حسين عمر
لا تزال تتعدّد التوصيفات والتسميات التي تُطلَق على ما يجري في المنطقة العربية، بين من يوصفها بالثورة ومن يسمّيها بالانتفاضة ومن ينعتها بالحراك الشعبي.
والحال أنّ إحدى أهمّ سمات ما يجري ربّما هي أنّه نزع عن هذه المفاهيم اطلاقيتها وجعلها نسبية بل ورفّعت الخطوط الفاصلة بينها بما يرفع الحرج عن مستخدميها.
لا تزال تتعدّد التوصيفات والتسميات التي تُطلَق على ما يجري في المنطقة العربية، بين من يوصفها بالثورة ومن يسمّيها بالانتفاضة ومن ينعتها بالحراك الشعبي.
والحال أنّ إحدى أهمّ سمات ما يجري ربّما هي أنّه نزع عن هذه المفاهيم اطلاقيتها وجعلها نسبية بل ورفّعت الخطوط الفاصلة بينها بما يرفع الحرج عن مستخدميها.
لكنّ الأهمّ من كلّ هذا هو فرادة هذا الذي يجري.
فإن كانت ثورة، فهي تختلف عمّا سبقها من ثورات، وإن كانت انتفاضة فهي تتباين عمّا سبقها من انتفاضات وإن كان حراكاً شعبياً، فهو حراكٌ شعبي لم يسبق له مثيل من حيث شموليته وسعته.
فإن كانت ثورة، فهي تختلف عمّا سبقها من ثورات، وإن كانت انتفاضة فهي تتباين عمّا سبقها من انتفاضات وإن كان حراكاً شعبياً، فهو حراكٌ شعبي لم يسبق له مثيل من حيث شموليته وسعته.
وأيّاً كان التوصيف فأنّ هذه الفرادة تكمن في أنّنا لسنا أمام ثورةٍ لها قائدها الملهم أو إمامها المرشد أو حزبها المخطّط والمنظّم والمفجّر أو أيديولوجيتها المعصومة (دينية كانت أو دنيوية) أو كتائبها الانتحارية أو محاكمها الميدانية.
سوف لن نكون أمام جنرالٍ يستذلّ شعبه بنياشينه ويتبنّاه بالجملة فيكون أباً قائداً أبدياً، كما لن نكون أمام أئمّة يسجدون على أرضية المطارات في مشهدٍ درامي رسالته أنّكم ستعيشون بقية حياتكم ساجدين لمشيئة حاكمين بأمر الله تحت طائلة لعنة مَنْ يخرج على تلك المشيئة المصكوكة بالصكوك الإلهية.
مثلما سوف لن نكون أمام حزبٍ أيديولوجي حاكمٍ بالمطلق يستتبع بعضاً منصاعاً ويخوّن آخرين يعصون إرادته.
إنّنا أمام حركات شعبية تقطع تاريخياً مع حقبة سياسية سادت لأكثر من نصف قرن، حركات ترفع شعارات لصيقة بحياة الناس لا بوجدانها فحسب، ترفع شعار الحرية بديلاً للاستعباد والكرامة بديلاً للإذلال والديمقراطية بديلاً للاستبداد.
إننا أمام حركات لها مفرداتها وقيمها الأخلاقية والسياسية المتعارضة مع ما ساد خلال هذه الحقبة ممهّدة الطريق أمام تفكيك بنية سياسية مغلقة ومنظومة قيمية لم تفلح في بناء أوطان ولم تعد صالحة لاستمرارية الأوضاع على ما كانت وما هي عليه.
ومن هنا، تبدو هذه الحركات وكأنّها ثورة لا على النظم فحسب بل وعلى المعارضات التقليدية أيضاً بأيديولوجياتها ورؤاها السياسية وبنية عقلها وجهازها المفاهيمي المنمّط والمتوائم في كثير من مضامينه مع أيديولوجية النظم وبنية عقلها السياسي، وطريقة ممارساتها للسياسة – يكفي أن نشير أن فترة بقاء زعماء المعارضة على رأس أحزابهم لا تقلّ عن فترة زعماء دولهم، بل أحياناً تزيد عنها-.
