اتفاق “قسد” و “جبهة النصرة”: بين الضغوط الأمريكية والحسابات التركية”

د. رضوان باديني

 

هل يعود التقارب وتوقيع الاتفاق الأخير بين “قسد” و”جبهة النصرة” إلى الضغوط الأمريكية المتزايدة، خاصة في ظل إدارة ترامب التي تسعى على عجل إلى تهيئة ظروف “مقبولة” لخروجها من سوريا؟ أم أن هذا الاتفاق يعكس تحولات جزئية في رؤية الطرفين ومهامهما، نتيجة التطورات الداخلية والإقليمية الجديدة؟

ثم ما الذي دفع قيادات التنظيمين المتنافرين والمختلفين على طول الخط– أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) ومظلوم عبدي – إلى تجاوز تناقضاتهما السياسية والفكرية، رغم أن قواتهما العسكرية كانت على طرفي نقيض في المشهد السوري؟ وما هو الدور التركي، سواء المباشر أو غير المباشر، في هذا التقارب؟ خصوصًا أن تركيا، باعتبارها حليفة للولايات المتحدة من جهة، ومن جهة أخرى طرفًا راهن سابقًا على الاتفاق مع أوجلان ومدّ شروطه على “فروع حزبه الخارجية” وإعتبار “قسد” جزءاً من منظومة حزب العمال الكردستاني، قد تكون لعبت دورًا في هذا الترتيب الجديد!.

وفي ظل هذا المشهد المتسارع والمتقلب، يبرز تساؤل آخر مشروع: هل سيكون هذا الاتفاق مستدامًا، أم أن التباينات العميقة بين الطرفين ستفضي حتمًا إلى افتراق قريب وجديد؟

من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل تأثير “استسلام” زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان في تركيا والتنازلات التي قدمها للقيادة التركية– سواء على مستوى البوح بفسخ التنظيم أو إلقاء السلاح أو حتى عدم الإكتراث بالشكل المطلوب لضمان الحقوق– بسحب هذه الإستثناءات المهينة على مطالب الأكراد المرتبطين به في سوريا، وتحديدًا “قسد” والإدارة الذاتية.

وربما تفسر هذه الضغوط التي دفعت الطرفين إلى التوقيع على وثيقة تتسم بالغموض وهشاشة الضمانات الكردية فيها. فقد وجدت “قسد” وحزب الاتحاد الديمقراطي نفسيهما في موقف صعب تحت وطأة الضغط التركي المتزايد، إذ سعت وتسعى أنقرة إلى إرغامهما على تسليم أسلحتهما، والتخلي عن مكاسبهما السياسية، بل وتسليم مفاتيح الإدارة الذاتية إلى دمشق، في سيناريو مشابه لما فرضته على أوجلان سابقًا.

يأتي هذا الاتفاق في ظل مرحلة حساسة تشهدها دمشق، سواء داخليًا مع تصاعد التوترات داخل الطائفة العلوية وغيرها، أو خارجيًا في سياق التحديات الإقليمية المتفاقمة. ولولا هذا التفاهم الذي قرّب “قسد” ودمشق إلى نقطة التقاء تُمثل مكسبًا لأنقرة، ربما كانت تركيا ستلجأ إلى تصعيد عسكري واسع ضد أكراد سوريا، وهو تصعيد كان من الممكن أن يصل إلى مستوى حرب إبادة بدعم من النظام السوري، الذي يسعى كذلك إلى استغلال الموقف لتعزيز موقعه في الداخل.

و لإلتقاط جوهر هذه التساؤلات والإستفسارات التي نطرحها هنا حول دوافع التقارب وإمكانية استمراره أو انهياره، يمكننا ان نتسائل بجد حول ما إذا كان: “اتفاق قسد وجبهة النصرة: هو تحالف الضرورة أم افتراق مؤجل؟!”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي أود أن أوضح بداية أنني لست مختصًا في القانون، وقراءتي لهذا الموضوع ربما تندرج ضمن الإطار السياسي النقدي. بعد استعراض الإعلان الدستوري السوري المؤقت، الذي تم تبنيه عقب سقوط نظام بشار الأسد، يمكن ملاحظة عدد من النقاط التي قد تسهم في ترسيخ حكم ديكتاتوري جديد، حتى وإن كانت النية الظاهرة هي بناء دولة ديمقراطية قائمة على…

المحامي عماد الدين شيخ حسن   نشر مجلس سوريا الديموقراطية ( مسد) عبر صفحته الرسمية وموقعه على منصة ” X” مقالاً لعبد القادر موحد، عضو المجلس التنفيذي في مجلس سوريا الديمقراطية، بعنوان: ( المصطلحات القومية في الفكر الاوجلاني من ” الشعب الكردي” الى ” المجتمع الكردي” و” المجتمع الاصيل”)، وسرعان ما جرى حذف المقال وازالته من الموقعين. وبالنسبة لي شخصيّاً،…

صلاح بدرالدين   بحكم تواجدنا القسري في لبنان في سنوات نظام البعث وحكم الدكتاتور حافظ الأسد ، تعرفنا عن كثب على قادة الحركة الوطنية اللبنانية وفي المقدمة الشهيد كمال جنبلاط ، الذين استقبلونا برحابة الصدر ، ولاننا كنا مستهدفين من أجهزة ذلك النظام الشوفيني المجرم ، فقد قدم لنا الرفاق اللبنانييون ، والأصدقاء في منظمة التحرير الفلسطينية ، كل أسباب…

قبل أحداث الملعب البلدي (الدَّامية) في قامشلو (يوم الجمعة 12 آذار عام 2004م)، والتي أعقبتها مُباشرةً انتفاضةُ كرد قامشلو.. في ذلك الوقت كنتُ مُقيماً في بلدة نصيبين التركية الجارة الملاصقة لقامشلو، أمارس عملي كطبيبٍ أسنان، وكذلك كنتُ أكتب المقالات تحت اسمٍ مستعارٍ (بافي رامان)، والقلَّة من الأصدقاء كانوا يعرفونني بذلك الاسم المستعار، الذي ظلّ طي الكتمان، فقد كنتُ أبعثُ مقالاتي…