أنسنة القضية الكردية!

فرحان مرعي

هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟

بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز.

جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع الساعة والساسة والإعلام والساحات والأعلام المزركشة، والتوحد بالألوان  والطبيعة والزي الكردي الجميل، لذلك من الطبيعي أن يتساءل الكردي : هل اقترب الكرد من استحقاق الدولة التي فقدوها قبل مائة عام؟ هذا الاستحقاق الذي تم وأده تحت رائحة النفط،؟ وهل يُصدق الساسة ذاك الإطراء والمديح بشجاعة الكرد في هزيمة الإرهاب وداعش؟ أم أن القضية الكردية أصبحت سلعة عسكرية وثقافية والكرد من بقايا الشعوب القديمة في منطقة ميزوبوتاميا ومادة  تاريخية تراثية فلوكلورية، تستهوي الهواة والسواح وشركات صناعة الألبسة الكردية التقليدية، كما لو أنهم اكتشفوا شعباً بدائياً من جديد مثل شعوب المايا والهنود الحمر، وبعض القبائل المنسية في الغابات الاستوائية، أو أن تتحول المسألة الكردية من قضية سياسية، قضية شعب مظلوم إلى ترف سياسي، يتناوله العالم والدول دون البحث الحقيقي عن حل سياسي لهذا الشعب المظلوم الذي يتجاوز سكانه السبعين مليون نسمة على أرضه وفي الشتات، لأننا نرى العشرات من الأجانب والأوربيين من الشباب والفتيات قدموا من بلادهم في الآونة الأخيرة عندما سمعوا أن (ثورة) اندلعت في شمال شرق سوريا، وكانتونات تشكلت على غرار كانتونات سويسرا لأن هناك من أطلق على شمال شرق سوريا سويسرا الشرق؟  كما أطلق عليها (روچ آفا)، غروب الشمس، تسمية تأخذ بالألباب، تقودها فتيات وشباب يحملون السلاح ويدحرون قوى الظلام والإرهاب، الصورة التي استهوتهم من بعيد، ليروا بأم أعينهم على الواقع هذه الظاهرة الفريدة، – كما تخيلوا –  لينقلوا لشعوبهم هذا المشهد السريالي، ويسجلوا مذكراتٍ وأبحاثاً ودراساتٍ ، لشعب عريق منذ القدم، لهم لغة متميزة، وثقافة وفن وطبيعة جبلية خلابة وصلابة، وعيد نوروز،  وآذار، ونار يرمز إلى الانتصار، (مناظر إشعال النيران في جبل آكري في كوردستان، استهوت السواح) .

شعب يطلق عليهم الكرد!، لعبت الايديولوجيا والأحزاب اليسارية الكردية الجديدة – حزب العمال الكردستاني التركي- نموذجاً، في خلق صورة نمطية جديدة لكردي يخرج من المألوف إلى عالم الصورة والتشويق والخيال والتضليل، وتخرج القضية الكردية من قضية سياسية قومية، إلى خيال سياسي وقضية أممية عالمية هلامية، عبر مصطلحات ومفاهيم لا تمت إلى السياسية الواقعية بصلة بل فانتازيا سياسية وفلكلور شعبي.

  على سبيل المثال، عندما حوّل حزب العمال الكردستاني التركي القضية السياسية الكردية من مفهوم الشعب والأرض، إلى مجرد شعارات خيالية فضفاضة مثل مصطلحات: الشعوب الديمقراطية، إخوة الشعوب، الأمة الديمقراطية، فيدرالية الشرق الأوسط ، روج آفا(كوردستان الغربية الملحق بسوريا) الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، الإسلام الديمقراطي، الإدارة الايكولوجية، إقامة قرى خاصة بالنساء، هذه المفاهيم والمصطلحات وأفكار تقديس القائد، ساهمت بهذا الشكل أو ذاك في تمييع القضية الكردية من قيمها السياسية المعروفة إلى شعارات براقة، ومصطلحات خيالية وشعارات التضحية من أجل العالم، (نحن قاتلنا نيابة عن العالم ضد قوى داعش والإرهاب) وإلى فنون الرقص والغناء والصورة!

مسألة العرق أو القومية لم يتجاوزها التاريخ، فالدول القومية الغاصبة لكوردستان تحاول بشتى الوسائل  تمييع القضية الكردية وصهر الكرد في بوتقة شعوبهم، في إطار شعاراتهم الأممية، أو التصريح: ليس بالضرورة أن يكون لكل قومية دولة، أو أننا إخوة يجمعنا الدين والمصير المشترك ووحدة الجغرافيا والتاريخ، ولكنهم في الوقت ذاته وإن تطلّب الأمر، يقتلون الكرد باسم الدين والقومية؟!

===========

صحيفة ( كوردستان ) / العدد 751

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…