وأن هذه المكانة تعززت منذ بروز الصراع العربي ـ الإسرائيلي وقضية فلسطين لدى المجتمع الدولي في الخمسينيات من القرن الماضي، كما لعبت سوريا دوراً مهماً في تبنيها لسياسة التوازن الإستراتيجي بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات من ذلك القرن بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد بعد معاهدة فك الإرتباط بين سوريا وإسرائيل لعام 1974 على خلفية حرب تشرين عام 1973حيث صرح وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك (لايمكن أن نرى حرباً آخر بدون مصر، ولايمكن تحقيق سلام في الشرق الأوسط بدون سوريا) هنري كسينجر 1974.
مستفيداً من الصراع الداخلي والحرب الأهلية في لبنان عام 1975وتدخله على رأس قوة عربية سميت (قوات الردع العربية) حينذاك واستفرد بلبنان بقرار من الجامعة العربية عام 1978 بعد أن وقعت مصر إتفاقية (كامب ديفيد) مع إسرائيل.
بعد أن رأت سوريا وحدها في مواجهة إسرائيل ، اتبعت سياسة الإحتواء للمنظمات الفلسطينية والإستفادة من وضعهم الممزق في صراعها مع حركة فتح (ياسر عرفات) على شرعية التمثيل الفلسطيني وقراره المستقل.
حيث دعمت كل من الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الى جانب استعمال قوات الصاعقة الفلسطينية في مهمات خاصة داخل الصف الفلسطيني والعمل على تشتيت جبهة المعارضة للسياسة السورية، وفي مقدمتها حركة فتح.
بذلك تم تنشئة العديد من المنظمات الفلسطينية على يد النظام السوري لتمكنه من امتلاك أو بالأحرى السيطرة على القرار الفلسطيني في الحرب وفي السلم.
وفي الداخل اللبناني عملت سوريا على امتلاك اوراق القوى الإسلامية من جهة وتبنيها لدعم حركة الأمل الشيعية من جهة أخرى إلى أن شكلت حزب الله بدعم إيراني ومباركة سورية ليكون فيما بعد اقوى فصيل مسلح في لبنان ، وورقة مهمة في دوائر السياسات الإقليمية والدولية.
لقد استغل حافظ الأسد الساحة اللبنانية احسن استغلال في إدارته للأزمة المستمرة في الشرق الأوسط ، واستملاكه لقرار السلم والحرب .
حيث التوتر الدائم في الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان والهدوء التام على جبهة جولان بين سوريا وإسرائيل.
إذن ،سوريا تحارب إسرائيل عن طريق أحلافها في لبنان ، وكذلك في فلسطين عن طريق حركة حماس والجهاد بالإضافة إلى جبهتي الديمقراطية والشعبية ومجموعات أخرى حين الطلب.
أما إقليمياً ، فتحالفها الإستراتيجي مع إيران أعطت زخماً إضافياً لموقع سوريا في سنوات حرب الإيرانية ـ العراقية في ثمانينيات من القرن الماضي، وإشتراكها في قوات تحرير الكويت عام 1990كما كانت مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام لها وقع لامثيل لها في استملاكها كل أوراق الحرب والسلام وتهميش دور كل الأنظمة العربية، وكان آخر محاولة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مع الرئيس حافظ الأسد للتوقيع على معاهدة السلام في جنيف عام 2000 قبل وفاته بأشهر، إلا أنهما لم يتوصلا إلى إتفاق ليسلم تلك المهمة الصعبة إلى إبنه الشاب في الشهر السادس من العام نفسه.
ترك حافظ الأسد إلى إبنه ملفات مصيرية عديدة: تركيا ومستقبل سوريا على ضوء تطورات الحركة الكردية في كلا الدولتين.
العراق في ظل التهديدات الدولية بقيادة صدام حسين الخصم القوي لحافظ الأسد.
