دهام حسن- ايها الشاعر المشاغب

عبدالقادر بدرالدين

التقيت به في اواخر التسعينات, بصحبة صديقي علي جزيري, وحللنا في ضيافته الكريمة في الحي الغربي, وظلت صورته عالقة في ذاكرتي الى اليوم, حيث رأيته رجلا رزينا, هادئا, وعاقلا, وقرأت في ثنايا ملامحه, الصدق والوقور وحب الانسان, واستمرت معرفتي به من خلال كتاباته الجميلة على صفحات النيت, من شعر وسياسة.
يبدو لي, ان الانسان الكوردي كلما تتقدم به السنين, يصبح مشاغبا ومعترضا او قاسيا الى حد ما, ولكن الشغب الذي يحدثه الاستاذ الكبير دهام حسن, بين فينة واخرى,
يثيرني الدهشة والاستغراب في اعطاءه الصورة غير الاعتيادية في اعتراضاته, والتي تتسم عادة بالصخب وكسر الفخار, اما شغبه فهو من نوع آخر, ومن طراز ذات نكهة مميزة, غير الصورة المعتمدة في سلوكنا جميعا, انه صخب هادئ, تتعالى موسيقاه تحت اضواء ساكنة, وفي اريحية مستقرة للغاية, حيث نراه حينا, يكتب في السياسة الكوردية المملة والمتعبة جدا, في محاولة على ايصال صرخته اللامدوية واللاعنفية الى الآخرين, بعد السياسة يذهب الى الشعر, لينسى ما ينساه, حيث الحب وطفولة نهد, والاجنحة المتكسرة, والاسترخاء تحت ظلال الزيزفون, ينطق الحروف بكامل سلمها الهادرة من الاعماق, ويعترف بكل شيء امام محراب “لميس”, وهكذا يتنقل كالثائر المحارب من خندق السياسة الى فضاءات القصيدة, وكأنهما مربعان متلازمان, وآنيان مستطرقان, او كفتا ميزان.
دعوه يا سادة ان يكتب ما يشاء, ويتنقل كالنحلة, ولا تكسروا خواطره, او تحطيم قلمه, من الافضل ان نتعلم الاصغاء ونقلل من الكلام, خمسون عاما سكت او اسكت (بضم الالف) كل شئ, حيث, لا صوت يعلو فوق صوت المعركة, لم نعد نرى او نسمع حفيف الشجر وسكون الحجر وانغام الطيور, فلتخرج الآهات والحسرات من جوانحنا المتكسرة, فلترفع الحواجز الى الابد امام الاقلام الحرة كي تروي قصتها من دون رقيب او حسيب, ذهب زمن المتاريس التي وضعت في اعماق القلوب والافكار, وولى رسم خرائط وخطوط حمر, عرضا وطولى في مدائن الوطن وقراه, ولم تعد الناس مكترثا بالنخب والقادة الميامين!, حيث طلع الفجر علينا من كل حدب وصوب, وهدير الثورة يلمع برقا ورعدا, سيلهب حريقا فظيعا في كل التابوهات التي صنعت بدون وجه حق.
وختاما اقول: ايها الشاعر المشاغب, نحن في انتظار المزيد من الشعر والسياسة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس في عالم يتأرجح بين الفوضى والنظام، يبرز المشهد السياسي للولايات المتحدة في ولاية دونالد ترامب الثانية (2025) كمحطة حاسمة لإعادة تعريف التوازنات العالمية. إن صعود ما يُمكن تسميته بـ “الدولة العميقة العصرية”، التي تجمع بين النخب الاقتصادية الجديدة والتكنولوجية والقوى السياسية القومية، يكشف عن تنافس ضمني مع “الدولة العميقة الكلاسيكية”، المتمثلة في المؤسسات الأمنية والعسكرية التقليدية. هذا…

تعرب شبكة الصحفيين الكُرد السوريين، عن قلقها البالغ إزاء اختفاء الزميلين أكرم صالح، مراسل قناة CH8، والمصور جودي حج علي، وذلك منذ الساعة السابعة من أمس الأربعاء، أثناء تغطيتهما الميدانية للاشتباكات الجارية في منطقة صحنايا بريف دمشق. وإزاء الغموض الذي يلف مصيرهما، فإننا نطالب وزارتيّ الإعلام والداخلية في الحكومة السورية، والجهات الأمنية والعسكرية المعنية، بالتحرّك الفوري للكشف عن مكان وجودهما،…

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…