هذا الاتهام سرى إعلامياً لتحقيق غرضين أساسيين أولهما تبرير القتل أمام الإعلام الخارجي والدول والحكومات بحجة أنَّ ما يتمُّ فعله ما هو إلا دفاع عن النفس، وأن المتظاهرين ليسوا أبرياء، ولا يحملون أغصان الزيتون كما يدّعون بل هم مسلحون ” بمختلف أنواع الأسلحة البنادق والرشاشات وو..
والمناظير الدقيقة” ولم ينسّ الإعلام أن يصنّف، ويصوّر سلاح البمباكشين” الفتاك” في عداد الأسلحة المتطورة “جداً” التي يحملها المتظاهرون السوريون، ويقطعون الطرقات، ويرعبون السكان، وبالتالي وجب توسُّل الأهالي لدخول الجيش والقضاء على هذه العصابات، وإعادة الأمن والأمان إلى نفوس المستنجدين.
والأمر الثاني هو إجهاض حقوق ومطالب الناس عبر الزعم أنهم ليسوا طُلّاباً للحرية والديمقراطية ونبذ سلطة الفرد، وغيرها بقدر ما هم طلاّب للكرسي وهم توّاقون لتغيير السلطة وإزاحة نظام وإحلال نظام جديد ليس بالضرورة أن يكون ديمقراطياً وعلمانياً و حضارياً ملبياً لطموحات وأحلام السوريين عامة أي ” يشط ريالهم” على الكرسي لا غيره.
وهذا ما يتمظهر في سلوك المعارضة السورية” الخارجية” على وجه التخصيص حيث عقدت أكثر من أحد عشر مؤتمراً ومحفلاً، وفشلت في توحيد كلمتها بامتياز، غير أن المنتفضين تجاوزوا ” حماس” هذه المعارضة الزائد كثيراً، بل طووا ورقتها!!
سمعنا قبل مدة بعض التصريحات الفردية” محمد رحال المقيم في السويد نموذجاً” بوجوب تسليح الانتفاضة السورية لأنّه – حسب زعمه- لا يمكن لمظاهرة أن تخرج إلى الشارع بمئات أو حتى عشرات الألوف أن تسقط نظاماً متماسكاً وقوياً كالنظام السوري، وعلى الفور استنفر إعلام النظام، وكأنه وجدَ كنزاً، وبدأت الشرائط الإخبارية لإعلامه وإعلام جيرانه من” المحاسيب” تتصدّر تصريحات الرّحّال التي لا تعبّر أبداً عن نبض وتصوّر الشارع المنتفض من أجل مستقبل سوريا السياسي عبر حلِ التسليح والعسكرة، وبالتالي خنق هذه الانتفاضة في أتون حرب تناحرية مُسلّحة بين طرفي” النظام والمعارضة” وبالتالي خسارة كلِّ المكتسبات التي تحققت للمتظاهرين على الأرض بتحويل الكفاح السلمي العفوي إلى كفاح مسلّح شرس يفقدهم كل هذا التعاضد والتضامن من جهة الأشقاء وفي الإقليم والعالم، وبالتالي إلى إفراط في زيادة فاتورة الدماء السورية التي ستُسالُ كثيراً، لأنَّ النظامَ سيردُّ بعنف شديد، وهو الذي يملك أسلحة متفوقة كثيراً على ” أسلحة المتظاهرين” وهذا ما يشرّع له القتل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وسيكون الرقم ثلاثة آلاف قتيل سقطوا خلال ستة أشهر من عمر الاحتجاجات حصيلة يوم أو أسبوع في حال عسكرة ” الثورة السورية” كما كتب الباحث الدكتور حمزة رستناوي قبل أيام.
بطبيعة الحال الشارع المنتفض لفظَ كلَّ هذه الإشنيات من جسمه، وقرر جهاراً أن : لا للدعوات تسليح” الثوار” والشيء الوحيد المستجد مؤخراً هو الدعوة إلى تدخل دولي عبر رفد البلد بمراقبين أشقاء ودوليين على الأرض ليتأكدوا من نظافة المنتفضين، وأنهم ليسوا عصابات ولا قتلة، وليتأكدوا من القاتل؟؟ ومن المقتول؟!
إن ما يدعو إليه رحال وغيره من تسليح ” الثوار” لا يسمع صداه في الداخل السوري، ويعدُّ دعوات فردية لم يقتنع، ومن الأجدر ألا يقتنع به السوريون في المستقبل لأنهم سيفقدون كما أسلفنا كلّ ما تحقّقَ ماضياً، وسينفضُ كلُّ مَنْ ساندَ، ودعم هذه الانتفاضة يديه منها، بدعوى أن الانتفاضة السلمية ” المشروعة والمحقة” قد تحوّلت إلى احتراب داخلي سوري، وصار شأناً داخلياً.
هذا التوجّه السلمي النظيف والرائع واللاعنفي للثورة السورية سيوصلها إلى مآلاتها، ويحقّق أهدافها ومراميها، وهذا السلوك الأبيض سيجبر النظام للبحث عن حلول أخرى غير الحل الأمني باعتبار أن أُكُلَهُ لم يُؤتَ، وسيزداد الضغطُ عليه خارجياً وداخلياً أيضاً لنبذ العنف، والقبول بالآخر الذي هو ليس بالقاتل ولا السفّاح بل هو مواطن سوري قلبه على الوطن كما “قلب النظام عليه”.
إن مقتل الانتفاضة السورية – كما عنونّا- هو عسكرتها وقبول تسليحها وتغيير مسارها، وأعتقد أن الصدرَ العاري يربك، ويخيف دبابة أكثر من طلقة مسدس أو بندقية حيث لن تجد هذه الطلقة طريقها لاختراق حديد الدبابة العصي ..
العصي جداً على الحوار والتفاهم.