س1- كيف تقرؤون ما يحدث الآن في سوريا , وما رأيك بالموقف الغربي والإقليمي ؟
الجواب: ما يحدث الآن في سوريا، هو انتفاضة شعبية شاملة ، تنحو لأن تتحول مع الوقت إلى ثورة شعبية لها قيادة ومركز قرار موحد .
فثقافة الإقصاء والاستئثار التي فرضها حزب البعث طوال العقود الماضية على كامل مكونات الشعب السوري بعربه وكرده ، وباقي أقلياته الاثنية والطائفية ، قد خلقت أرضية للخلاف والتشاحن السياسي الداخلي ، حتى أن هذا الحزب قد تحول عقدة خلاف وصراع في العلاقات العربية نفسها .
والآن وبسبب جعله قائدا للدولة والمجتمع ، حسب المادة الثامنة من الدستور ، فإنه يشكل القاعدة المادية الأساسية للنظام ، ويتحمل بهذه الصفة مع النظام ، المسؤولية الكاملة عن كل ما يجري من فظائع بحق الشعب السوري ، عبر استخدام الجيش والقوى الأمنية الأخرى والشبيحة ، في قتل الناس وتدمير المدن بالدبابات والأسلحة الثقيلة ، ويوفر بالتالي للنظام ثقافة التنظير السياسي لفكرة المؤامرة والتدخل الخارجي تبريرا لهذا النهج الفاشي في التعامل مع الوضع الداخلي .
أما الموقف الغربي والعربي ، فهو ضعيف حتى الآن ، تجاه ما يرتكب من فظائع من جانب السلطة بإعطائها الأوامر للجيش بالتدخل العسكري ضد الانتفاضة الشعبية ، أو سمها ، الثورة الشعبية ، حيث أن ما يتعرض له الوضع الداخلي السوري ، يفترض أن تتخذ مواقف حاسمة من قبل الدول العربية ، والجامعة العربية ، ومن المجتمع الدولي ، ضد النظام الفاشي ، وأن يعمل على أزاحته ، دون تردد .
ولكن مع الأسف فإن الأزمة الداخلية في البلد ، تتداخل فيها مصالح قوى خارجية ، لها أجندات ومرامي مستقبلية ، ترتبط بالدرجة الأولى ، بما ستؤول إليه الأوضاع في النهاية ، إلى ترتيبات تتعلق بمستقبل المنطقة ، وكذلك المصالح الحيوية ، والجغرافيا السياسية ، وهذه العوامل هي التي تجعل من روسيا والصين ، مثلا ، كدولتين عظميين ، أن تلتزما جانب مصالحهما ولو على حساب الشعب السوري ومستقبله .
لأن التغييرات المنشودة في سوريا ، وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً ، ستعود بالتأكيد على الديمقراطيات الغربية – وليست الشرقية – بالمنافع الاقتصادية ، والاستثمارات والمشاريع الحيوية ، باعتبار أن كل التغييرات الجارية في المنطقة باتجاه الديمقراطية تجد حلولها – بعد إرهاصات التغيير والمشاكل الناتجة عنه – عند الغرب إجمالا .
ولهذا فإن هاتين الدولتين تقفان حتى الآن ، في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار خاص بسوريا ، يمكن أن يؤدي إلى رحيل النظام أو إسقاطه ، لأن سوريا كبلد يحتل موقعاً جغرافيا استراتيجيا ، له تأثير سياسي مباشر على جيرانه ، وله وزن في ميزان المصالح والعلاقات الدولية ، وسيبقى له في المستقبل أيضا ، دور وتأثير في بؤر التوتر ، وفي مشاكل المنطقة ، على السواء .
