“من أسقط التمثال” لإبراهيم اليوسف

خالد إبراهيم 

يقدم إبراهيم اليوسف في كتابه “من أسقط التمثال” نظرة عميقة في واحدة من أهم المراحل التاريخية المتعلقة بالانتفاضة الكردية عام 2004 في سوريا. الكتاب يعتمد على شهادات وحوارات حول تلك الانتفاضة، ويشكل شهادة مهمة عن التاريخ الكردي المغيب.

يركز الكتاب على تسليط الضوء على أحداث انتفاضة آذار الكردية التي بدأت في مدينة القامشلي عام 2004، واستمرت لتشمل مناطق أخرى. يتناول الكتاب بأمانة وحساسية القضية الكردية في سوريا، ويبحث في الأسباب التي دفعت الشعب الكردي للانتفاض ضد الظلم الذي تعرض له لعقود. كما أنه لا يغفل توثيق التحولات السياسية والاجتماعية التي أدت إلى إشعال هذه الانتفاضة، والردود العنيفة التي جاءت من قبل السلطات السورية.

اعتمد إبراهيم اليوسف في الكتاب على أسلوبه الخاص، الذي يجمع بين السرد الأدبي والتحليل التاريخي والسياسي. الكتاب يعكس روح المقاومة والإصرار التي جسدها الشعب الكردي في محاولته للمطالبة بحقوقه. عبر شهادات وحوارات شخصية مع بعض الناشطين والمشاركين في الانتفاضة، يقدم الكاتب صورة قريبة ومباشرة من الحدث.

يبدأ الكتاب بتقديم خلفية سياسية واجتماعية عن الأوضاع في سوريا، وخاصة في المناطق الكردية، التي تعرضت للتهميش والقمع من قبل النظام السوري على مدى سنوات. يشير الكتاب إلى أن الأكراد في سوريا، الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من المجتمع السوري، لم يحصلوا على حقوقهم الأساسية مثل الاعتراف باللغة والثقافة الكردية.

من خلال الحوارات والشهادات التي تم تضمينها في الكتاب، يبرز اليوسف أصوات الأكراد الذين عاشوا في تلك الفترة والذين تحدثوا عن تجاربهم ومعاناتهم. يقدم الكتاب روايات عميقة حول التمييز الذي تعرض له الأكراد، مثل تجريد بعضهم من الجنسية السورية، وحظر تعليم اللغة الكردية.

التمثال الذي يشير إليه الكاتب هو رمز للظلم والقمع الذي عانى منه الشعب الكردي. “إسقاط التمثال” هنا ليس مجرد فعل مادي، بل هو فعل رمزي يعني رفض الحكم السلطوي والتطلع إلى العدالة والحرية. الكتاب يعكس تلك اللحظة الفاصلة التي قرر فيها الأكراد أن يرفعوا أصواتهم ويطالبوا بحقوقهم، رغم المخاطر الكبيرة التي كانت تحيط بهم.

الكتاب يحمل طابعًا نقديًا عميقًا للأنظمة الاستبدادية التي سعت إلى طمس هوية الأكراد، كما أنه يعرض بوضوح مدى القمع الذي تعرض له الأكراد من قبل النظام السوري. يشير الكاتب إلى أن هذه الانتفاضة كانت نتيجة تراكم طويل للغضب والإحباط بسبب السياسات القمعية والتهميشية التي مورست ضد الشعب الكردي.

يتطرق الكتاب أيضًا إلى تأثيرات الانتفاضة على المستويين الإقليمي والدولي. إذ يشير اليوسف إلى الدور الذي لعبته القوى الدولية في تسليط الضوء على القضية الكردية، وكيف أصبحت انتفاضة 2004 نقطة تحول في النظرة الدولية إلى الأكراد في سوريا.

“من أسقط التمثال” هو أكثر من مجرد توثيق لحدث تاريخي، إنه شهادة حية على النضال المستمر للشعب الكردي من أجل الحرية والكرامة. يقدم الكتاب قراءة معمقة لقضية تعتبر واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط، ويضع الأكراد في سوريا في قلب المشهد السياسي والاجتماعي المعاصر.

هذا الكتاب يحمل في طياته نداءً لأهمية العدالة والمساواة، وهو دليل على أن النضال من أجل الحقوق هو نضال دائم.

 

خالد إبراهيم

روائي كردي سوري ” كولن”

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…