة السورية، صدرت عدة بيانات باسم الإجماع السياسي الكوردي وسبعة عشر حزبا. وأقرت تلك الأحزاب الذهاب لعقد مؤتمر كوردي لتأطير النضال السياسي الكوردي في سوريا، والتعامل مع المستجدات على الساحة السورية بوحدة الصف والكلمة في تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا.
إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن انسحابه من الإجماع الكوردي، وغرّد نحو إعلان مجلس أحادي الجانب باسم مجلس سوريا الديمقراطية، ومن اسمه يتضح أنه مجلس وطني سوري، بعيد عن انتمائه القومي الكوردي.
بينما ذهبت الأحزاب الستة عشر نحو عقد مؤتمر كوردي، والإعلان عن المجلس الوطني الكوردي، والإقرار بإقامة سوريا ديمقراطية تعددية اتحادية برلمانية حرة.
في هذا الغضون، اقتضت مصلحة النظام البائد تسليم كافة المناطق إلى حزب الاتحاد الديمقراطي آنذاك، ربما لهدف واحد، وهو عدم اختلاط الكورد بالثورة السورية مع كافة المكونات الأخرى من المجتمع السوري.
لسياسات معينة ولمصالح ما، تم الإعلان عن مجلسين منفصلين في المناطق الكوردية.
ومع استمرار الثورة السورية، التي اختلف حولها الكورد، أعلن المجلس الوطني الكوردي انضمامه إلى المعارضة السورية ضمن إطار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بينما حافظ مجلس سوريا الديمقراطية على نوع من العلاقة مع النظام البائد.
بذلك، حدثت خلافات عميقة بين المجلسين، وقد انعكست تلك الخلافات سلبا على أطراف من الحركة السياسية الكوردية في سوريا، مما أدى إلى تعرض العديد من الأحزاب الكوردية للانشقاق، وذهاب المنشقين للإعلان عن أحزاب أخرى موازية لما كانوا عليه.
هنا يطرح السؤال نفسه:
لماذا تجاوز عدد الأحزاب الكوردية ثمانين حزبا؟
أعتقد أن الغالبية العظمى من تلك الأحزاب نشأت من رحم أحزاب المجلس الوطني الكوردي عبر الانشقاقات.
من جهة أخرى، يُذكر أن خلافًا وقع بين ثلاثة أحزاب وثلاثة عشر حزبًا، وكانت الأحزاب الثلاثة هي:
-
الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي) – تيار نصرالدين إبراهيم.
-
حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا (يكيتي) – تيار محي الدين شيخ آلي.
-
حركة الوفاق الديمقراطي الكوردي السوري – تيار فوزي شنكالي.
أدى استمرار الخلاف بين هذه الأحزاب الثلاثة والأحزاب الأخرى في المجلس إلى صدور بيان من المجلس بفصل الأحزاب الثلاثة، بسبب ارتكابهم لممارسات خاطئة في مسار تشكيل المجالس المحلية للمجلس الوطني الكوردي في المناطق الكوردية.
وأعتقد أن جوهر الخلاف كان بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية، وهو الخلاف الذي لا يزال قائما بين مجلس سوريا الديمقراطية والأحزاب المؤتلفة معه ضمن الإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي من جهة، وأحزاب المجلس الوطني الكوردي من جهة أخرى.
بعد سقوط نظام الأسد، وسيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، طرأت مستجدات جديدة على الساحة السورية، مما تطلب من القوى السياسية الكوردية، وخاصة المجلسين، إعادة النظر في الشأن السياسي الكوردي في سوريا، عبر الوقوف على المصلحة الكوردية العليا، وضمان تمتع الشعب الكوردي بحقه في تقرير المصير، والعمل على وحدة الصف الكوردي، والنضال من أجل إقامة نظام تعددي اتحادي برلماني حر.
ومع ذلك، لا تزال بعض الصعوبات تعترض هذا المسار، مما اضطر بعض القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، للعب دور الوساطة والضامن للطرفين، بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن وحدة الصف الكوردي، ليتمكن الكورد من التحاور مع الإدارة الجديدة بوفد كوردي موحد، والتأكيد على حقوق الشعب الكوردي في الدستور السوري القادم.
والسؤال الذي يطرح نفسه كورديًا:
ما الذي يعيق تحقيق وحدة الصف الكوردي؟
أعتقد أن أزمة الحركة الكوردية تكمن في القيادات الحزبية، وليس في القواعد الحزبية أو الشارع الكوردي.
لماذا؟
-
افتقاد الثقة بين القيادات الحزبية.
-
النظرة الحزبية الضيقة لدى بعض القيادات الخارجة عن إطار المجلسين.
-
تفضيل بعض القيادات المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
-
الاختلاف حول مفهومي اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية.
بعد بذل كل من الولايات المتحدة وفرنسا جهودا مضنية في مسار التقارب بين المجلسين، والتي استمرت لسنوات، أقر المجلسان بضرورة التوصل إلى اتفاق بينهما، ولم يبقَ لإنجاز الاتفاق التاريخي إلا مسألة وقت.
ولكن، فجأة، طرحت بعض الأحزاب فكرة عقد مؤتمر قومي كوردي شامل في سوريا، وهو ما أصبح العائق الرئيسي أمام إنجاز الاتفاق التاريخي.
أعتقد أن الحل بسيط جدا، وهو كالتالي:
يجب على الأحزاب الخارجة عن إطار المجلسين إعادة النظر في سياساتها الخاطئة، المتمثلة في الخلافات الشخصية، والنظرة الحزبية الضيقة، وتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. كما ينبغي على الأحزاب المتقاربة فكريا وسياسيا أن تبادر إلى إقامة وحدات تنظيمية فيما بينها، مما سينهي أزمة الحركة الكوردية، ويحقق معا الاتفاق التاريخي.