إذا كانت قسد وتركيا جادتين في السلام: فإن الحلول ممكنة

آراس اليوسف* 

 

لأنه لطالما كانت سوريا بلدًا متنوعًا يعكس فسيفساء ثقافية وعرقية غنية، إلا أن هذا التنوع واجه تحديات قاسية على مر العقود. مع هيمنة نظام البعث،فقد خضع جميع مكونات المجتمع السوري لظروف قاسية من القمع والاستبداد. ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، مرحلة تحمل معها آمالاً عظيمة في الحرية والكرامة والعيش المشترك. لكن هذا التحول الكبير لم ينهِ كل الصراعات؛ بل بقيت بعض التوترات القديمة والجديدة تلقي بظلالها على المشهد السوري، خاصة في شمال البلاد.

بالنسبة للكرد السوريين، الذين يُعتبرون جزءًا أصيلًا من نسيج سوريا، جاء سقوط النظام كفرصة لتعزيز حقوقهم ووجودهم ضمن إطار سوريا ديمقراطية جديدة. ومع ذلك، فإن التوترات مع تركيا، الجار الشمالي القوي، ما زالت تمثل عائقًا أمام تحقيق الاستقرار الكامل.

في فرص السلام بين قسد وتركيا:

العلاقة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شابتها عقود من التوجس والتوتر. إذ إن تركيا، التي ترى في أي ترتيبات كردية قرب حدودها مصدر تهديد محتمل لأمنها القومي، وتخشى أن تتحول هذه المناطق إلى منصة لأجندات قد تؤثر على استقرارها. في المقابل، فإن الكرد فيما يسمى بشمال سوريا-أو كردستان سوريا- ينظرون إلى الإدارة الذاتية التي تأسست في خضم الصراع السوري على أنها خطوة نحو تمكين مجتمعاتهم، وضمان حقوقهم التاريخية ضمن سوريا موحدة.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يمكن للطرفين، رغم اختلافاتهما، أن يختارا طريق السلام؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها ليست بمستحيلة. لأن تاريخ الصراعات مليء بالأمثلة التي تظهر أن الحوار والشجاعة السياسية يمكنهما تجاوز العقبات التي بدت مستعصية.

كيف يكون التمهيد للحل؟

في رأيي أنه وبالنظر إلى المصالح المشتركة فإن الأمر يتطلب الوصول إلى حل متوازن بين الطرفين تبنّي رؤية تركز على المصالح المشتركة بدلاً من تضخيم المخاوف المتبادلة. فتركيا، كدولة إقليمية ذات أهمية استراتيجية، لديها مصلحة كبيرة في تحقيق الاستقرار في سوريا. استقرار المناطق الكردية في الشمال ليس تهديدًا لها، بل قد يكون فرصة لتعزيز أمنها من خلال شراكات اقتصادية وتنموية مشتركة.

في المقابل، فإن الكرد في شمال سوريا بحاجة إلى بناء علاقات إيجابية مع جميع جيرانهم، بما في ذلك تركيا. تحقيق هذا الهدف يتطلب خطوات عملية تعزز الثقة، وتظهر أن الإدارة الذاتية ليست طرفًا في أي صراع إقليمي، بل تسعى فقط إلى ضمان حقوق سكانها وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لهم.

خارطة الطريق المبادرة نحو سلام مستدام

الوصول إلى سلام مستدام بين قسد وتركيا يتطلب خطوات مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار المخاوف والحقوق، وتضع مصلحة شعوب المنطقة فوق أي اعتبار آخر. هذه الخطوات قد تشمل:

  1. تشكيل لجنة حوار مشتركة: لجنة تضم ممثلين عن قسد وتركيا وأطراف دولية محايدة، مهمتها وضع إطار للحوار المباشر ومناقشة المخاوف الأمنية والمطالب السياسية بموضوعية وشفافية.
  2. ضمانات لتركيا: تقديم تطمينات عملية تُظهر التزام قسد بعدم السماح باستخدام الأراضي السورية كمنصة لأي أنشطة قد تُعتبر تهديدًا لتركيا. يمكن أن يشمل ذلك آليات مراقبة دولية تُنفذ بشفافية.
  3. الاعتراف بالإدارة الذاتية: من جانب تركيا، يمكن اتخاذ خطوة جريئة تتمثل في الاعتراف بالإدارة الذاتية الكردية ضمن إطار سوريا موحدة. هذا الاعتراف سيعزز التعاون بين الطرفين ويسهم في استقرار المنطقة.
  4. انسحاب الفصائل المسلحة: تركيا يمكنها، ضمن اتفاق شامل، سحب الفصائل السورية المدعومة منها من المناطق ذات الأغلبية الكردية، بما يفتح المجال لعودة المهجرين وإعادة بناء المجتمعات المحلية.
  5. التعاون في مشاريع تنموية: تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين تركيا والإدارة الذاتية يمكن أن يخلق فرص عمل، ويقلل من التوترات من خلال تحقيق مصالح مشتركة تعود بالنفع على الجميع.

