ماهية العلاقة بين المثقف والسياسة في زمن عزلة الثقافة والركود السياسي

إبراهيم بهلوي

في كتابة للأستاذ والكاتب دهام حسن تحت اسم ” ماهية العلاقة بين الثقافة والسياسة” المنشور على بعض المواقع الإلكترونية ذكر فيها الصراع بين المفهومين مؤكداً خصوصية كل منهما في إطار الفكر والتحليل منتقداً في الوقت نفسه الفعل المنعكس السلبي في رفض الحرية للمثقف من قبل السياسي الذي يعيش هالة من التقمص زمن الحريات، كما وذكر الأستاذ دهام العزيز ” إن النظم الاستبدادية تتخوف من الثقافة حينما تستحوذ على أذهان الجماهير، وتتحول إلى قوة مادية، لها التأثير في التحولات الجارية” فليسمح لي بزيادة بعض الامور في سياق المفهوم نفسه وضمن إطار المنظمة السياسية التي تحوي كل من السياسي والمثقف معاً.
وقد حدد الكاتب عبد الرحمن منيف في كتابه بين الثقافة والسياسة قائلاً “بما ان العمل السياسي وفي المرحلة التي نعيشها الآن ، لا يقوم على مبادئ واضحة أو برامج محددة ،لذلك هو أقرب إلى البداية ،ويفتقر في   قراءته للواقع إلى العملية ، وتغيب عنه الظواهر في سيرورة متكاملة ومترابطة”.
أما المنظمة السياسية بصيغتها الراهنة انعكاس لهذا الفهم البدائي أولاً وثانياً لمجموعة من العوامل والعتاصر التقليدية التي تقوم على آساسها السياسي، التي لا تعدو ان تكون شكلاً من أشكال حشد الأنصار عن طريق الترغيب والتلويح بتحقيق منافع مباشرة بالإضافة إلى أستخدام علاقات القرابة والصداقة والقبيلة ،واللجوء إلى المبالغة والتخوين من الآخر، وكصيغة من صيغ الدفاع عن النفس.

يتم كل ذلك ضمن منطق الأستمرار في الزعامات التقليدية السائدة واساليبها، لذلك فأن المنظمة السياسية ليست أكثر من إطار تكون نتيجة عوامل بدائية وهشة، أي ان المنظمة لا تقوم على أساس فكري أو طبقي، كما لا تمثل شرائح متجانسة مما يجعلها اقرب إلى التجمع الأنتهازي المعرض دائماً للتفسخ والتغيير تبعاً لصالح بعض أفراده.
في ضوء هذا الوضع السياسي وأشكاله من الطبيعي أن يكون دور الثقافة هامشياً لا يتعدى الديكور ، وان يكون المثقف في المنظمة السياسية عنصراً ثانوياً ومن الطبيعي أيضاً أن يقع التباعد في الفهم والعلاقة بين المثقف والسياسي ، ولا يلبث أن يصبح هذا التباعد خلافاً فافتراقاً وربما عداءً بين الطرفين.
وقد لا تظهر الشروخ واضحة المعالم وجادة في فترات معينة ، خاصة في أزمنة الرخاء،فما دام السياسي قادراً على تسخير الثقافة لخدمة عمله اليومي ، وما دام “المثقف” راضياً يقوم بهذه المهمة فأن تعايشاً من نوع ما يخيم داخل المنظمة السياسية،لكن إذا تمرد المثقف على الدور الذي يسند إليه، أو لم يقم بواجب الأفتاء والتبرير ، او إذا مارس حقه الديمقراطي بالنقد والاختلاف ،عندئذاً لا بد أن يقع الخلاف بين الطرفين، وغالباً ما يلجأ السياسي إلى معاقبة المثقف وحده بل ومعاقبة الثقافة، بأعتبارها ترفاً او خيالاً وأنها تعيق العمل السياسي وتخلق له الصعوبات.
أما في حالة الأزمات السياسية والتي تمر بها معظم الدول الشرق الأوسطية والتي عكرها السلطات الأستبدادية بسماجتها وطرق الفرض والجزية ، أقتبستها حالات السياسية في بسط سيطرته على المثقف الذي بجواره ورفض كل ما ينفيه السلطة- السلوك مختلف والمفهوم واحد- فقد أزالت الأزمة القناع عن السياسي وجعله ينجر ويجيز عبارات التقرب وما كان ثانوياً أصبحت من الأولويات في الفكر السياسي ، المنعطف الخطير للأزمة تحول إلى نوعاً من الحرية للمثقف يملي قلمه وفكره بحرية التي كانت مقيدة زمن تسلط السياسي وزمن الرخاء، عندئذاً فأن الأزمة جعل من السياسي أن يقدم بعض التنازلات فيرجع قليلاً  فاسحاً المجال أمام المثقف لا أمام الثقافة، لضرورات فرضت منطقها وبعض شروطها ، مع ذلك تبقى الحالة هشة ومؤقتة لأن المنطق مايزال مسيطراً وهو أقرب إلى التواطئ الصريح من جانب كليهما دون قناعة الأول” المثقف” في أن الأمور تسير لصالح الثقافة ويمكنها من بسط الثقافة ويبقى العلاقة أشبه بسوء الظن وغالباً سوف تنتهي بأفتراق لاحق او بتدجين الضعيف وهو المثقف والثقافة في اغلب الاحيان.

وان تكرار هذه الحالة من الأزمات لربما تجعل السياسي امام واقع بان هناك نواقص فيسمح للمثقف في ممارسة دوره في النقد وتقديم الحلول أذ يتقدم في ملئ الفراغات بصيغ وانماط اقرب إلى الرغبة او التمني، وغالباً ما تكون الحلول المقدمة نتيجة ردة فعل لصيغ سابقة وأن معظم المثقفين ينطلقون من فرضيات ومقولات قد لا تمت للواقع الملموس بصلة وأنما هي نتيجة ثقافة معزولة مستمدة من الكتب فقط وتعتمد مرجعيات مختلفة مما يجعلها عرضة للسقوط الأمر الذي ينعكس سلباً على الثقافة ككل وعلى المثقفين أيضاً، أي لا نستطيع تبرئة المثقف أيضاً في مضمون العلاقة المتأزمة كما لخصها منيف بـ”ولا يمكن أن نجعل المثقف بديلاً عن السياسة ،كما أن العمل السياسي لا يستند إلى ثقافة غير قادرة على مواجهة المشاكل التي تعاني منها الجماهير وكيفية حلها، وهنا يمكن الرجوع إلى معادلة جديدة غير التي حكمت العمل بها في السابق ، بحيث تكون الثقافة ركيزة أساسية في العمل السياسي وجزءاً منه”، وهذا يتطلب جهداً ومشاركة الطرفين لكي يتم التوصل إلى حل صعوبة العلاقة كما يجب أن تكون واضحة ومعبرة عن قناعة الطرفين وان تراجع وتصحح حسب المتغيرات الجارية في عالم شديد السرعة والإضطراب وأن يكون مثقف اليوم ليس شاعراً للقبيلة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…