الأكثرية السورية المنسجمة في مواجهة الآخر

فرحان كلش

 

إذا ما انتشلنا الجزء الأوسع من الكُرد والكثير من المنتمين إلى ما يُسمون بالأقليات من اللوحة المجتمعية السورية، فسنحصل من ما تبقى على لوحة منسجمة ثقافياً وسياسياً حد التطابق(حسب ما يُصرّح ويُعتقد به حتى الآن)، وربما يكون هذا كافياً لتعويم سلطة تمثل هذا المجتمع المنسجم بحكم القوة الفصائلية سورياً، ومن الضروري عدم التغافل عن بعض الأصوات من شخصيات وطنية وديمقراطية وهي تُعتبر نشاذ طائفياً هنا وهناك، والتي تلاقي بطبيعة الحال عملية تسطيح لرؤاها وجرها فكرياً إلى بيت الطاعة(السير على هديّ القطيع) بشتى الوسائل، و مواجهتها بمصطلحات مانعة لطرح المستجد فكرياً في حقل بناء دولة مثل قدسية الدولة، والإنتماء الوطني، وكثيراً مظلومية الطائفة وغيرها.

لهذا تبدو من الوهلة الأولى أن مهمة هيئة تحرير الشام وحلفائها من الفصائل العسكرية التابعة لها سهلة نسبياً في تحصين تموضعها، و في إعادة تشكيل مجتمع مدجن، يستحضر أساليب تمجيد السلطة البعثية ويسقطها بسذاجة على رأس الإدارة المستجدة في دمشق، حيث قيم التمجيد والتعظيم هذه تورث بالتراكم، كونها ليست وليدة عصر نظام محدد، لأنها متجذرة في الوجدان الجمعي العربي(وعموم المجتمعات غير الداخلة في طور الحداثة بعد) منذ القرن السابع الميلادي وربما قبل ذلك، ومع بزوغ فكرة الرسالة المحمدية، وسيطرة فكرة الفرد المنزه، مروراً بالخلفاء الأوائل، إلى الخلفاء العثمانيين، وصولاً إلى التقديس المتسرع للجولاني رغم أننا لم نر خيره من شره عملياً كما يُقال، وإلا كيف يمكننا مثلاً تفسير هذا الترابط العربي- العثماني، رغم سلسلة كوارث اقتصادية ومجتمعية وثقافية وحضارية تسببتها العثمانية بمراحلها المختلفة ضد العرب على مر استعمارها لهم إلى اليوم.

ومنذ الثامن من ديسمبر الماضي أُستشرس مزاج الشارع العربي بالعموم و بشكل مخيف ضد المختلف القومي والطائفي والثقافي، لأنه شعر بامتلاك القوة وإمكانية أن يخرج من قميصه الذي لبسه عنوة بسبب ظروف الضعف والضياع التي عاشها في سنوات الثورة الماضية.

كل أفكار الثورة المفترضة ذهبت أدراج الرياح، خطاب التصافي مع مكونات سورية تحول من النعومة والمهادنة إلى الخشونة والتهديد الفاقع، حقاً تفاجأ الكرد بشركائهم، فإذا كانوا يسمعون الأصوات العنصرية تكراراً فإنهم الآن يعيشون في أوقيانوس العنصرية والتشبيح ذاته.

الآن لا فرق بين مثقف عربي سنّي وأميّ سنّي( استخدام السنّي هنا فقط للتشخيص المجتمعي، وليس بمعنى التقليل من الاحترام لهذا الإنتماء الطائفي)إلا بالشدة اللفظية وقاموس الشتائم المتاح لكل منهما ضد الكُرد، كلاهما رافض لقيم الحداثة التي يتهم الكرد بها كالديمقراطية والعلمانية والفدرالية …..الخ، والغاية من ذلك خلق أوسع جبهة شعبية قطيعية ممكنة ضد مطالب الكرد، نعم مطالبهم هي التي تقض مضجع الحاضنة الشعبية للإدارة في دمشق بكل فئاتها.

وما التصريحات الرافضة علناً حتى للسماع لمن من المفترض أنهم يمثلون الكرد سياسياً والتي تخرج من أفواه القائمين على عقد ما يُسمى بالحوار الوطني إلا التعبير المباشر عن توجه هذه الإدارة بالمحصلة، هذه التصريحات تعبير عن شكل منظومة السلطة القادمة، وتؤسس الأرضية لتسيير خطاها.

أنه مجتمع التلقين والتجييش، لا مجتمع العقلانية والتحاور مع المختلف، لذلك أعتقد أن هذه الإدارة كذلك ومرة أخرى كما الأنظمة السابقة تعمل على ترحيل أزمات البلاد ومنها فيما يتعلق بحقوق المكونات السورية الأخرى إلى الأمام.

وفي هذه الظروف يتم التأسيس لحالة من الرُهاب ضد فكرة التحاور الموضوعي، ضد مناقشة أفكار أخرى، إنه زمن فكرتي أنا هي الحقيقة، وفكرتك مدمرة، لا تحاور بالرؤى، بل تحاور بثقافة الإنتماء المجتمعي الضيق، فكرة رفض الجزء لإنشاء المجسم الوطني المنسجم، وبذلك الخشية أن تنخر القضايا العالقة جسد هذه البلاد المنسجمة وهماً.

وبهذا مازال هذا التصارع المجتمعي يمارس حتى الآن بالقول والتطرف الكلامي، و يُخشى أن تتطور وسائل التعبير هذه إلى التعبير بالسلاح.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…