السوريون قلقون لقلق الجامعة القلقة

عمر كوجري

   لم تكن زيارة الأمين الجديد للجامعة العربية موفّقة بالمقاس الشعبي السوري حين زارها في تموز الماضي، فقد افتتح الرجل زيارته، والبدء بمنصبه الجديد بالانحياز الواضح لمصلحة النظام على حساب أحزان ودماء مئات السوريين الذين تساقطوا شهداء، أو غُيّبوا، أو اعتقلوا  وعذبوا، وأهينوا،  منذ أواسط آذار الماضي وإلى الآن،

    فقد توضّح للسوريين أن الأمين الجديد الذي خرج من رحم ثورة الشباب المصري يحابي النظام، وأبدى إعجابه الشديد بمسيرة ” الإصلاحات” والمراسيم التي يصدرها، ورأى أنها كافية ووافية قافزاً على كل هذه الدماء التي سالت، ومازالت تسيل.
   لذا، كان طبيعياً أن يتصدّر اسمه واجهة انتفاضات السوريين حينما كتبوا بألم وحسرة: يا ليتك لم تزر بلدنا!! ولست نبيلاً ولا عربياً، وسطر هؤلاء بيانات نعوة ووفاة  الجامعة العربية.

    شعر السوريون المنتفضون أن العربيّ جاء ليبارك للنظام ما يقوم به من قتل وتنكيل وتحشيد جيش جرار مُجهّز على أرفع مستوى قتالي، تدعمه الدبابات والمدافع والحوامات لقتل السوريين، وكان ينتظر منه السوريون خلاف ذلك، وخصوصاً أنه وصل إلى ما وصل إليه من مركز ومنصب على بركة دماء وتضحية الشعب المصري من أجل الظفر بحريته وكرامته، وهو ما تحصّل عليه، وطوى صفحة مؤلمة وسوداء من تاريخه العريق الذي يمتد لآلاف السنين، وأبدى العالم أجمع إعجابه بتلك الثورة الشبابية التي دكت حصون نظام أمني دموي أخرسَ البلاد والعباد وحجّمت مصر في صورة شخص.

 
    إلى اللحظة، ما زالت الجامعة إن في العهد الجديد، أو عهد عمرو موسى الذي تفلسف في لفظة القلق بشكل مثير للاستهجان و” القلق” حينما قال بما معناه: نحن قلقون والقلق يساورنا وكلنا قلق والقلق يأكل أصابعنا حينما ننظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في سوريا، وكاد أن يغمى عليه لشدة القلق الذي انتابه في مؤتمره الصحفي قبل أن يودّعنا طامحاً وطامعاً في كرسي الرئاسة في مصر المحروسة، وعلى وجه السرعة، انتقدت مصادر مسؤولة في النظام السوري موسى لإبداء قلقه على ما يحدث على أراضيها، وعزت ذلك لأسباب تتعلق باحتمال ترشحه للرئاسة في مصر، واعتبرتهقلقاً” انتخابياً يغازل أبناء الثورة المصرية من أجل كسب أصواتهم!!
   لقد تعب، بل قلق السوريون، وهم يشعرون بقلق الجامعة المتزايد بشأن التطورات في سوريا، ودعوتها الكريمة إلى” الوقف الفوري لجميع أعمال العنف ضد المحتجين”.


   فموقف الجامعة حتى مساء السبت الماضي بدا قلقاً ومتحفظاً والانقسام كان على أشده بشأن الأوضاع في سوريا، وكان واضحاً عدم اهتمام النظام بكل ذلك الاجتماع، وخفف من التمثيل الدبلوماسي للحضور في شخص المندوب الدائم رغم أن الاجتماع كان على مستوى وزراء الخارجية لا المندوبين الدائمين، ورفض النظام قبول لجنة وزارية من مجلس الجامعة وتبدّى الاعتراض ببعض بنود “المبادرة العربية” وتم اعتبارها تدخلُّاً في شؤون البلاد.
    إذاً: القلق والانزعاج العربي مازال على أشده، لكن هذا القلق هل سيتكفل بتحريم قتل السوريين يومياً في الفجر والظهر والمساء وأيام الجمع وكل لحظة؟؟
   هل هذا القلق سيفتح صفحة جديدة بين النظام والمعارضة على “قلق” أن سوريا برمتها نظاماً ومعارضة مرشحة لمصير أسوأ وأيام سوداء إذا استمر هذا المسلسل المرشح لتكونَ طويلةً حلقاتُه وأحداثُه.
   هل سيقرر النظام سحب قطعات الجيش والشبيحة، وسيرسل الأمن لحماية المظاهرات الشعبية لا ضربها بالنار والحديد طالما أن قانون التظاهر الجديد يحمي هذه الجموع!! كما يحمي بالقدر عينه مسيرات التأييد التي تملأ الساحات الكبيرة حينما يراد لها أن تكون.
   هل سيقرّر النظام الضرب بأيد من حديد لكل من تسوّلت له نفسُه بإراقة دماء السوريين؟ وهل سيُقدّمون لمحاكمات علنية شفافة تعيد الطمأنينة والأمان للسوري في أنه يعيش في بلد يحمي كرامته لا يهدرها، ويحمي حياته لا يُرخّصها، وأن ثمة قانوناً يستظل بظلّه الجميع.
    يبدو أن الرسالة لم تكن بالقوة التي لمّح إليها مراقبون سياسيون أو بعض المصادر الدبلوماسية العربية التي زعمت أن رسالة ” قوية ستبعث إلى دمشق بضرورة الحفاظ على” الدم السوري وضرورة وقف نزيف الدم، والبدء في حوار جدّي مع كل أطياف الشعب والقوى السياسية”
   بشديد الأسف ربما لا يملك السوريون في هذه اللحظة مسكّنات تعيد الهدوء والراحة إلى قلق الجامعة العربية، وتخفف من توترها الواضح، وارتجاف أصابعها وتسارع نبضات قلبها، وإلى أن يملك السوريون ذلك المورفين الساحر المهدئ  سيشكرون الجامعة وأهلها، وبالطبع ستشهد الساحات والحواري والمدن والأرياف السورية المزيد المزيد من سفك الدماء، والمزيد من تعقيد المشكلة..

لسبب بسيط وهو أن النظام لا يرى غير التصعيد الأمني وسيلة أنجع!!!
    يقيناً أن زيارة “العربي” المرتقبة الاثنين ” لا فائدة من الزيارة لأن المبادرة العربية فشلت، واعتبر النظام البيان الوزاري كأنه لم يصدر” ستضاف إلى سلسلة زيارات ومقابلات و” نصائح” ورسائل واتصالات سابقة وقادمة أيضاً لم، ولن تجد طريقها إلى وقف هذه الدماء، وسيستمر مسلسل “تأديب ” المخربين والمندسين وأمراء الإمارات الإسلامية إلى أن يتوبَ هؤلاء، ويعودوا إلى تقبيل وعشق العصا التي جزّتْ حناجرهم، وهشّمتْ أصابعهم، وكسرتْ أقلامهم، وأجهضتْ تطلعاتهم وأحلامهم.

 
    وسيظل السوريون وحيدين يواجهون مصيرَهم بصدورهم العارية، دون أن تعيد الإدانات والبيانات الدفء إلى أرواحهم التي قررت أن تكون أرواحاً حقيقية لا أرواحاً من الكريستال.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…