فوائد السلام لجميع الأطراف

تحقيق السلام بين قسد وتركيا لا يعني فقط إنهاء صراع محلي، بل يُعتبر خطوة استراتيجية نحو استقرار منطقة الشرق الأوسط ككل. استقرار شمال سوريا يعني تقليل الهجرة، وتحقيق التنمية، وتوفير بيئة آمنة لعودة ملايين السوريين المهجرين، سواء كانوا كردًا أم عربًا.

أما بالنسبة لتركيا، فإن تطبيع العلاقات مع الكرد في سوريا يمكن أن يعزز صورتها كقوة إقليمية قادرة على بناء الجسور بدلًا من خوض الصراعات.

 طريق المستقبل

السلام ليس طريقًا سهلاً، لكنه الطريق الوحيد الذي يضمن للأجيال القادمة العيش في بيئة آمنة ومستقرة. تركيا وقسد، برؤية حكيمة وشجاعة سياسية، يمكنهما تحويل شمال سوريا من منطقة نزاع إلى نموذج للتعايش والشراكة الإقليمية.

الكرد في سوريا ليسوا تهديدًا لأي أحد؛ هم جزء أصيل من هذه الأرض، يسعون إلى بناء حياة كريمة تعكس تطلعاتهم، وتساهم في بناء وطن يتسع للجميع. القليل من الشجاعة وكثير من الحكمة يمكن أن يفتحا الباب أمام مستقبل جديد، ليس فقط لسوريا وتركيا، بل للمنطقة بأسرها.

  • مدير  ومؤسس راديو ومجلة ولات وهما متوقفتان الآن
  • كاتب وناشط شبابي كردي مقيم في ألمانيا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ألبيرتو نيغري النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود ” تاريخ نشر المقال يرجع إلى ست سنوات، لكن محتواه يظهِر إلى أي مدى يعاصرنا، ككرد، أي ما أشبه اليوم بالأمس، إذا كان المعنيون الكرد ” الكرد ” لديهم حس بالزمن، ووعي بمستجداته، ليحسنوا التحرك بين أمسهم وغدهم، والنظر في صورتهم في حاضرهم ” المترجم   يتغير العالم من وقت لآخر: في…

شادي حاجي مبارك نجاح كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روژآڤاي كردستان في قامشلو ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ الذي جاء نتيجة اتفاقية بين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) واتحاد الأحزاب الوطنية (PYNK) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد مفاوضات طويلة ومضنية على مدى سنوات بمبادرات وضغوط كردستانية واقليمية ودولية وشعبية كثيرة بتصديق وإقرار الحركة الكردية في سوريا بمعظم أحزابها ومنظماتها الثقافية…

د. محمود عباس   إلى كافة الإخوة والأخوات، من قادة الحراك الكوردي والكوردستاني، وأعضاء الكونفرانس الوطني الكوردي، والضيوف الكرام، وإلى كل من ساهم وشارك ودعم في إنجاح هذا الحدث الكوردستاني الكبير. أتوجه إليكم جميعًا بأسمى آيات الشكر والتقدير، معبّرًا عن فخري واعتزازي بما حققتموه عبر انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي في مدينة قامشلو بتاريخ 26 نيسان 2025. لقد كان هذا الكونفرانس…

أثمرت إرادة الشعب الكردي في سوريا، الذي لطالما تطلّع إلى وحدة الصف والموقف الكردي، عن عقد الكونفرانس الذي أقرّ وثيقة الرؤية الكردية المشتركة لحل القضية الكردية في سوريا، بإجماع الأحزاب الكردية، ومنظمات المجتمع المدني، والفعاليات المجتمعية المستقلة من مختلف المناطق الكردية وعموم سوريا. ويجدر بالذكر أن هذا الإنجاز تحقق بمبادرة من فخامة الرئيس مسعود بارزاني، وبالتعاون مع الأخ الجنرال مظلوم…