على الرغم من ذلك ، فإن أكثرية القوى الدولية الفاعلة ، والمجتمع الدولي عموما ، تؤيد التغيير الديمقراطي في سوريا ، وستقف حتما إلى جانب الشعب السوري في مطلبه العادل في الحرية والخلاص من الاستبداد ، وبالتالي فإن الحراك الشعبي ستتحول قريبا إلى ثورة شعبية عارمة ، وتحقق أهدافها في ظل ظروف مؤاتية أفضل ، إن كان ذلك عن طريق فرض عقوبات دولية قاسية ، أو عن طريق تدخل عسكري دولي ، هذا أولا ، أو بسبب انشقاقات داخل الجيش أو حتى انقلاب عسكري مقبول دوليا ، ثانيا .
فالمنحى العام لسياسات النظام ومواقفه ، يعبر حتى الآن عن تمسكه وتشبثه بموقعه ، دون أن يرف له جفن أمام فظائع القتل والتدمير ، فالنظام مازال مصرا على الخيار الأمني سبيلا وحيدا لإنهاء الوضع لصالحه ، رغم تطور الموقف الدولي والعربي تصاعديا ضده ، وكل ما صدر عنه حتى اللحظة ، إن كان ما يتعلق بما يسميه إصلاحات ، أو ما ادعاه في مرحلة سابقة حوارا تشاوريا مع المعارضة ، أو ما جاء في كلمته الأخيرة ، هو نوع من التسويف ، والمماطلة ، ومحاولة يائسة من جانبه ، نحو إعادة إنتاج نفسه ، وتعويمه وتسويقه من جديد ؛ بينما المطلوب ، بعدما وصلت الأمور إلى هذا المستوى المأساوي من حدة القتل والاعتقال ، هو التغيير الشامل والحاسم نحو بناء نظام ديمقراطي مدني تداولي ، وذلك عبر تحقيق مطلب الشعب السوري في إسقاط النظام ، ومن ثم إجراء حوار وطني حقيقي ، تشارك فيه جميع المكونات الموجودة على الساحة السياسية السورية ، وصولا إلى قرارات وتفاهمات على شكل الدولة الوطنية ، ومستقبل البلد الذي يتكون من قوميتين رئيسيتين : العرب والكرد ، والأقليات الأخرى .
أعتقد أن المعادلة الداخلية ستتغير قريبا لصالح الثورة الشعبية ، وذلك عندما تتأصل الأهداف وتتوضح ، عند كافة الجهات المعنية بالوضع السوري ، داخليا وعربيا ودوليا ، وعندما تتحقق العوامل الآتية :
أولا ، انتشار الثورة إلى كافة المناطق في سوريا ، وتفعيل الحراك الجماهيري وتصعيده ، وصولا إلى الاعتصامات الواسعة والعصيان المدني .
ثانيا ، الوصول بالحوار الداخلي بين أطراف المعارضة السورية – العربية والكردية خصوصا – إلى المستوى المطلوب في وعي وفهم كافة القضايا المعلقة بما فيها القضية الكردية ، وإجراء تفاهمات حقيقية على مستقبل البلد ، وشكل الدولة الوطنية ، و ذلك على قاعدة برنامج سياسي واضح ، يلبي طموح الشعب السوري الذي عانى طويلا من الكبت والقمع .
ثالثا ، ارتقاء الموقف الدولي والعربي إلى مستوى التأثير الفعلي في الوضع السوري ، وذلك باتخاذ قرارات فعالة في الجامعة العربية ، تعزل النظام السوري ، وفي مجلس الأمن تحت الفصل السابع ، تؤدي جميعها إلى قلب المعادلة الداخلية لمصلحة الشعب السوري ، وتحريره من التسلط والاستبداد .
س2- هل – برأيك – الكورد منخرطون في الانتفاضة , وما دور الحركة الوطنية الكوردية فيها؟
الجواب : نعم ، الكورد منخرطون في الانتفاضة ، ومن مصلحتهم أن تصل الأمور إلى مستوى التغيير الشامل ، الذي يؤدي إلى بناء دولة وطنية مدنية ، دولة الحق والقانون ، دولة تقر بحقوق كافة أبنائها ومكوناتها القومية والاثنية والطائفية ، دولة تعترف بحقوق الشعب الكردي القومية والسياسية ، عبر تغيير دستوري ينص على ذلك .
