إعدام الأقلام

موسى زاخوراني

   يقال أن امبراطورا يونانيا , قال لجنوده أثناء وداعه لهم , وهم على أهبة التوجه لفتوحاته خارج اليونان , مشيرا إلى أحد قادتهم: (احذروا هذا القائد , فإنه لا يحب الشعر والموسيقى) .

   تذكرت هذا القول وأنا أقرأ مقالا لصديقي وجاري المحامي محمود عمر , تحت عنوان (أعيدوا أقلامكم إلى محابرها) , ونظرا لكونه صديق عزيز علي , تنفست الصعداء وحمدت الله على أنه لم يقل (مقابرها) بدلا من (محابرها) فالمقال وكما يبدوا من عنوانه بشكل فاقع وكذا يستشف من النص , دعوة جانب دون آخر في موضوع يخص جانبين ـ الناقد والمنقود ـ ويطالب الكتاب والمثقفين ورغم أوضاعهم الفجائعية , ومواقعهم المهملة , التحلي بأخلاق , كليم الله موسى عليه السلام , وهي لدي , دعوة غير معقولة ولا منصفة , وجانبية المنحى والفحوى , أما تشبيه الجانب الآخر بفرعون ـ ورغم كونه تشبيها غير مقصود ـ فالحمد لله أن الأمر غير ذلك وإلا لكانت الطامة الكبرى على الجميع .

   ولا شك أن المقالات التي تنتقد النظام هي أكثر بكثير مما تنتقد الحركة , أو هذا الحزب أو ذاك , ثم أن للبطالة هي الأخرى , دور في ذلك! فلا السلطة ولا الحركة سعت لملء وقت فراغهم المفتوح على مصراعيه , مع انعدام جهة ثانية ـ عدا الحركة ـ يعلقون عليها آمالهم , فيرمون إليها باللائمة , وقديما قال الكرد (جهي يه ك هيفيا زي نه كي يك كازنا زي ناكي) .

   من جهة أخرى فليس من أحد تمادى في نقده للحركة .

أوليس من حقنا أن نقول عن الحركة , بأنها مقصرة بل ومخطئة , حتى ولو قامت بثمانين بالمائة من مهامها , طالما أن بمقدورها تنفيذ تسعين في المائة من مهماتها , وهل يحق لكم مطالبة الناس المكوث في غرف الانتظار , أكثر من خمسين عاما , أفلا تستطيع الحركة تحسين أدائها!؟ في شتى المجالات أكثر مما هي عليه الآن , وهل صواب أن الأمر يعود بمجمله لعوامل موضوعية ليس إلا؟ وهل أن المستهدفين بالنقد من نسل خاص تجري في عروقهم الدماء الزرقاء , أم ماذا؟ ولماذا لا يجوز ـ حسب ردودكم ـ لأحد أن يقول إن ظلكم أعوج كما يقول المثل الكردي .

ويقينا أن الأقلام الشريفة والمناضلة أمضى من السيوف ولن يستطيع احد اغتيالها أو إسكات صوتها أو صرخاتها التي تفوح برائحة المعاناة والمآسي والألم والأمل معا , أما أقلام السرفيس , إذا جاز التشبيه , فلا خلاف في الموقف منها , وجودا ومهاما ونوايا , وأسبابا ومقاصد وغايات وستخسر الرهان حالما تشرق الشمس وتصفو الأجواء وهي ضعيفة بحيث لا تستطيع اجتياز كل الاختبارات .


   وفي الختام وفي معرض المائدة التي أشار إليها المقال أرى من الضرورة والصدقية معا القول: لقد متنا جوعا بانتظار مائدتكم الموعودة تلك .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…

نظام مير محمدي* لطالما كان الملف النووي الإيراني أحد التحديات الأساسية على الساحة الدولية. فمنذ الأيام الأولى لنشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران، سعى النظام الحاكم جاهداً، عبر خلق العقبات وتقديم معلومات منقوصة، إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لبرنامجه النووي. هذا النهج المخادع، الذي أكدت عليه مراراً وتكراراً السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مطالبةً برقابة…