لماذا الخوف من المطالبة بالفدرالية؟

علي بوبلاني

هناك مسألة مهمة جدا، غائبة عن أذهان جماهيرنا، وهي اعتقادها أن ما يجري في سوريا هو أمر متعلق بعربها وحدهم.

وعلى ضوئه يتوجهون إلى المعارضة السورية بنفس التوجه الذي يتوجهون به إلى سلطة البعث دون أي تميّز فيما بينهما.

غير مبالين أن النظام عندما أراد حل مطالب الشعب بالقتل، ابتعد بنفسه عن الوطنية واتخذ موقف العداء للوطن المتمثل بالشعب الثائر.

وفقد الشرعية، سينتهي الوضع الحالي، عاجلا أم آجلا، بتغلب طرف على آخر.

في حال وصول الثورة إلى بر الأمان فلا بد أن تغير القوانين والمواثيق المعتمدة لدى النظام القائم تغييرا كبيرا، شاملا مجالا واسعا من مجالات الدولة القائمة، ربما يكون ذلك على حساب الأرض أيضا، وتحقيقه مرهون بمطالب القوى المتصارعة مع النظام من جهة ومن جهة أخرى بمدى المتفق عليه فيما ينهم.
 فالشعب الذي كان مستكينا لما فرضه النظام السابق بما يوافق مصلحته من نظم ودساتير وقوانين وبما ارتضت به المجتمعات الدولية.

لا بد أن ينالها التغيير من قبل الثوار.

 وعلينا أن لا ننسى أنه لا يمكن إحلال نظام محل هذا النظام ليزعزع استقرار الأمن والسلم العالمي والإقليمي في عموميته، ودول الجوار بشكل خاص.

والجدير ذكره هنا أنه عندما يقوم انقلاب في دولة ما ينتظر الانقلابيون اعتراف دول العالم بهم، هذا يعني فيما لو لم تعترف تلك الدول بشرعيتهم، يكون من حقها مساندة من يناوئهم.

بتطابق هذا مع واقعنا الحالي، حيث لم تعد القضية الكردية مقتصرة على العنصر العربي السوري وحده، بل تستوجب اعتبار رؤية المجتمع الدولي فيها أيضا، فيما إذا رغب الشعب الكردي في ذلك.

والحالة هذه، المطالبة بالفدرالية ممكنة، وليس مستبعدا تقبلها من قبل المجتمع الدولي والحظي بمساندتها لتصبح حقيقة وواقعا.

غير أن هذا الشعب لا يزال ينظر إلى قضيته ضمن وجهة نظر العنصر العربي وليس خارجه.

لو يضطلع هو على الأمور بحيثياتها ويقترنها مع الوضع القائم، ليدرك تماما أنه من حقه المطالبة حتى بالانفصال.

فالظرف الدولي لصالح مطلب من هذا النوع.

أميركا تهمها أمن إسرائيل ومصالحها الإستراتيجية والاقتصادية.

وتركيا تحكمها جماعة إسلامية عالمية غير محبذة من قبل الغرب عموما، وعداوة الغرب لإيران واضحة، ومن جهة أخرى تتحرك الجالية الكردية في الخارج بشكل يؤدي إلى خلق انطباع لدى الغرب بأحقية الكرد في الفدرالية.

إذاً فالظرف مهيأ لقبولها.

وأكدتها الإدارة الأميركية أثناء لقاء المجلس الوطني الكردستاني معها.

مما يحزن النفس أن ينطلق الكردي السوري من مفهوم سيطرة البعث على السلطة وهيمنته المطلقة وتمثيله مصالحَ الدول ذات الشأن في المنطقة.

في الوقت الذي يكاد البعث أن يُقتلع من جذوره، مع اقتناع الغرب بالكرد كضمانة للأمن والاستقرار ليست في سوريا فحسب، بل في المنطقة عموما، فالمؤسف والمبكي في آن واحد هو: قفزُ الإنسان الكردي السوري فوق هذه السانحة، وإهمالها بهذه السهولة في الوقت الراهن.

وبتصرفه هذا يمني القضية الكردية هناك خسارة لا تعوض.

والغالبية منهم الآن في طريقهم إلى إضاعتها مكررين نفس الخطأ الذي ارتكبته القيادة الكردية في شمال العراق أثناء غزو صدام للكويت.

وقتها أضاعت القيادة الكردية الفرصة ولم تستفد من الغزو.

فتأخرت الفدرالية الكردية هناك أكثر من عقد من الزمن.

أثناءها أراد الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، الاعتماد على الكرد في العراق لمواجهة إيران، بينما عقدت القيادة الكردية في تلك الأثناء اجتماعين في لبنان وفي دمشق تحت راية البعث السوري وعمامة الملالي الإيرانيين معلنين: أنهم عراقيون قبل أن يكونوا أكرادا، وأظهروا استعدادهم لمواجهة الإمبريالية في المنطقة بجانب النظام العراقي.

في الوقت الذي كانت المنظومة الاشتراكية في احتضارها الأخير.

فاضطر وقتها بوش الأب الاحتفاظ بصدام.

واليوم نكرر نفس الخطأ في الحالة السورية.

من جانب لا توجد مواجهة حازمة من قبلنا ضد النظام، ولا مطالب جديرة مقدمة للمعارضة العربية السورية تريح الكرد من مواصلة النضال فيما بعد.

في حال مجيء هذه المعارضة إلى السلطة.

تشير الوقائع أن المعارضة العربية السورية الحالية لا تحظى بتأييد من الغرب.

لذا لا نجد جدية المجتمع الدولي في مساندتها، مما يعطي مجالا رحبا للنظام في إراقة المزيد من دماء الثوار المسالمين.

وعليه سيطول انتظارنا إلى أن تعي المعارضة بما يجب تقديمه في برامجها المدرجة لما بعد سقوط النظام ومنها القضية الكردية.

بالرغم من لقاء بعض المعارضين السوريين مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دون المعارضة الكردية، كان سؤالها عن قضية القوميات في سوريا.

وهذا مشير كبير إلى اهتمام الغرب بالقضية الكردية، بمعزل عن تخلف المطالب الكردية على المستوى الدولي.

ماذا سيخسر الحراك الكردي إذا طالب بالفدرالية؟ هل يعني أن المعارضة السورية ستقتلع ما تبقى من الكرد اقتلاعا جذريا من أراضيهم المتبقية؟ إن كان الأمر كذلك فالمعارضة والنظام صنوان.

لِمَ الخوف ممن يريدون اقتلاعنا! طالما في نية الطرفين ذلك علينا أن نطالب بالفدرالية والتي هي من حقنا.

لأكتفي بهذا القدر؛ حتى لا أكثّر على القارئ الكريم من السطور.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…