أيُّ سوريا نُريد؟

اكرم حسين 
تستدعي الإجابة عن سؤال أيُّ سوريا نُريد؟ صياغة رؤية واضحة وشاملة تُعالج الجذور العميقة للأزمة السورية ، وتُقدّم نموذجاً لدولة حديثة تُلبي تطلعات جميع السوريين ، بحيث  تستند هذه الرؤية إلى أسس الشراكة الوطنية، والتعددية السياسية، والمساواة الاجتماعية، وتجاوز إرث الاستبداد والصراعات التي مزّقت النسيج المجتمعي على مدار أكثر من عقد. لأن سوريا الجديدة  يجب أن تبدأ من الاعتراف بواقعها الحالي ، دولة متعددة القوميات والأديان والطوائف، حيث عانت من تهميش مكونات كثيرة فيها ، وتورّطت في صراعات أثقلت كاهل شعبها وأضعفت كيانها الوطني .
 لبناء هذه الدولة يتطلب العمل على مسارين متوازيين: الأول أمني -عسكري، والثاني سياسي-اجتماعي، بهدف خلق منظومة متكاملة تُخرج سوريا من أزمتها الحالية وتضعها على مسار الاستقرار والتنمية.
على المستوى الأمني، فإن سوريا الجديدة يجب أن تتخلص من الانقسامات العسكرية القائمة حالياً . فلا يمكن تحقيق الاستقرار في ظل وجود قوى وفصائل متصارعة تُمثل مصالح متناقضة، سواء داخلية أو إقليمية ، ولذلك لابد من بناء منظومة دفاعية وطنية تُدمج فيها كافة القوى المسلحة تحت راية جيش وطني واحد. كهيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية، والجيش الوطني السوري، ورجال الكرامة، وقوات الجنوب، وبشمركة روج وجيش سوريا الحرة ، ومن انشق عن النظام البائد ، الجميع ، يجب أن يجد مكانه في هذه المنظومة الدفاعية ، بعيداً عن الحسابات الفئوية أو الأيديولوجية ، بحيث يكون هذا الجيش وحده مسؤولاً عن حماية الحدود والسيادة الوطنية ، وضمان الأمن الداخلي، ما يُتيح للبلاد التخلص من الفوضى والتدخلات الأجنبية المباشرة التي ساهمت في تفاقم الأزمة.
أما على المستوى السياسي والاجتماعي، فإن سوريا التي يطمح إليها السوريون  هي دولة المواطنة ، حيث لا يُعامل المواطن على أساس دينه أو قوميته ، بل على أساس انتمائه للوطن ، ولتحقيق ذلك ، يجب عقد مؤتمر وطني شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري السياسية والاجتماعية  دون استثناء ، هذا المؤتمر يُعد الخطوة الأولى نحو بناء شراكة وطنية حقيقية، تُكرس مبدأ التوافق بدلاً من الإقصاء، وتُنتج حلولاً ترضي جميع الأطراف بشأن شكل الدولة ونظام الحكم .
لابد أن تركّز هذه الرؤية على تبنّي نظام حكم لا مركزي يمنح المحافظات والمناطق  سلطات واسعة لإدارة شؤونها، مع الحفاظ على وحدة الدولة. هذا النموذج يُمكن أن يُلبّي إلى حد ما  تطلعات مكونات قومية مثل الكرد والسريان، الذين يسعون إلى ضمان حقوقهم القومية والثقافية ضمن إطار الدولة السورية الجديدة .
تأسيس هيئة حكم انتقالي هي الخطوة التالية لإدارة المرحلة الانتقالية، يكون من مهامها إعداد إعلان دستوري مؤقت يُنظٌم العمل خلال الفترة الانتقالية التي ينبغي أن لا تتجاوز السنتين . إلى جانب ذلك، يجب تشكيل لجنة تأسيسية تضم خبراء وقادة يمثلون كافة المكونات لكتابة دستور دائم يُؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تُعلي قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون.
الفترة الانتقالية  يجب أن تُستكمل بوضع قانون انتخاب و إجراء استفتاء عام على الدستور الجديد، ومن ثم التوجه نحو انتخابات برلمانية ورئاسية حرة تُتيح للشعب اختيار ممثليه بطريقة ديمقراطية. هذه الانتخابات ستكون نقطة البداية في إعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس شفافة وفعالة.
سوريا الحديدة ينبغي أن تنبذ الاستبداد بجميع أشكاله ، وتفصل بين السلطات فصلاً حقيقياً ، وتُرسّخ مبدأ التداول السلمي للسلطة. دولة تضمن الحرية السياسية، وتصون حرية التعبير، وحقوق الإنسان، بحيث يشعر كل مواطن بأنه شريك كامل في بناء المستقبل.
إلى جانب ذلك، فإن إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي تُعتبر ضرورة لا تقل أهمية ، عبر وضع خطة متكاملة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، واستعادة عجلة الإنتاج، وتوفير فرص العمل للملايين من مواطنيها الذين أرهقتهم ظروف الحرب والنزوح ، وسيكون الدعم الدولي عاملاً أساسياً في هذا المجال، في اشتراط وجود قيادة وطنية ملتزمة بتحقيق التغيير والإصلاح.
ان السوريين يطمحون إلى رؤية سوريا   دولة ذات سياسة خارجية مستقلة ومتوازنة، تسعى إلى بناء علاقات إيجابية مع دول الجوار والمجتمع الدولي، دون الخضوع لأي نفوذ خارجي وتُعبّر في الوقت ذاته عن كل مواطنيها، وتضع مصالح شعبها فوق أي اعتبار ، وهذا يتطلب إرادة سياسية، وشجاعة كبيرة لتجاوز الماضي، ورغبة حقيقية في بناء مستقبل أفضل …؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف بين عامين: عبورٌ من ألمٍ إلى أمل…! ها نحن نودّع عامًا يمضي كما تمضي السحب الثقيلة عن سماءٍ أرهقتها العواصف، ونستقبل عامًا جديدًا بأحلامٍ تتسلل كأشعة الفجر لتبدّد عتمة الليل. بين ما كان وما سيكون، نقف عند محطة الزمن هذه، نتأمل في مرآة أيامنا الماضية، تلك التي تركت على جبين الذاكرة بل القلب ندوبًا من الألم والتشظي، وفي…

