فرحان كلش
قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل الهيمنة المديدة، وهذا ما نشهده الآن، حيث تم تدمير كل الأطراف المعادية جزئياً، دون حسم الصراع، وتوجيهه بعكس القائم.
فكل الأطراف الموزعة على طول هذا الممر مازالت تحتفظ بعوامل نهوضها الخاص، فايران كمصدر حيوي لفكرة مد اليد من طهران إلى تل أبيب مازالت تلعب لعبة التفاوض الخبيث والمديد مع المجتمع الدولي بقيادة الأميركان، ولا أعتقد أنها ستتخلى عن حلمها في أن تصبح دولة نووية، اسوة بجارتها باكستان، واستكمالاً لقوتها العقائدية-العسكرية.
وحتى حزب الله اللبناني الذي تلقى ضربات قاسية بالبعدين العسكري والسياسي، ولكنه يبقى قادراً في ظل أزمات لبنان غير القابلة للحل في المدى المنظور (رغم بعض الايحاءات الايجابية هنا وهناك) على لعب دور مقلق استكمالاً لدوره الوظيفي السابق، وهذا لمعرفتنا بأن الاقتسام الطائفي وإرث قيادات الطوائف القائم على الامتيازات الخاصة لن يشكل سوى قوة إفشال ضاغطة على الوضع اللبناني، بل ومساهِمة ايجاباً في مشروع إعادة الحزب لدوره.
وتبقى العقدة التي في الوسط، وأعني الموقف الرسمي السوري في هذه المعادلة، وليس من المستبعد مطلقاً إن ترسخت أركان الحكم الجديد في دمشق، أن تستعيد موضعها القديم في هذا الشريط المقلق بالنسبة لاسرائيل، منذ عدة عقود.
وقد يعتقد البعض أن حكام دمشق لهم ثأر طائفي مع طهران، وأن هذه الأخيرة كانت السند الأقوى لنظام بشار الأسد المخلوع، ولكن الحقيقة أن هذه الخلافات يمكن تجاوزها في لحظة تحديد أولويات الصراع من الزاوية الشرعية والتي يتبناها حكام دمشق الجدد بما لا يدع مجالاً للشك، وبهذا تكون اسرائيل (اليهودية)الأولى بالمواجهة و رص الصفوف في مواجهتها من خلاف سياسي حدث وانتهى، و في رؤية كهذه يمكن استعادة تجربة قوى (المقاومة الفلسطينية)المتمثلة بالقوة المتدينة السنية مع طهران الشيعية.
في الحقيقة ذلك ممكن تماماً، خاصة وأن معاداة اسرائيل وأميركا متجذرة في الفقه الاسلامي الذي يتبناه حكام دمشق، وكذلك الأمر جليّ في موقف ولاية الفقيه في ايران، وربما الظرف مازال معانداً لتجدد حلف كهذا بشكل ما وفي وقت قصير كهذا، لأن عملية تدمير القوى المؤسسة لفكرة هذا الممر مازالت قائمة ولا نعرف مستوياتها إلى الآن بشكل واضح، و لكن علينا ان ندرك أن عملية التحطيم والتهشيم التي قادتها اسرائيل بدعم أميركي منذ السابع من أكتوبر 2023 مازالت ناقصة وغير مكتملة مطلقاً، وبمجرد رفع اسرائيل يدها عن الزناد، سينطلق نابط هذه القوى في وجهها.
فطالما نظام الملالي في ايران قائماً، ولم يتحول حزب الله إلى حزب سياسي خاضع لقوانين الدولة اللبنانية، وبقيت حركة حماس وحلفاؤنا مسيطرة على جزء من السياسة الفلسطينية، والأهم كما كل هذا هو استمرار شكل نظام الحكم في سوريا بهذه العقلية والتوجه، لا يمكن مطلقاً استبعاد انتعاشة جديدة لهذا الممر، فقد تشهد المنطقة حالة ركود وسلام (وهمية) فترة من الزمن ولكن تحت رمادها سنشهد صعود أزمات مؤجلة من هذه المرحلة، فهل نحن أمام استمرارية تدمير العناصر المؤسسة لهذا الممر إلى النهاية، كتدمير ايران، واخراج حماس من المعادلة الفلسطينية، ودمج حزب الله في الحالة اللبنانية، والأهم ترويض أو تغيير المشهد في سوريا بشكل ما؟
وفي خضم هذه الاحتماليات تبقى تركيا حاملة راية الخباثة السياسية، والمستفيدة الأولى في النفخ في الجمر الذي يتم تأسيس المنطقة عليه، والتي تسعدها الصراعات لتمدد مخالبها إلى حيث تستطيع، أو تتخيل أنه كان جزء من امبراطوريتها، فهي لن تمانع في دفع الأمور إلى حيث يحتاجها الجميع.