وإلغاء كافة القوانين والمراسيم والإجراءات الاستثنائية التي طبقت وفرضت على المناطق الكردية .
نحن نرى أن مشاركة الكرد في الانتفاضة الشعبية ليس كافيا حتى الآن ويجب أن ترتقي إلى مستواها المطلوب ، في نظر وضمير القوى الفاعلة على الأرض ، وتغطي الساحة السياسية الكردية في كل المناطق ، وتعبر بشكل واضح عن مدى الحاجة الكردية إلى التغيير الوطني والديمقراطية ، لصالح الشعب السوري ومكوناته المتعددة ، الذي عانى طوال العقود الماضية من الظلم والاستبداد والقمع والقتل والاعتقال .
يجب أن نقر بأن الظروف قد تهيأت ، وأن التغيير مسألة حتمية ، ولذلك فإن كل المراهنات الأخرى يجب أن تغادر مخيلة البعض المتردد في حسم خياره السياسي .
فالمرحلة خطيرة وحاسمة وهي لمصلحة الشعب وخياراته نحو الحرية والكرامة والمستقبل الباهر والمشرق .
أما دور الحركة الوطنية الكردية في الانتفاضة الشعبية ، فيجب أن يكون دورا مشاركا وداعما وتفاعليا مع الحراك الشبابي ومع مطالبه الوطنية ، هؤلاء الشباب الذين يواجهون بصدورهم العارية ، وبحراكهم السلمي الحضاري ، قوة السلطة العسكرية والأمنية ، وكتائب الشبيحة المجرمين .
س3- لماذا لم تتشكل إلى الآن كتلة (مجلس) كوردية , ولماذا تمّ استبعاد بعض المثقفين المستقلين , وبعض الأطراف الكوردية ؟
الجواب : تشكيل كتلة كردية أصبحت من ضروريات العمل السياسي الكردي الناجح في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ سوريا الحافل بالاضطراب والتعقيد ، والذي إن لم نكن على مستوى فهمها واستيعابها ، وإدارتها بما يخدم مصلحة شعبنا وقضيتنا ، نكون قد فوتنا على أنفسنا فرصة مؤاتية ، لن تتكرر دائما .
أما لماذا لم تتشكل حتى الآن ، فإنها ترتبط بالمواقف والتوجهات غير المحسومة لدى أكثر من طرف ، بسبب تناول هذا الموضوع المهم بعقلية حزبية ضيقة ، بينما المطلوب إشراك كافة شرائح المجتمع الكردي ، حيث المؤتمر وطنيا ، لا حزبيا .
إن استبعاد بعض المثقفين ، وكذلك بعض الأطراف الحزبية ، تنبع في الأساس من الفهم الخطأ لطريقة بناء المؤتمر الوطني ، وللحساسيات الموجودة بين أكثر من طرف .
نحن أمام معضلة فهم الظروف والوقائع الجديدة التي تنشأ تباعا على الأرض نتيجة حدة الصراع الداخلي بين نظام سياسي شمولي وفاسد ومستبد وظالم ويستعمل القوة العسكرية بتطرف ضد انتفاضة الشعب السوري ، من جهة ، وبين الشعب الذي يريد الخلاص من الفردية والتسلط والاستئثار بكل شيء رغم إرادة السوريين ، وانعكاس ذلك على الحياة السياسية لمعظم القوى السياسية الكردية والعربية على السواء ، مما تضع هذه القوى أمام مراجعات سياسية متكررة دون أن تصل إلى القناعات الجديدة المطلوبة ، وحسم خيارها السياسي ، والانخراط في الحراك الشبابي والشعبي بشكل عام ، وصولا إلى رحيل النظام الأمني ، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية .
