إبراهيم محمود
ثمة وهم كبير يتلبس الكثير من كردنا الذين لا يكفوُّن، في مناسبة ودون مناسبة، عن محاولة توضيح العلاقة بين كل من السياسي والمثقف باعتبارهما ينهلان من النبع ذاته لتكون الريادية على أسبقية الوصول والنهل، وهو وهم سياسيّنا المتحزب قبل أي كان وصناعته التعبوية، عندما يمدُّ في ظل إيديولوجيته ليجعل المثقف متحركاً في دائرة نفوذه الاجتماعية، وكونه يتعامل مع جماعة، أو يتنشط في وسط اجتماعي، كما هو وضع المتحزب الكردي الذي يتحدث عن المثقف حديث المسئول عمن يجري، وما في ذلك من تفويض معطى لذاته وتشديد عليه.
يبرز السياسي في مقام الصوت الذي غالباً ما يتكرر على وتيرة واحدة، انطلاقاً من مفهوم جماهيري ليصبح مألوفاً.
فالنمطية عبر التكرار لعبارات وذات الصياغات هي التي تعرّف به، بينما تنوع الإيقاع في الصوت هو الذي يميز المثقف أو الكاتب المبدع، وإلا لتوقف معنوياً، ولفقد القدرة على الاتصال بقرائه، وبالتالي فإنه من التعسف بمكان أن يجد السياسي في المثقف منازلاً له أو محارباً إياه، إلا إذا اعتبر نفسه” أي السياسي- والحزبي خصوصاً” نداً ومن موقع الغيرة والحسد يقتفي أثره ولا يدخر جهداً في النيل منه في الوسط المشترك، بينما الأجدى له هو أن يزداد تعرفاً إليه، لاختلاف مقام المثقف باعتباره متعدد المسالك خلاف السياسي أو الحزبي..
يعمل السياسي الكردي باعتباره متحزباً متحركاً على الخط الذي يصله بالعشائري وقد تمَديَن، كما هو الشكل الذي يعاين فيه مظهره.
العشيرة تصل الكل بالواحد، والواحد حامل الكل، في منطق السياسي الكردي، إجمالاً، تتعشش هذه الصورة العشائرية، بقدر ما يتم رصد المثقف وهو يتحرك هنا وهناك كما هو سعيه في التفكير والتنويع في الأفكار، وكأن انتقالات المثقف هذه تمثّل سلسلة هجومات معاكسة على السياسي بصفته سالفة الذكر.
ما يجري على أرض الواقع هو هذا العمى السياسي أو التعسف في الفصل بين معنى وآخر، وهي أيضاً خطيئة نظام تفكير أحادي الجانب وضحل إلى حد مريع، عندما ينبري السياسي محتداً وبنوع من المقاومة الكلية في وجه كل من يوجّه إليه نقداًً.
واقعاً، إنه – وهو في مرمى نقد المثقف- لا يكون هدفه، إنما جزء من اهتماماته التي تتنوع، لأن الأفكار تكون هي الذخيرة الحية للمثقف وهي في منتهى التحول على ضوء المستجدات، إنه السعي نحو واقع مختلف دائماً واعتبار الواقع القائم يضيق عليه الخناق، وربما كان تفكيره في السياسي قائماً في اللحظة التي يراه حجر عثرة أمام تحولات الواقع، كما لو أنه سلطة تستميت في الدفاع عن مصالحها الذاتية رغم بؤسها، بينما السياسي المذكور” الكردي في المجمل” فهو يتعامل مع أشخاص أحياء ويلزمهم بالسير خلفه، فهو المتكلم باسمهم ومرجعهم.
ولذلك يسهل تفسير العنف الذي يميّز هذا الحزب الكردي أو ذاك، إزاء تصرف مثقف له نظام عمل تفكير وتدبير مغاير، وكأني به يمثل تهديداً للسياسي فيما يستهدفه خارجه.
ولنتلمس في لائحة الذين يعبّرون عما هو حزبي ومن موقع الدفاع عنه أو عن رمزه المطلق أو شبهه نوعاً من المافيا الإيديولوجية، باعتبار الحزب أو من يمثّله فوق النقد، بينما تظهر قائمة الوقائع المتعلقة بأحزابنا الكردية مدى الوهم غير المعترف به في انزلاقاتها، وأنها ليست خارج التاريخ، كما هي ولادتها التعسفية من منشأ واحد منذ 1957، وما في ذلك من تعتيم على حقيقة تصارعاتها، هذه التي تحدد لكل معني بحزب معين حلبة تصارع خاصة به.
