روسيا العاهرة في مواجهة الشعب السوري

د.

آلان كيكاني

حين تزور المدن الكبيرة ذات النكهة العالمية­­ مثل اسطنبول ودبي ولندن ترى كل شعوب العالم هناك , وكل شعب يعبر عن ثقافته وبيئته مهما حاول التصنع والتماهي في ثقافة البلد الضيف , وترى فيها آثار الدول أيضاً , من خلال منتجاتها التي تعبر عن مدى التقدم العلمي والتقني فيها , وهكذا , ترى اليابان من خلال تويوتا وميتسوبيشي وتوشيبا وسوني , وترى ألمانيا من خلال مرسيدس , وتشم العطور الفرنسية , وترى الحذاء والقميص الإيطاليين …… وترى روسيا أيضاً , ولكن ليس من خلال تكنولوجيتها , أو مطبخ يميزها , وإنما تراها وأنت تدخل أبواب الفنادق حين ينال منك التعب وتنشد الراحة , ترى حسناواتها ينتظرن الزبائن عند مداخل الفنادق والأماكن المشبوهة بالدعارة وتجارة الجنس.
كُتِبَ على بعض الشعوب المقهورة أن تسترشد حكوماتها بالمعسكر الشرقي أيام الحرب الباردة , ومن هذه الشعوب الشعب السوري الذي بحث رئيسها عن دكتاتورية يقتدي بها فلم يجد خيراً من دكتاتورية السوفييت والصين وكوبا فاعتنقها حتى النخاع ونهل من فكرها حتى الثمالة وجلب كلاشينكوفاتها ودباباتها وطائراتها التي أثبتت أنها لا تصلح إلا للقمع الداخلي ولا تفلح إلا في مواجهة العزل من المتظاهرين .
حين دخلتُ مكتب الهجرة والجوازات في أحد الموانئ الروسية سائحاً لأول مرة في هذا البلد منذ بضعة أشهر , أحسست نفسي في مكتب الهجرة في مطار دمشق الدولي : أفواه مفتوحة تبحث عن لقمة , جلبة هنا وصياح هناك , صراخ الشرطة على الضيوف …..

ولا أحد يتفوه بكلمة من غير لغتهم ,  وحين أمسيت في شوارع هذا البلد أدركت حجم الحيطة والحذر الواجب اتخاذهما لانتشار اللصوص والنشالين في كل ركن وزاوية .

وحين دنوت من المجتمع أكثر رأيت مدى التفكك الاجتماعي والانحلال الخلقي المستشري في هذا البلد المغرور به … أينما ومتى ما نزلت إلى الشارع ترى الخمر في الأيادي , والسكائر بين الأصابع , ومن لا يقتدر على شراء السيكارة يتسولها ببساطة , وفي ساعات الصباح الباكر ترى البعض قد نالت منه الخمرة فافترش الرصيف وراح في سبات ولا أحد يمد يده لمساعدته وإذا مُدت يدٌ باتجاه هذا المغلوب على أمره فإلى  جيوبه لا إلى أطرافه لحمله إلى جهة تساعده …..

سر بضع دقائق ستصادف قتالاً في الشارع , حتى في الطائرة من سانبيترسبورغ إلى اسطنبول تقاتل الروس وتراكل فريقان منهم لسبب تافه : وهو أن أحدهم قلب كرسيه إلى الخلف لينام فأزعج ذلك الراكب الذي خلفه والذي بدوره زعق وشتم ورفس دون مقدمة , لم يطلب بلباقة من الراكب أمامه أن يعدل كرسيه وإنما بدأ بالصراخ والسباب , وسرعان ما تدخل آخرون لصالح كل فريق وبدأ التراكل على ارتفاع 40 ألف قدم .

بعد تدخل رجال الأمن وانتهاء المعركة قلت لنفسي : لو كان هؤلاء عرباً لامتلأت الصحف بخبرهم ولاكت الدنيا بهمجيتهم ! لعمري لم يترك هؤلاء شيئاً للعرب .
حوادث وحوادث في روسيا , الدولة الأكبر في العالم والأغنى بالثروات , تضع المرء في حيرة من أمره وتطرح عليه تساؤلات : ترى لماذا لا تأخذ الدولة بيد هذا المواطن إلى بر الرفاهية والأمان ؟ لماذا لا تشذب ثقافة البلد قليلا لتلتحق بركب العالم الغربي الذي يسبقها بآلاف الأميال بدل من أن تعيق حركة الشعوب الثائرة ضد الدكتاتورية وتعرقل مسيرة شباب حالم بحياة حرة كريمة ؟ لماذا لا تحسن هذه الدولة من أوضاع مواطنيها الفقراء المعدمين كيلا ينتشروا في الأرض يبتغون تجارة ذليلة عوضاً عن دفاعها المستميت عن الدكتاتوريات ؟ لماذا لا تحارب الفساد المستشري في أوصالها وعلى أعلى المستويات بينما تتدخل سلباً في شؤون دول فقيرة أخرى يسعى أبناؤها إلى العيش بشرف بكرامة ؟
هذه هي روسيا , قبلتنا السياسية وقدوتنا منذ أمد , فماذا يرتجى منها ؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…