إنها نوروز… دعوها تُعبّر عن نفسها بحرية.

سيامند مصطفى

نوروز (رأس السنة الكُردية) منذ أن قامت الظلم والاستبداد عُرفت بأنها رمز الحرية، ورمز السلام، ورمز المحبة، والتآخي، والعدالة. لذلك، واجب علينا أن نعطيها حقها لتعبّر عن نفسها كما تليق بها، لا أن نخندقها في زوايا مغلقة فتختنق. فكلما كانت حرة، كانت سعيدة، وأسعدت من حولها ومن يحتفل بها.

لذلك، فإن سبب إثارتنا لهذا الموضوع هو الظروف الحالية التي تحدث في المنطقة، والمتغيرات السياسية والعسكرية التي رافقتها، والإشكاليات التي حدثت في بعض نقاط نوروز هذا العام. بات واجبًا أن نقف عند هذه الإشكاليات ونصححها، لنسير مع الظروف كما تتطلب، لنواكب المتغيرات لا أن نكون عبئًا على هذه المناسبة العظيمة.

فالنوروز في السابق، وعلى مستوى كُردستان الغربية (كُردستان سوريا)، كان الاحتفال به يشكل عبئا كبيرا على إدارته ومشرفيه، بمعنى أنه لم يكن كل شخص أو مجموعة قادرة على تنظيم هذا العمل الكبير، نظرا لما كان له من تداعيات أمنية وسياسية كبيرة. ومن جهة أخرى، كان يتطلب موارد اقتصادية لإنجاحه، وبشرية للدفاع عنه في مواجهة آلة القمع والتهديد التي كانت تُمارَس من قبل الجهات الأمنية في سوريا. هذه العوامل هي التي فرضت على الحركة الكُردية في سوريا القيام بهذا العمل الصعب والجبار، ويُشكرون عليه، ولو كان يُعتبر من واجباتهم في تلك الظروف. فوضع مسارح من أجل الاحتفال بنوروز كان بالنسبة لهم فرصة لإيصال صوتهم إلى شعبهم مباشرة، وزيادة الوعي القومي لديهم، ومن جهة أخرى، إرسال رسائل إلى النظام السوري وتحدي السلطات الأمنية التي كانت تمنع الاحتفال بأي مناسبة قومية.

وفي هذا السياق، ومع المتغيرات الحالية في المنطقة عموما، وسوريا خصوصا، لا بد من الأحزاب الكُردية مراجعة هذا الموضوع من حيث طريقة الاحتفال بها، وتسليمها لجهات معنية من المجتمع المدني، كمنظمات وجمعيات، فهي الأولى بالقيام بهذه المهام في ظل الظروف الجديدة، إذ لم يعد هناك قمع أو منع لهذه المناسبة من قبل السلطات الانتقالية الحالية. وبدلا من ذلك، ينبغي للأحزاب التفرغ لمهامها السياسية، والعمل على تحقيق مطالب شعبها، وضمان حقوقه في الدستور، وتأسيس تحالفات سياسية، وتطوير الإدارة الذاتية الحالية، أو أي شكل حكم مستقبلي في منطقتنا، بناءً على اتفاق بينها وبين دمشق.

بات لزاما، ومن خلال ما تطرقنا إليه، أن تقوم كل جهة بمهامها التي يفرضها الواقع الجديد، من أجل الوصول إلى الأمن والاستقرار والسلام الداخلي، وتسريع عملية التطوير والبناء. كما يجب أن تصبح مناسباتنا فرصة لتعزيز الوحدة والتلاحم، لا أن تتحول إلى الصراع والمنافسة السلبية، التي لا فائدة منها سوى المزايدة.

فالنوروز يجب أن يتزين بكل الألوان، وكل الشعارات، وكل الرموز، ليعبّر عن حقيقته الطبيعية والأساسية التي قام من أجلها، لا أن يُحصر في زاوية حزبية أو أيديولوجية لاستغلاله سياسيًا.

وبناءً على ما سبق، رسالتي إلى الشارع الكُردي: يجب عليكم أن تطالبوا من الآن بتوحيد مسارح نوروز، بحيث يكون في كل منطقة مسرح واحد لا غير، تجتمع الناس حوله بمختلف توجهاتهم، ويرفعوا شعاراتهم بكل حرية. وكان نوروز كولن هذا العام أقرب إلى ذلك. كما يجب أن تكف الأحزاب الكُردية والكُردستانية يدها عن هذه المناسبة العظيمة بالنسبة لنا ككُرد، وألا تشاركوا في أي نوروز يكون بإدارة حزبية أو أيديولوجية. فعن نفسي، أعلن أنني لن أشارك بعد اليوم في أي نوروز يكون بإدارة حزبية أو أيديولوجية.

نوروزكم مبارك، وكل نوروز وأنتم بخير!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عقدت ممثلية المجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS) بإقليم كوردستان اجتماعها الاعتيادي يوم الأحد، 26 آذار 2025، في أربيل، لاختيار قيادة جديدة. استُهل الاجتماع بالوقوف دقيقة صمت إجلالًا لأرواح شهداء الكورد وكوردستان، وشهداء الثورة السورية، وعلى رأسهم القائد التاريخي ملا مصطفى البارزاني والمناضل إدريس البارزاني. وبحضور كامل الأعضاء، جرت مناقشات مستفيضة أعقبها فتح باب الترشيح، حيث تم انتخاب السيدة أسماهان…

إبراهيم اليوسف تعرض الكرد، عبر العقود الماضية، لحملات متكررة من التشويه والتشكيك في انتمائهم، ووصلت إلى حد اتهامهم بالأسرلة، بعد الثورة الكردية في بداية الستينيات من القرن الماضي في كردستان العراق، وفي مطلع التسعينيات، وكأنهم مطالبون وحدهم بتقديم فروض الولاء والطاعة لشعوب المنطقة، دون أن يتم منحهم الحد الأدنى من حقوقهم القومية. وما يثير السخرية أن هذه الاتهامات…

د. محمود عباس في عام 1980، وفي ختام كرّاسي التحليلي (الكورد وثورة الخميني)، دوّنتُ بحروف الغضب والخذلان، عن كيف سُحقت اليد الكوردية الممدودة إلى الجمهورية الإسلامية الوليدة، لا بخطاب فكري، بل بسيفٍ مشرّع باسم الدين. واليوم، بعد أكثر من أربعة عقود، يعود ذات المشهد – لكن على مسرحٍ سوري – بوجوهٍ مختلفة، وشعارات متغيرة، وأدوات شبيهة. يا حكومة…

– المبادئ: وأنا أدلي بشهادتي عمّا جرى في يوم الجمعة/ الثاني عشر من شهر آذار عام 2004م وفي الأيام التي تلتها، (بعد مضى 20 عاماً عليها)، أودُّ بداية أنْ أنوّه بالآتي: حينها كُنت مُدرِّساً لمادة التربية الفنية التشكيلية، وعضو اللجنة النقابية في شعبة مدينة قامشلي لنقابة المعلمين، وسبق لي (شخصياً) أنْ كُنتُ لاعب كرة قدمٍ ضمن التشكيلة الأساسية لنادي…