أنا أرى أن العمل من أجل عقد مؤتمر وطني كردي ، وحتى تستطيع الحركة الكردية أن تواجه بجدارة ومسؤولية الظروف الراهنة والأزمة المستفحلة على مستوى البلاد ، بخطاب سياسي موحد ، وتأطير وضعها التنظيمي ، يشارك فيه كافة أطياف ومستويات الفعاليات الكردية ، على قاعدة مؤسساتية ، من ضمنها مجلس وطني ولجنة تنفيذية وهيئات ، ولجان عمل ، والتعامل مع الظروف الراهنة ككتلة تمتلك القوة والتأثير ، وكذلك الدخول في حوارات المعارضة على هذا الأساس ، فإنه لا بد من أن تكون آليات بناء المؤتمر صحيحا ، حتى يأتي التمثيل معبرا عن طموحات وأهداف كافة شرائح مجتمعنا الكردي .
وحيث أن الحركة الكردية هي التي تقع على عاتقها مسؤولية إنجاز هذا العمل المهم ، فعليها استيعاب جميع المكونات السياسية والثقافية ، وتصحيح نسب حضور المؤتمر المطروحة بين المناطق الكردية حيث هناك فروقات شاسعة في النسب لا يمكن قبولها ، وكذلك فإن تمثيل الحراك الشبابي قليل جدا يجب تداركه ، إضافة إلى أن الهدف في الأساس من عقد مؤتمر وطني والوصول إلى المجلس الوطني واللجنة التنفيذية ، هو ترتيب البيت الكردي مؤسساتيا وعلى قاعدة برنامج سياسي يعبر عن طموح شعبنا في حل قضيته بشكل سلمي وحضاري .
أما ما نسمع من طروحات وتنظيرات حول الحوار مع السلطة أو الالتفاف على الحراك الشبابي ، فهو مرفوض جملة وتفصيلا ، والفكرة تنعكس على أصحابها عزلا في الوسط الكردي ، لا نريد لهم الانزلاق إلى هذا الدرك ، حيث اتجاهات الصراع الداخلي أصبح واضحا ومحسوما ، ولا يقبل التأويل أو المجانبة .
س4- لماذا لم ينضم حزب آزادي إلى الآن , إلى أي إطار للمعارضة السورية ؟
الجواب : مع احترامنا لخيارات أحزابنا السياسية الكردية في توجهاتها ومواقفها ، وأسلوب عملها ، إلا أننا نختلف معها في الكثير من هذه التوجهات ، وهذا من حقنا .
فنحن من حيث المبدأ جزء من المعارضة السياسية السورية ، ولكن ذلك لا يفترض بالضرورة أن ندخل في الأطر أو الكتل السياسية الموجودة والتي نشأت في ظروف نعرفها جميعا ، من حيث تشكيلها أو برنامجها السياسي الذي لم يأخذ بعين الاعتبار وجود شعب كردي له امتداد تاريخي أصيل في المنطقة ، وله قضية قومية لم ينظر لها بالشكل المطلوب ، إلا ضمن سياق المواطنة ، ولهذا كنا نختلف بشكل مستمر حول هذه المسألة ، رغم أننا وباقي المعارضة العربية السورية في موقع العمل المشترك ، بالتنسيق والتعاون كقوى متحالفة معا من أجل التغيير الديمقراطي، والدولة المدنية .
ويؤسف أن المعارضة السورية حتى الآن ، وفي ظل الظروف الراهنة التي لم تميز فيها السلطات كثيرا بين كردي وعربي ، ووضعت الجميع أمام فوهة المدفع والرشاش ، لم تستطع أن تتفهم القضية الكردية ؛ بل أرادت أن تحتويها بدل الاعتراف بها ، بينما كان عليها أن تقر بوجود الشعب الكردي كمكون قومي أساسي إلى جانب المكون العربي ، وبالتالي القبول بحل سياسي عادل لقضيته .
س5– الكلمة الأخيرة .