الكورد … وتاريخ سورية الحديث !!؟

أحمد حيدر

لم يعد خافيا على أحد بأن أية قراءة لتاريخ سورية الحديث تغفل دور الكورد في نهضتها واستقلالها ستكون قراءة غيرمنصفة ومحاولة بائسة لاخقاء الجزء الأهم منه وإقصاء أحد أهم مكونات المجتمع السوري (القومية الثانية في البلاد) خاصة في ظل هذه المتغيرات المتسارعة التي نلعب تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات (ثورة الإنفوميديا) دورا لايستهان به أسهمت في خلخلة الرؤى وفرضت آليات جديدة لكتابة التاريخ فهناك حراك –لم تشهده المنطقة منذ أكثر من نصف قرن – وظهرت قوى اجتماعية جديدة أخذت تحتل مكانا لها في الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي وجيلا جديداً منفتحاً على الثقافة الكونية يرفض الأطر التقليدية  والوصايا البطريركية ويعبر بجرأة عن آلامه وآماله ولم تعد مقولة الأقوياء يكتبون التاريخ تصلح لهذا العصر (المتحول) فالضعفاء صاروا يكتبون التاريخ بطهرهم ودمائهم …
محمد البوعزيزي الذي أشعل النار في جسده يكتب أجمل فصل من تاريخ تونس الحديث  
وخالد عزيز الذي قتل تحت التعذيب في أقبية أجهزة المخابرات المصرية الجريمة النكراء التي شحذت عزائم الشباب يكتب أجمل فصل من تاريخ مصر
المؤلم أن تاريخ هذه الحقبة الغنية بالمآثر والتضحيات التي قدمتها جميع شرائح المجتمع : (العرب والكرد والمسيحيين والدروز والعلويين) من درعا في أقصى جنوب البلد إلى عامودا في أقصى شماله كتب استجابة للنزعة الأيديولوجية لم يكتب بروح علمية حيادية ولا يستند إلى أي عمق معرفي في التاريخ أكدت الوقائع بطلانها وصار الحديث عن تلك الحقبة التاريخية الهامة أومراجعة أحدائها والكتابة عنها بمثابة خط أحمر وعدواناً على التاريخ …؟ 
أضف إلى ذلك هيمنة الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام الرسمية الموجهة (الإذاعة –التلفاز-الصحف) فرضت ضخ معلومات وآراء مزيفة لتوجيه الرأي العام وتبني  قناعات تخدم سياساتها (الفئوية) وكرست الوسائل التعليمية (المناهج المدرسية) من الحضانة إلى الدراسات الجامعية هذه المفاهيم (القروسطية) فغيبت تاريخ رجالات في الفكر والسياسة والثقافة والأدب
غيب تاريخ من طعن الجنرال الفرنسي كليبر في مصر سليمان الحلبي الذي ينتمي إلى عائلة أوس قوبار الكردية من قرية (كوكان فوقاني) عفرين ومن حكم سوريا بعد جلاء الأتراك 1918 خلفاً للأمير محمد سعيد حفيد عبد القادر الجزائري اللواء شكري الأيوبي ثمّ عين حاكماً على بيروت ثُمّ حلب في حكومة علي رضا باشا الركابي ليسلم بعدها لقائد الجيوش العربية الأمير فيصل من عام 1918 إلى 1920 وأن أول رئيس سوري منتخب عام 1932 إلى 1936هومحمد علي العابد من أكراد دمشق إلى نيل استقلالها الذي تميزعهده بتحدّي القوى الوطنية لسلطة الاحتلال – وهناك شارع في وسط العاصمة دمشق يحمل اسمه – وان الذي أحبط المخطط الفرنسي في فصل دولة حلب عن سوريا هو المناضل الكردي إبراهيم هنانو –قائد ثورة الشمال –  قطع الطرق المؤدية إلى البرلمان يوم التصويت لمنع أعضائه من الوصول والتصويت على الانفصال وصار يوم وفاته (الشعب السوري واحد) للاحتجاج ضد حكومة الحسيني حتى استقالتها لتحل محلها حكومة الأميرعطا الأيوبي سليل عائلة كردية عريقة في دمشق
وأصبح الأمير عطا الأيوبي رئيسا للوزراء لفترة انتقالية نصب نفسه أيضا وزيراً للخارجية والدفاع والداخلية وأشرف على الانتخابات الرئاسية.

ترك منصبه في آب أغسطس 1943
كرمته الكتلة الوطنية بعد الاستقلال في عهد حكومة شكري القوتلي في نيسان  1946لخدماته الجليلة للثوار والكتلة الوطنية ودوره في تحقيق الاستقلال السوري
من المؤسف أن يغيب  تاريخ هؤلاء عن الأجيال القادمة البارافي  أول من رفع العلم السوري فوق البرلمان ولاتردد عن ظهر قلب قصائد الزركلي شاعرالثورة السورية  الكبرى وأن يغلف النسيان إبداعات رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق محمد كرد علي
في عهد جميل الألشي استلم حسني البرازي رئاسة الوزارة وهو من عشيرة البرازية الكردية كان البرازي قد تولى في عهد الملك فيصل متصرفية حمص كما شغل محافظة الإسكندرون المستقلة ومُفتشية عدلية سورية  انتخب عضوا في الجمعية التأسيسية سنة 1928  وساهم في تأسيس الكتلة الوطنية وشارك في وضع الدستور السوري  وتولى رئاسة الوزارة مع وزارة الداخلية عام 1949  وعين مُحافظاً لمدينة حلب وانتخب عضوا في الجمعية التأسيسية سنة 1949  وعيُن حاكما عسكرياً في 5 نيسان عام 1949وأصدر جريدة الناس التي توقفت سنة 1955
ويجهل أبناء هذا البلد بأن صاحب أول انقلاب عسكري في تاريخ سوريا الحديث هو من أصل كردي حسني ابن الشيخ رضا بن محمد بن يوسف الزعيم البهديني من مواليد حلب عام 1897 كان والده مفتيا في الجيش العثماني استشهد أثناء الحرب العالمية الأولى في ليلة 30 آذار 1949 قام بانقلابه  فاعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس وزرائه وبعض رجاله وحل البرلمان وقبض على زمام الدولة ولقب بالمشيروفام بحل البرلمان وشكل لجنة دستورية لوضع دستور جديد وقانون انتخابي جديد وشغل عبد الباقي نظام الدين وزيراً للزراعة في حكومة خالد العظم في كانون الأول 1949واللواء أركان فوزي سلو أحمد بن عبدالله بن إسماعيل بن سليمان بن سمكو بن سلو آغا البهديناني الذي رقي إلى رتبة زعيم “عميد” في 16 نيسان 1949 عين رئيساً للأركان العامة  وأثناء استقالة هاشم الأتاسي تسلم الزعيم سلو منصبي رئيس الدولة ورئيس الوزراء في 3 شباط 1951 وتولى في آذار 1953 مهام وزارة الدفاع بالإضافة إلى منصبه  وفي 1 أيار رقي إلى رتبة لواء  وأُحيل على التقاعد في 11 آذار 1953 وغادر دمشق إلى السعودية وعُين هناك مستشاراً عسكرياً للملك سعود  
أخيراً أن التاريخ لايرحم وان عصرنا ليس عصر غوبلز
السؤال الذي يطرح نفسه ونحن نعيش عصر الثورة الرقمية

هل سيعيد التاريخ نفسه ؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…