ولكن درءاً لأيّ لبس أو تشوّش، لا بدّ من القول أننا، هنا، لا نساوي بين النظم والمعارضات، بل لا بدّ من قول حقيقة أنّ هذه المعارضات قدّمت تضحيات جسيمة ثمناً لخياراتها وصاغت مشاريع ومبادرات سياسية وطنية وديمقراطية كانت صالحة لأن تشكّل أساساً لإجراء تحوّلات جذرية في البنى السياسية والمؤسسية في بلدانها كان يمكن لها أن تفتح آفاقاً أمام تغيير الأوضاع بطريقة مغايرة لما يجري الآن.
إذاً، نحن لا نشكّك ولا نطعن في المشروعية التاريخية لهذه المعارضات وإنّما نجادل في مرجعياتها الفكرية وعقلها السياسي وممارساتها للفعل السياسي التي ينبغي إعادة النظر فيها وإخضاعها للنقد بما يعيد تأهيلها وتكييفها مع المعطيات والوقائع الجديدة في الحياة السياسية والمجتمعية لشعوبها حتى تستطيع أن تكون جزءاً من مستقبلها، لا أن تجرفها الأحداث في سلّة القديم البالي.
إنّها ثورات، ولكن من طراز خاصّ!
سوف لن نكون أمام جنرالٍ يستذلّ شعبه بنياشينه ويتبنّاه بالجملة فيكون أباً قائداً أبدياً، كما لن نكون أمام أئمّة يسجدون على أرضية المطارات في مشهدٍ درامي رسالته أنّكم ستعيشون بقية حياتكم ساجدين لمشيئة حاكمين بأمر الله تحت طائلة لعنة مَنْ يخرج على تلك المشيئة المصكوكة بالصكوك الإلهية.
مثلما سوف لن نكون أمام حزبٍ أيديولوجي حاكمٍ بالمطلق يستتبع بعضاً منصاعاً ويخوّن آخرين يعصون إرادته.
إنّنا أمام حركات شعبية تقطع تاريخياً مع حقبة سياسية سادت لأكثر من نصف قرن، حركات ترفع شعارات لصيقة بحياة الناس لا بوجدانها فحسب، ترفع شعار الحرية بديلاً للاستعباد والكرامة بديلاً للإذلال والديمقراطية بديلاً للاستبداد.
إننا أمام حركات لها مفرداتها وقيمها الأخلاقية والسياسية المتعارضة مع ما ساد خلال هذه الحقبة ممهّدة الطريق أمام تفكيك بنية سياسية مغلقة ومنظومة قيمية لم تفلح في بناء أوطان ولم تعد صالحة لاستمرارية الأوضاع على ما كانت وما هي عليه.
ومن هنا، تبدو هذه الحركات وكأنّها ثورة لا على النظم فحسب بل وعلى المعارضات التقليدية أيضاً بأيديولوجياتها ورؤاها السياسية وبنية عقلها وجهازها المفاهيمي المنمّط والمتوائم في كثير من مضامينه مع أيديولوجية النظم وبنية عقلها السياسي، وطريقة ممارساتها للسياسة – يكفي أن نشير أن فترة بقاء زعماء المعارضة على رأس أحزابهم لا تقلّ عن فترة زعماء دولهم، بل أحياناً تزيد عنها-.
ولكن درءاً لأيّ لبس أو تشوّش، لا بدّ من القول أننا، هنا، لا نساوي بين النظم والمعارضات، بل لا بدّ من قول حقيقة أنّ هذه المعارضات قدّمت تضحيات جسيمة ثمناً لخياراتها وصاغت مشاريع ومبادرات سياسية وطنية وديمقراطية كانت صالحة لأن تشكّل أساساً لإجراء تحوّلات جذرية في البنى السياسية والمؤسسية في بلدانها كان يمكن لها أن تفتح آفاقاً أمام تغيير الأوضاع بطريقة مغايرة لما يجري الآن.
إذاً، نحن لا نشكّك ولا نطعن في المشروعية التاريخية لهذه المعارضات وإنّما نجادل في مرجعياتها الفكرية وعقلها السياسي وممارساتها للفعل السياسي التي ينبغي إعادة النظر فيها وإخضاعها للنقد بما يعيد تأهيلها وتكييفها مع المعطيات والوقائع الجديدة في الحياة السياسية والمجتمعية لشعوبها حتى تستطيع أن تكون جزءاً من مستقبلها، لا أن تجرفها الأحداث في سلّة القديم البالي.
إنّها ثورات، ولكن من طراز خاصّ!