إيران وعلاقاتها المشوبة بالتوتر والحظرمع جيرانها الخليجيين وكذلك مع المجتمع الدولي ، في الوقت الذي تقيم أحسن العلاقات مع سوريا من دون أن تترك آثاراً سلبية على العلاقات السورية الإقليمية والدولية.
لبنان وأهميتها الإستراتيجية بنسبة لسوريا والتي تشكل الخاصرة اليمنى لسوريا وموقعها الجيوبولوتيكي ممنوع التهاون او التهادن مع من يريد إخراجهامن دائرة السيطرة السورية على قراراتها ذات الشأن الإقليمي.
ويمنع على اللبنانيين منعاً باتأً توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل بشكل منفرد، وإلى ماهنالك من ممنوعات امنية في الجانب اللبناني لتكون تحت سيطرة الإستخبارات السورية….هذه الملفات إلى جانب ملفات عديدة تدخل في إطار عمليات الحرب الخاصة إقليمياً ودولياً تشكل خطراً ذو حدين بالنسبة لمستقبل النظام في سوريا ولكن السؤال الأهم هو: هل استطاع أسد الإبن أن يدير هذه الملفات كما يجب ؟ وهذا مايدفعنا أن نتسائل :
إذا كان أسد الأب حياً وهو على رأس النظام في سوريا، ماذا كان موقفه من تحرير العراق، وبالتالي الموقف من الحكومة العراقية التي أتت من صلب المعارضة لصدام حسين والتي كانت في احسن العلاقات مع حافظ الأسد، بل وكانت تستمد دعماً لوجستياً من الحكومة السورية في مرحلة حكم حافظ الأسد، بينما رأينا في عهد بشار غالبية الإرهابيين أتو من سوريا إلى العراق لتنفيذ عمليات إرهابية وسط الشعب العراقي وإشعال نار الفتنة الطائفية في العراق بعد تحريرها من الفاشية الصدامية…؟ أما السؤال الآخر : هل كان سيقتل رفيق الحريري بأي شكل من الأشكال ؟ وهل كان سيطرأ على العلاقات الإيرانية السورية هذا الإنقلاب الفج في تغيير الموازين لتدار سياسة سوريا من طهران وإدارة عمليات القمع للشعب السوري من الضاحية الجنوبية لبيروت ؟
أعتقد أن إيران لن تسلم سوريا إلى الشعب السوري إلا بعد تدميرها وهي تعلم أهميتها الإستراتيجية في دائرة العلاقات السياسية وتأثيراتها على موازين القوى في المنطقة، ومن هذا الفهم اعتقد أن من مصلحة إيران إشعال نار الفتنة في سوريا وتفجير حرب طائفية طويلة الأمد كما أشعلتها في العراق، راحت ضحيتها أكثر من مليون مواطن عراقي، ولم تنتهي حتى الأن .
لذلك على الشعب السوري تدارك ذلك الخطر.
وأن ما يكرره الأبواق الإعلامية للنظام السوري ، على أن إسقاط النظام في سوريا يعني حرق المنطقة بأكملها .
وأعتقد أن هناك العديد من القوى الإقليمية تدفع بسورية نحو تلك الخيار في نهاية المطاف … كل ذلك أعتقد أن من يحكم سوريا هو التوافق بين النظام الإيراني وقيادة حزب الله اللبناني ، لكن الذين يديرون الأزمة في دمشق هم من يؤتمرون بأوامر تصدر من غرفة إدارة الأزمة المشكلة من متخصصين إيرانيين وسوريين ولبنانيين وفقاً لخارطة طريق متحركة ، تطرأ عليها تغييرات حسب ما تقتضيه الحالة على الأرض.
لكن الذي لايمكن تغييره ، هو التمسك بالنظام مهما كلفت من تضحيات ، وعدم التنازل لمطاليب الشعب.
أما الخيار الأخير أمامهم هو الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وتدمير البنية التحتية للبلاد ومن ثم الهروب الى أيران…
كاتب وسياسي كردي سوري
792011