الإطار الفكري …!

  خليل كالو

  بداية وفي موضوع منفصل نعتذر للملا عيسى وعائلته الكريمة عما فهم  في مقال سابق ولم نقصد الإساءة لهم … فمن الصعوبة بمكان أن تقنع شخص ما من خلال إطارك الفكري ما لم يكن هذا الشخص منتميا إلى الحظيرة الفكرية التي تنتمي إليها أو مهتم به ولو قليلا.

فمثلا لا يمكن فهم وإقناع رجل دين تقي بالفكر الماركسي ما لم تكن أنت عالم دين مثله وكذلك يستحيل الطلب من كردي حتى لو كان يزعم بأنه من النخبة أن يقوم بالعمل الكردايتي وهو غير مؤمن والكردايتي ليس من المفردات المحتواة في إطاره الفكري والذهني والوجداني.

فانتماء الفرد منا إلى المتحد الكردي ليس بكاف أن يقوم بالعمل الكردواري إلا إذا تم تحديث وتغيير إطاره الفكري والثقافي باتجاه دائرة الكردايتي.
 كما لا يمكن لشخص ما له إطار فكري ومعرفي محدود ومعين أن يفهم العالم من حوله دون أن يتابع العلوم والمعارف التي تنور له طريق الفهم والتفاعل معه.

وليس بوسع المرء  أن يتعلم من منهل لا علمي ومن دون قراءة في كتاب اختصاص أو مصدر تنوير كما كان يفعله آبائنا حينما كانوا يجلسون في ظل حائط مسجد القرية وهم يتناقشون في مسائل ماضية حيث إطارهم الفكري لا يستوعب إلا الذي جرى ورأوه بأم عينيهم رافضين الحديث عن المستقبل لأن ليس لديهم ما هو حافز لذلك  وبالمثل ما جرى مع النخب الكردية أيضا من مثقفين وسياسيين وفشلوا في أداء رسالتهم حينما ابتعدوا عما يشغل بال العامة من الكرد وتنافسوا على الأطر الفلسفية والفكرية التي كانت بعيدة عن مشاغل واهتمامات الكرد فالأحزاب التي حققت بعض النجاح بين المجتمع الكردي وبالرغم من أنها  لم تفلح في تحقيق شيء ملموس كانت من الأحزاب البدائية التي لم تخرج من الإطارات الفكرية التي كانت تهتم بها عامة الناس من الكرد وهنا أيضاً  يؤسفنا القول أن نرى عالم الكرد إذا جاز التعبير بعيد كل البعد عن مواكبة التطور العلمي والفلسفي أو الاقتباس والتأثر به الذي هو غارق في كيفية حصوله على الحرية ولم ينلها بعد  ولا يزال المثقف الكردي غافل أو منشغل عنه ولعل بعضهم لم يسمع عنه قليلا أو كثيرا في الوقت الذي نحن من قبلنا لا نريد أن نفرض رأياً على أحد بقدر أن نحث بعضنا على العمل من كل الجوانب لعل وعسى أن يقدم شيئا من المعلومة الصحيحة والرأي السديد ولفت الانتباه والتنوير.

 

       قال أحد المتنورين ” لا أريد أن أقنع إلا من يريد أن يقتنع أما الذي لا يريد أن يقتنع فليس لدينا أية حيلة معه..كما نقر من جانبنا أيضاً أن من البلاهة أن نحاول إقناع غيرنا على رأي من الآراء بنفس البراهين التي نقتنع بها أنفسنا وحتى يكون الإقناع ممكنا يجدر أن تغير وجهة إطاره الفكري أولا وحينها تجده قد مال إلى الإصغاء بشكل غريب .

لهذا نرى بأن المقالة المكتوبة من قبل أحد الكتاب لا يمكن أن يقنع كل القراء وقد لا يثير اهتمامه  لأن كل شخص ينظر إلى القضية التي ينظر إليه صاحب المقال من زاويته الخاصة به بسبب الاختلاف في الإطارات الفكرية لدى كل واحد منهم وكذلك طبيعة دائرة اهتمامات الشخص المتلقي أي أن عقل الفرد منا قد وضع في إطار خاص الذي يسمى أحيانا بالفكر المؤطر .لقد أشار معظم الباحثين في مجال سلوك الإنسان أنه قد اعتاد أن ينظر إلى الكون والبيئة التي حوله من خلال إطار فكري يحدد مجال نظره وما يلزمه وأنه يستغرب أو ينكر أي شيء لا يراه من خلال ذلك إطار.

فغالبا ما يكون الفرد منا يشبه الحصان الذي يجر العربة في حارات القامشلو أيام زمان وقد وضع على عينيه إطار لكي يتوجه ببصره إلى الأمام فلا يرتبك أو يخرج عن منحى مساره  لذا لا يكون هناك فرقا أساسيا بين المتعلم وغير المتعلم في هذا الخصوص في الإطار الفكري كثيرا ربما كان الفرق إن وجد إنما هو بالدرجة لا بالنوع فكثيرون منا من يحمل الشهادة العلمية ولكن من حيث نمط الفكر والتفكير والتفاعل مع المحيط لا يختلف عن جاره السمان وسائق تكسي الأجرة .
 
لا شك أن مستقبل الكرد  بأيديهم ومن يدعي غير ذلك فهو على خطأ وكذلك مثلهم الأفراد إذ يستطيعون أن يصنعوا أنفسهم حسب ما يشاءون  بحزمهم وإرادتهم وسعيهم واجتهادهم .

كما أن هناك عوامل نفسية جعل من هذا الشعب وذاك ناجحا أو مخفقا في داخل نظام  فكري ومعرفي معين وكذلك الأفراد إذ أن النجاح في الحقيقة أمر نادر لا يستطيع أن يناله إلا القليل من الناس مهما كان نوع النظام الذي يعيشون فيه فلو نحج جميع الناس وبرعوا كلهم على درجة واحدة لوقف التطور الاجتماعي ولأصبح الناس كأسراب النحل التي تصنع الخلية وتجمع العسل.

إذن التطور البشري ناشئ من المنافسة الحادة التي تدفع كل فرد على أن يبرع وأن يتفوق على غيره فالتطور قائم من دون شك على أكوام من أبدان الضحايا أولئك الذين فشلوا في الحياة فصعد على أكتافهم الناجحون والإسقاط بالمثل نجد أن النجاح الذي يسعى إليه بعض الكرد هو على حساب فشل الغير والصعود على كتفه بعمل فاشل الذي يدعى بالنجاح الزائف الذي يأتي من الوساطة أو القربى أو التملق أو السمسرة أو الحكم المسبق والتشفي والسطو .تلك هي الطرق التي يلجأ إليها النفوس الضعيفة وهذا ما يعانيه المجتمع الكردي منذ قرون فكل نجاح لا يستفيد منه الفرد والمجتمع لا يعدو نجاحا ويجب أن يبقى أثره أيضاً على مرور الأجيال .

فالنجاح الحقيقي هو نجاح المخترع والمكتشف والعالم والباحث والمعلم والقائد والزعيم والمقاتل والمناضل وغيرهم من أولئك الذين يضيفون إلى التراث ونبض الحياة  كل يوم شيئا جديداً  .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…