اكرم حسين مع إشراقة أعياد الميلاد المجيدة، حيث تحمل الأيام بشائر الأمل والسلام، نقف اليوم أمام لحظة تاريخية في مسيرة سوريا وشعبها العظيم. لقد أثبتت الثورة السورية العظيمة ، التي انطلقت في وجه الطغيان والاستبداد . ان إرادة الشعوب أقوى من أي آلة قمع أو سلطة غاشمة ، واليوم ، بعد سقوط الطغمة الأسدية، يسطّر السوريون بدمائهم وتضحياتهم بداية…

صلاح بدرالدين عام سعيد جديد في ظل الحرية التي ناضل السورييون من اجلها عقودا وثاروا في وجه الطغيان ، وقدموا مئات آلاف الشهداء ، وباقة ورد للثوار المحررين يوم الثامن من كانون الأول / ديسمبر في نهاية العام الجاري . على عتبة العام الجديد كم كنت أتمنى ان تكون شريكة حياتي الراحلة ام لوند الى جانبي ، وتحتفل…

ماجد ع محمد يبدو أنَّ حال أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) يشبه حال الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني في بعض النواحي، حيث أنَّ الطالباني كان مطلوباً من حكومة بغداد، إلا أنه استطاع بعد زمنٍ من النضال وبمساعدة الظروف الدولية أن ينتقل من الخنادق في إقليم كردستان إلى قصر الرئاسة في بغداد بعد إطاحة الغرب بنظام الرئيس العراقي صدام…