هذا يفضي- بالنسبة للعلاقة القائمة بين السياسي والمثقف الكرديين- إلى التأكيد على ما هو خفي ويعيشه السياسي الكردي وهو مأهول بغواية الحزب وعصامية ممثله الأعلى، وهو شعور السياسي بخطورة المثقف فيما يقوله أو يكون أساساً لسلوكه اليومي، من جهة الحرية التي يتمتع بها وتلك التي تسم أفكاره أو تصوراته.
إنه في لاشعوره يريد أن يكون في مقامه، ولكن إرادة الرغبة غير إرادة الواقع، كون معايشة المثقف تتطلب التحرر من وطأة قيود كثيرة تلعب أكثر من دور سلبي في العبث بمصير شعب كامل، وحتى بالنسبة لشخص السياسي الذي يتوجه إلى الخارج بما هو شعاراتي أكثر مما يعاين داخله.
إنه يعيش خيانة مستمرة لذاته وهي مركَّبة، ويتماهى مع تصورات حزبية لا تستجيب لتحديات الواقع، ليكون الالتفاف على الحقيقة وتجميل المزيف فيما يجري وحتى تجاهل ما هو مؤثر في مجريات الحياة اليومية علامة فارقة لسلوكه.
إن كل الرطانة الإيديولوجية ومشاهد التنظيرات وما يسمى بـظاهرة” الندوات المفتوحة” والصور الملتقطة وتثمينها ليست أكثر من حمَّى تسابق مرَضية بين المعتبرين أنفسهم قادة أحزاب، زعماءها، أمناءها العامين، دون السؤال عن البعد العملي لما يجري، وهي تعبير آخر عن مدى انغلاق السياسي على نفسه، واعتماده على فقر معلوماته وضحالتها، خصوصاً ونحن في ظل المعلوماتية المتفجرة، وما يسمى بـ” جماهير حزبه” الهزيلة”..
لكل ما تقدم يظل المثقف رغم كل أشكال العنت والتحريض ضده” ومن ذات السياسي وأعوانه” أكثر إخلاصاً لموقعه أو منبته وأكثر تجاوباً مع تحديات وقائعه، وجماهير أفكاره التي يعيش وإياها في الهواء الطلق.
وإن أردنا الدقة أكثر، فإن الفصل بينهما محاولة لضربهما ببعضهما بعضاً، لأن الحالة الصحية تقتضي وجود كل منهما في مجتمع يعمل بقوة الأفكار، بقدر ما يعمل بقوة السواعد والأذهان المتفتحة، وهي الحالة التي تنتظر من يبحث في بنيتها ويقرّب بين الطرفين في مصير يسمّيهما معاً رغم مجال العمل المغاير لكل منهما، كون الاثنين ينتميان إلى المجتمع نفسه، وهو الذي يتطلب من السياسي مرونة أكثر وتفهماً أكثر لطبيعة عمله وعمل الآخر الذي يحتاج إليه، بقدر ما يخلق حافزاً لدى المثقف على أن ثمة من يجسّد بعضاً- على الأقل- مما يفكّر فيه!
فالنمطية عبر التكرار لعبارات وذات الصياغات هي التي تعرّف به، بينما تنوع الإيقاع في الصوت هو الذي يميز المثقف أو الكاتب المبدع، وإلا لتوقف معنوياً، ولفقد القدرة على الاتصال بقرائه، وبالتالي فإنه من التعسف بمكان أن يجد السياسي في المثقف منازلاً له أو محارباً إياه، إلا إذا اعتبر نفسه” أي السياسي- والحزبي خصوصاً” نداً ومن موقع الغيرة والحسد يقتفي أثره ولا يدخر جهداً في النيل منه في الوسط المشترك، بينما الأجدى له هو أن يزداد تعرفاً إليه، لاختلاف مقام المثقف باعتباره متعدد المسالك خلاف السياسي أو الحزبي..
يعمل السياسي الكردي باعتباره متحزباً متحركاً على الخط الذي يصله بالعشائري وقد تمَديَن، كما هو الشكل الذي يعاين فيه مظهره.
العشيرة تصل الكل بالواحد، والواحد حامل الكل، في منطق السياسي الكردي، إجمالاً، تتعشش هذه الصورة العشائرية، بقدر ما يتم رصد المثقف وهو يتحرك هنا وهناك كما هو سعيه في التفكير والتنويع في الأفكار، وكأن انتقالات المثقف هذه تمثّل سلسلة هجومات معاكسة على السياسي بصفته سالفة الذكر.
ما يجري على أرض الواقع هو هذا العمى السياسي أو التعسف في الفصل بين معنى وآخر، وهي أيضاً خطيئة نظام تفكير أحادي الجانب وضحل إلى حد مريع، عندما ينبري السياسي محتداً وبنوع من المقاومة الكلية في وجه كل من يوجّه إليه نقداًً.
