بعد مئة يوم على المرحلة الانتقالية: السلطة الجديدة في سوريا بين آمال التغيير ومخاطر الاستبداد المقنّع!

في 8 كانون الأول 2024، طُويت صفحة من أكثر المراحل دموية في التاريخ السوري المعاصر، بسقوط نظام بشار الأسد على يد تحالف عسكري قادته هيئة تحرير الشام عبر غرفة ردع العدوان ، ودخول البلاد في مرحلة انتقالية ترأسها السيد أحمد الشرع ، وقد استقبل السوريون هذه المرحلة بكثير من الترقب والأمل. بعد أكثر من عقد على ثورة شعبية ، ودماء سالت في سبيل الحرية والكرامة. إلا أن هذا الأمل سرعان ما تراجع أمام واقع جديد أفرز خيبات متعددة ، نتيجة غياب الرؤية الوطنية الجامعة، وعجز الادارة الانتقالية عن تلبية أبسط مقومات الحكم الرشيد، الأمر الذي جعل مشروع الشرع محل جدل واسع بين من رأى فيه فرصة تاريخية، ومن اعتبره استمراراً لنهج الاستبداد بثوب جديد، ورغم الانتقادات المتصاعدة، إلا أن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى بعض الخطوات الإيجابية التي تحققت خلال هذه المدة، ومنها:
• تثبيت نسبي للاستقرار الأمني في مناطق سيطرة الحكومة الانتقالية بعد سنوات من الفوضى .
• تجنّب المواجهة مع “قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عبر اتفاق 10 آذار، الذي ساهم في تجنيب السوريين جبهة قتال إضافية، ووفّر فرصة لمقاربة سياسية – مع أحد أبرز الفاعلين في الشمال الشرقي. .
• إعادة تشغيل جزئي لبعض المرافق الخدمية كالأفران والمشافي وتوفير المحروقات .
• تفعيل نسبي للدبلوماسية السورية الجديدة، عبر زيارات وفود أجنبية وحضور بعض المؤتمرات ، وفتح بعض السفارات.
• عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في خطوة رمزية لكنها مهمة على صعيد الانفتاح الإقليمي.
غير أن هذه المؤشرات الإيجابية بقيت محدودة الأثر، ولم تُترجم إلى تحول سياسي حقيقي أو تحسن ملموس في حياة السوريين.
• في المقابل، فإن الإخفاقات كانت أكثر حضوراً، وتجلت في غياب التمثيل الحقيقي لجميع المكونات السورية .
فمنذ “مؤتمر النصر” الذي عُقد عقب سقوط النظام، مروراً بـ”مؤتمر الحوار الوطني”، بدا أن الرئيس الشرع يسير في طريق إقامة سلطة أحادية، يغلب عليها الطابع الإسلامي، مع تغييب شبه كامل للقوى الوطنية والديمقراطية والكردية، وللأصوات المجتمعية التي تمثل الشرائح الأوسع من الشعب السوري
• اقتصر “مؤتمر النصر” على فصائل وشخصيات تدور في فلك هيئة تحرير الشام، مما أفقده شرعية التمثيل الوطني .
• فشل مؤتمر الحوار الوطني في إنتاج تفاهمات حقيقية أو خارطة طريق جامعة، إذ بدا وكأنه مجرد منصة لتكريس قرارات مُعدة سلفاً.
• صدر “الإعلان الدستوري المؤقت” بصورة مركزية، ما أعاد إنتاج مفهوم السلطة المطلقة ، و أثار لدى صدوره استياءً واسعاً بين السوريين:
• منح الرئيس الانتقالي صلاحيات شبه مطلقة لخمس سنوات دون رقابة او محاسبة .
• إعداده من لجنة أحادية التوجه، دون أي تمثيل للمكونات القومية والدينية.
• تجاهل القضية الكردية وحقوق الأقليات وضمانات التعددية السياسية.
• هيمنة السلطة على الدولة ، وترسيخها على حساب استقلالية المؤسسات. .
• أما الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها، فقد افتقرت إلى التعددية السياسية والاجتماعية، إذ غابت عنها المرأة، والمكونات القومية والسياسية الأساسية، ما أفقدها القدرة على تمثيل المجتمع السوري ، وعلى الرغم من تسويقها كـ”حكومة تكنوقراط”، إلا أنها لن تتمكن من كسب ثقة الداخل أو الخارج، وسيبقى أداؤها ضعيفاً في مواجهة التحديات اليومية.
• خلال هذه الفترة لم يتحسن الوضع المعيشي للسكان في مناطق الحكومة الانتقالية، بل زادت المعاناة اليومية من غلاء الأسعار، وتفاقم الخدمات، وانتشار البطالة و تسريح آلاف العمال تعسفياً ، وغياب الرواتب المنتظمة عن أغلب القطاعات.
• لم تتمكن الادارة الجديدة من طرح رؤيتها الاقتصادية ، ومن جذب استثمارات أو مساعدات خارجية، في ظل غياب الثقة، واستمرار العقوبات الدولية المفروضة نتيجة الشكوك في طبيعة السلطة الجديدة.
• غياب الثقة في السلطة الانتقالية، ووجود مخاوف من إعادة إنتاج نظام شمولي بطابع جديد نتيجة الخلفية الجهادية لهذه السلطة هو سبب رئيسي لاستمرار العقوبات الدولية التي لن تستطيع سوريا أن تتعافى من أزماتها الا عبر رفعها .
