البارزانية تيار جامع… فلماذا هذا التشتت؟

 اكرم حسين 

في العدد 751 تاريخ ١-٥-٢٠٢٥ من صحيفة كوردستان، وتحديداً في زاوية “العدسة” التي يكتبها  الصديق عمر كوجري، أُثيرَ موضوع بالغ الأهمية، يكاد يكون اليوم من أكثر القضايا إلحاحاً في مسيرة المجلس الوطني الكردي، ألا وهو قضية توحيد الأحزاب الكردية المنضوية تحت راية المجلس الوطني الكردي ، خاصة تلك التي تتبنى نهج البارزاني الخالد، والموسومة بـ” البارزانية” كمنظومة فكرية وقيمية ، وهي قضية كنتُ قد أثرتُها في أكثر من مقال ، وناقشتُها تفصيلاً مع قيادات عليا في المجلس الوطني الكردي  ، وفي مقدمتهم رئيسه الحالي وسكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا ، السيد محمد اسماعيل ، إدراكاً مني لحجم التحديات الراهنة والمقبلة ، وخاصة بعد  ٨ كانون الاول ٢٠٢٤ وسقوط الطغمة الأسدية ، وضرورة التحول من التعددية الشكلية إلى الوحدة الجوهرية، ومن التماثل العقيم إلى التمايز البنّاء.

لا شك أننا نعيش اليوم في لحظة مفصلية  من تاريخ سوريا المعاصر ، بحيثُ تتقاطع فيها مسارات التغيير السياسي مع تحولات اجتماعية وهوياتية عميقة. فالكرد، كقومية أصيلة ومكون مؤسس في البلاد، باتوا أمام سؤال الوجود والتمثيل السياسي لا بوصفهم جماعة إثنية تطالب بالحقوق فقط، بل بوصفهم شركاء في إعادة صياغة الدولة السورية وبنائها على أسس دستورية، ديمقراطية ، مدنية، تشاركية  ، وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل تشرذم حزبي موروث،  بات يُشكّل عبئاً على أي مسعى وطني جامع.

إن تعدد الأحزاب في المجلس الوطني الكردي – في صيغته الراهنة – لا يُعبّر عن تعددية فكرية أو سياسية حقيقية، بقدرما يُعبّر عن انشطارات تنظيمية، وشخصنة مفرطة، وخلافات لا تتعدى الأطر الإدارية والحزبية ،  والأسوأ من ذلك أن هذا التعدد، وإن بدا في ظاهره علامة صحية ديمقراطية، فإنه فعلياً يعكس أزمة عميقة في فهم العمل السياسي وفي تحديد وظيفته ومقاصده. فالسياسة ليست مجرد بناء تنظيمي ، بل مشروع يتجاوز الذات الحزبية نحو المصلحة العامة، ويبحث عن آليات للتأثير في الواقع وتحديد مساراته  ، لا اعادة إنتاج أزماته.

وبالتالي فإن معظم أحزاب المجلس  تشترك في انتمائها المرجعي إلى نهج البارزاني، وهو ما يُعرف اصطلاحاً بالبارزانية، التي لا تُختزل في الولاء العاطفي أو الرمزي، بل كمنظومة فكرية مؤسسة على ثلاثية: الهوية القومية، الديمقراطية، الشراكة الوطنية. إلا أن هذا الانتماء في سوريا ، ظلّ غالباً خارج التوظيف السياسي العقلاني، وتحوّل إلى مظلة فضفاضة تُبرّرُ الوجود الحزبي المتكرر والمتماثل ، وهنا تبرز المفارقة ، كيف لأحزاب تتبنى نفس النهج، وتُردد ذات الخطاب، أن تبرّر استمرار تفرّقها وتعدّد أطرها التنظيمية ؟

الجواب ببساطة: غياب المسؤولية ، وفقدان إرادة الوحدة، وانحباس العقل السياسي الكردي في حدود الزعامة الجزئية، بدل الانخراط في إنتاج زعامة جماعية تعيد صياغة الفعل الكردي على أسس التشاركية، والكفاءة، والتمثيل الواسع.

حاجتنا اليوم إلى حزب سياسي كردي جامع لم تعد قضية تنظيمية أو انتخابية فقط ، بل حضور سياسي وتمثيل قومي . فحين يصدر قانون جديد لتنظيم الحياة السياسية في سوريا – وهو أمر حتمي في أي عملية انتقالية – ستُفرض معايير صارمة تتعلق بالتمثيل، والهيكلية، والبرنامج، والامتداد الشعبي ، ومعظم الأحزاب القائمة حالياً لا تفي بهذه الشروط، بل تُعيد إنتاج ذاتها ضمن حلقات ضيقة ، ومحدودة التأثير. لذا فإن تأسيس حزب كردي جامع ، يحمل اسماً معبراً وربما هويّة جامعة، بات ضرورة اكثر من اي وقت آخر .

واني أرى بعجالة على أن هذا الحزب يجب أن يُبنى على جملة من المبادئ:

  1. الوحدة الفكرية والتنظيمية، لا بمعنى الانصهار القسري، بل عبر دمج الطاقات في إطار مؤسسي ديمقراطي لا مركزي .
  2. التمثيل الحقيقي لأبناء الشعب الكردي من مختلف المناطق والتيارات، بما يعكس التنوع المجتمعي والثقافي داخل الجسم الكردي.
  3. البرنامج السياسي الوطني الذي يربط القضية الكردية بسياق التغيير السوري، ويؤمن بسوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية.
  4. الشراكة الوطنية مع القوى السورية الأخرى، وتقديم مشروع متكامل للحقوق والحريات، وفق مبادئ العدالة والتمثيل.

ولعل المجلس الوطني الكردي، كإطار تحالفي، قد أدى دوراً مهماً طيلة الفترة المنصرمة  من فترات  الحراك الكردي، إلا أن استمرار بقائه بصيغته الحالية قد يتحول إلى عبء إن لم يُحْدث تحولاً جوهرياً في بنيته ووظيفته ، والتحول المنشود  اليوم يتمثّل في انتقال المجلس من مظلة لمجموعة من الاحزاب والمنظمات ، إلى بنية تمثيلية واسعة، بحيث  يُشكّل الحزب المنشود  عمودها الفقري، بينما تبقى الأطر الأخرى داعمة ، أو منخرطة في المجتمع المدني، أو في النشاط الثقافي والنقابي.

لاشك أن  الشعب الكردي في سوريا يتطلع إلى تمثيل سياسي حقيقي، يُعبّر عن معاناته وتطلعاته، ويترجم نضاله التاريخي إلى حضور فعّال في مستقبل البلاد ، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال وحدة حقيقية بين القوى الكردية ، وبناء حزب سياسي  يُعبّر عن التيار العريض للبارزانية، ويُحسن إدارة التعدد في اطار الوحدة، ويُقدّم نموذجاً مختلفاً في الأداء، والوعي، والمسؤولية.

انَّهُ خيار عقلاني، وضرورة حتمية ، وشكلٌ من أشكال الوفاء لنهج البارزاني الخالد، ولتضحيات أبناء شعبنا الكردي السوري عبر مسيرته النضالية .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…