واقعاً، إنه – وهو في مرمى نقد المثقف- لا يكون هدفه، إنما جزء من اهتماماته التي تتنوع، لأن الأفكار تكون هي الذخيرة الحية للمثقف وهي في منتهى التحول على ضوء المستجدات، إنه السعي نحو واقع مختلف دائماً واعتبار الواقع القائم يضيق عليه الخناق، وربما كان تفكيره في السياسي قائماً في اللحظة التي يراه حجر عثرة أمام تحولات الواقع، كما لو أنه سلطة تستميت في الدفاع عن مصالحها الذاتية رغم بؤسها، بينما السياسي المذكور” الكردي في المجمل” فهو يتعامل مع أشخاص أحياء ويلزمهم بالسير خلفه، فهو المتكلم باسمهم ومرجعهم.
ولذلك يسهل تفسير العنف الذي يميّز هذا الحزب الكردي أو ذاك، إزاء تصرف مثقف له نظام عمل تفكير وتدبير مغاير، وكأني به يمثل تهديداً للسياسي فيما يستهدفه خارجه.
ولنتلمس في لائحة الذين يعبّرون عما هو حزبي ومن موقع الدفاع عنه أو عن رمزه المطلق أو شبهه نوعاً من المافيا الإيديولوجية، باعتبار الحزب أو من يمثّله فوق النقد، بينما تظهر قائمة الوقائع المتعلقة بأحزابنا الكردية مدى الوهم غير المعترف به في انزلاقاتها، وأنها ليست خارج التاريخ، كما هي ولادتها التعسفية من منشأ واحد منذ 1957، وما في ذلك من تعتيم على حقيقة تصارعاتها، هذه التي تحدد لكل معني بحزب معين حلبة تصارع خاصة به.
هذا يفضي- بالنسبة للعلاقة القائمة بين السياسي والمثقف الكرديين- إلى التأكيد على ما هو خفي ويعيشه السياسي الكردي وهو مأهول بغواية الحزب وعصامية ممثله الأعلى، وهو شعور السياسي بخطورة المثقف فيما يقوله أو يكون أساساً لسلوكه اليومي، من جهة الحرية التي يتمتع بها وتلك التي تسم أفكاره أو تصوراته.
إنه في لاشعوره يريد أن يكون في مقامه، ولكن إرادة الرغبة غير إرادة الواقع، كون معايشة المثقف تتطلب التحرر من وطأة قيود كثيرة تلعب أكثر من دور سلبي في العبث بمصير شعب كامل، وحتى بالنسبة لشخص السياسي الذي يتوجه إلى الخارج بما هو شعاراتي أكثر مما يعاين داخله.
إنه يعيش خيانة مستمرة لذاته وهي مركَّبة، ويتماهى مع تصورات حزبية لا تستجيب لتحديات الواقع، ليكون الالتفاف على الحقيقة وتجميل المزيف فيما يجري وحتى تجاهل ما هو مؤثر في مجريات الحياة اليومية علامة فارقة لسلوكه.
إن كل الرطانة الإيديولوجية ومشاهد التنظيرات وما يسمى بـظاهرة” الندوات المفتوحة” والصور الملتقطة وتثمينها ليست أكثر من حمَّى تسابق مرَضية بين المعتبرين أنفسهم قادة أحزاب، زعماءها، أمناءها العامين، دون السؤال عن البعد العملي لما يجري، وهي تعبير آخر عن مدى انغلاق السياسي على نفسه، واعتماده على فقر معلوماته وضحالتها، خصوصاً ونحن في ظل المعلوماتية المتفجرة، وما يسمى بـ” جماهير حزبه” الهزيلة”..
لكل ما تقدم يظل المثقف رغم كل أشكال العنت والتحريض ضده” ومن ذات السياسي وأعوانه” أكثر إخلاصاً لموقعه أو منبته وأكثر تجاوباً مع تحديات وقائعه، وجماهير أفكاره التي يعيش وإياها في الهواء الطلق.
وإن أردنا الدقة أكثر، فإن الفصل بينهما محاولة لضربهما ببعضهما بعضاً، لأن الحالة الصحية تقتضي وجود كل منهما في مجتمع يعمل بقوة الأفكار، بقدر ما يعمل بقوة السواعد والأذهان المتفتحة، وهي الحالة التي تنتظر من يبحث في بنيتها ويقرّب بين الطرفين في مصير يسمّيهما معاً رغم مجال العمل المغاير لكل منهما، كون الاثنين ينتميان إلى المجتمع نفسه، وهو الذي يتطلب من السياسي مرونة أكثر وتفهماً أكثر لطبيعة عمله وعمل الآخر الذي يحتاج إليه، بقدر ما يخلق حافزاً لدى المثقف على أن ثمة من يجسّد بعضاً- على الأقل- مما يفكّر فيه!