• في المناطق الساحلية من سوريا، وتحديداً في بانياس، وجبلة، وطرطوس، تم توثيق انتهاكات جسيمة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، أبرزها:
• مذابح طائفية بحق أبناء الطائفة العلوية، ارتُكبت على خلفية الهوية الدينية.
• تصفية جسدية واعتقالات تعسفية وتعذيب، نفّذتها جماعات مدعومة من فصائل محسوبة على السلطة الانتقالية.
• عمليات نهب وتدمير ممتلكات طالت سكاناً من الموالين السابقين للنظام.
• غياب تام للعدالة الانتقالية، وغياب أي هيئة قضائية مستقلة لمحاسبة الجناة.
وقد أدى ذلك إلى تصاعد خطير في منسوب خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، سواء في الإعلام أو على الأرض، ما ينذر بانفجار مجتمعي، ويعيد إنتاج مشاهد الحرب الأهلية، ويقوّض فرص المصالحة الوطنية.
• تجنيد واختطاف القاصرين /ات عبر منظمة ،”الشبيبة الثورية “:
• توثيق حالات اختطاف فتيات دون سن 18، خاصة في الحسكة والقامشلي وعامودا، وكوباني ، دون علم أو موافقة ذويهم/ين.
• غياب أي إجراءات رادعة من “الإدارة الذاتية “، بل تبرير لهذه الممارسات تحت مسمى “الدفاع الذاتي “
يطالب تيار مستقبل كردستان سوريا في هذا السياق بـ:
• وقف فوري لتجنيد القاصرين/ات والإفراج عنهم/ن دون قيد اوشرط .
• فتح تحقيقات مستقلة وشفافة حول هذه الانتهاكات، وضمان عدم تكرارها.
• محاسبة المسؤولين عنها .
• حل منظمة ” الشبيبة الثورية فوراً .
رغم مرور أكثر من 100 يوم على سقوط الأسد إلا أن الإدارة الجديدة لم تنجح في أن تكون بديلاً وطنياً شفافاً وشاملاً، بل أعادت إنتاج العديد من أوجه الفشل السابقة. بين مشروع انتقالي متعثر، وانتهاكات متواصلة، واستبعاد كامل للمكونات الوطنية والقومية ، وبذلك تتجه سوريا إلى مأزق جديد ما لم تُصحّح المسارات، ويُعاد بناء السلطة على أسس تشاركية، مدنية، وديمقراطية.
إن استمرار الأداء الانتقالي على هذا النحو يُهدد بإعادة إنتاج النظام السابق ، ولإنقاذ المسار، لا بد من تصحيح البوصلة السياسية، عبر:
• الاهتمام بالجانب المعيشي والخدمي
• تحسين العلاقة مع دول الجوار، خصوصاً تركيا دون الارتهان لسياساتها ، لما لها من تأثير مباشر على الاستقرار.
• الانفتاح الجاد على القضية الكردية، بوصفها جزءاً أصيلاً من مستقبل سوريا.
• ضبط الوضع الأمني، دون الانزلاق إلى القمع أو عسكرة الحياة العامة.
• خطاب سياسي واقعي، يُطمئن الداخل ويقنع الخارج.
• تأسيس جيش وطني موحد وفق أسس مهنية ووطنية وحصر السلاح بيد الدولة .
• تشكيل سلطة تشاركية حقيقية، تُمثل السوريين بمختلف أطيافهم، وفقاً لبياني العقبة والرياض وروح القرار 2254.
إن بقاء السلطة الانتقالية دون مشروع وطني جامع، ودون احترام واضح لحقوق المكونات السورية، سيجعلها مجرد سلطة أمر واقع، لا تلبث أن تتهاوى تحت ضغط التناقضات الداخلية أو المتغيرات الإقليمية، كما حدث في تجارب سابقة بالمنطقة. ويكفي أن نُشير هنا إلى التغير الأخير في وضع البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، التي لم تعد معترفاً بها من قبل الولايات المتحدة، ما يعكس حجم العزلة الدولية التي ستواجهها الحكومة الحالية.
إن الطريق إلى سوريا حرة، ديمقراطية، وآمنة، لا يمر عبر تغييب الآخرين، بل عبر مشاركتهم، ولا عبر عسكرة الحكم، بل عبر مدنية الدولة، ولا بالخطاب الأيديولوجي الإقصائي، بل بالحوار والتعددية. فهل يراجع الرئيس الشرع نهجه قبل فوات الأوان؟
قامشلو ٧-٤-٢٠٢٥
تيار مستقبل كردستان سوريا
الهيئة التنفيذية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…

المحامي عبدالرحمن نجار   إن المؤتمر المزمع عقده في ١٨ نيسان في الجزيرة هو مؤتمر الأحزاب التي معظم قياداتها كانت تتهرب من ثوابت حق شعبنا الكوردي وفق القانون الدولي. وكانت برامجها دونية لاترقى إلى مصاف ومرتبة شعبنا الكوردي كشعب أصلي يعيش على أرضه التاريخية، وتحكم حقوقه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتتجلى في حق تقرير المصير!. وحيث أن…

قهرمان مرعان آغا يحصل لغط كثير و تباين واضح ، مقصود أو جهل بإطلاق المصطلحات القانونية والسياسية، فيما يتعلق بالشعب الكوردي و حقوقه القومية و وطنه كوردستان ، تحديداً في كوردستان الغربية/ سوريا . هناك حقيقة جغرافية طبيعية و بشرية و حدود سياسية بأمر واقع في كوردستان ، الوطن المُجزء و المُقسَّم بين الدول الأربع ، تركيا ، ايران ،…