مصطفى إسماعيل
السوريون ليسوا كتلة واحدة, والمكونات السورية العديدة لا تشكل متحداً متناغماً, وسوريا مذ عرفناها هي عبارة عن دولة كانتونات غير متحدة, فالعرب السوريون مشدودون إلى الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج, والكورد ينتمون إلى الفضاء الكوردي في الأجزاء الثلاثة من كردستان الموزعة بين العراق وتركيا وإيران, والآشور يعنيهم فضائهم الآشوري في تركيا والعراق, والأرمن السوريون يتعاملون مع أنفسهم كجالية كبرى في المنطقة لدولة أرمينيا, والشركس لم يغادروا بعد هواهم القوقازي, والشيعي السوري تكمن مرجعيته في قم الإيرانية, إضافة إلى: السريان, والكلدان, والتركمان, والسنة, والاسماعيلية, والمرشدية, والدروز, والعلوية,وعديد الطوائف المسيحية, واليزيدية,وبعض اليهود.
كان يمكن للتعددية العرقية والإثنية في سوريا أن تكون عامل غنى وثروة, ولكن الحكومات والأنظمة السورية المتعاقبة لم تفلح في دمقرطة الحالة السورية والتعامل مع التعددية بعقل ديمقراطي محض, بل أبقت على البث التجريبي للتنافر العرقي والإثني, من خلال اعتماد سياسة القومنة الأحادية للدولة والصهر القومي وتنمية الكراهيات الفطرية المستترة بين المكونات,ولعل حزب البعث الحاكم في سوريا يعد المسؤول بالمطلق عن تهشيم الفسيفساء السوري, عبر إغراقه البلاد بالسياسات الداخلية العبثية المفوتة, إذ أقام تعارضاً في المفهوم بين الوطني والقومي,فالموقف العدمي للبعث ألحق أفدح الأضرار بالوحدة الوطنية عبر إثارة الشبهات حول ما هو وطني لاعتباره معادياً للقومية العربية في طبعتها البعثية المنفعية / الأداة لبلورة النفوذ والهيمنة, وخلق حدائق خلفية ملحقة بخطابها السياسي التثقيفي الديماغوجي.
رتب التنسيق البعثي الأمني للحياة الداخلية في البلاد المكونات السورية في غيتوهات ضيقة ومنغلقة, منفصلة عملياً ومتصلة نظرياً, فالنظام الأمني البعثي في سوريا صاحب مشروع كارثي في تذكية وتنمية التعصب القومي والديني والطائفي والمذهبي ورعايته,بالغاً أقصى درجات التناقض البنيوي بين الشعار والممارسة, فالنظام الذي حارب بالبارود والنار التيار الإسلامي في سوريا ثمانينيات القرن العشرين, مرتكباً خلاله فظائع ومجازر جماعية, هو نفسه الذي رمى كامل بيضه في سلة أهل السنة, فاجتاحت سوق الكتاب مؤلفات دينوية سقط متاع وسطحية, لا تسهم إلا في رمي العقل إلى حاويات القمامة,متحولاً إلى حاضنة للتيارات السلفية والتكفيرية, استثمرها جيداً في العراق ولبنان, فاتحاً الأبواب أمام انتشار الوهابية وظاهرة القبيسيات في سوريا, مضافة إلى الأبواب المشرعة أمام مشروع تشييع سوريا, الأمر الذي يشي بذروة التناقض البنيوي بين شعاراته وإيديولوجيته العلمانية من جهة وممارساته العيانية الواقعية من جهة أخرى,فالبعث العلماني اختار أن يضع العمامة على رأسه.
في الحقل الطائفي والمذهبي, تم تحويل مؤسسات الدولة دون استثناءات إلى مربع وملهى للطائفة العلوية, فغالبية ضباط الجيش ينحدرون منها, وغالبية مديري الأجهزة القمعية وعناصرها منها, وصار متعارفاً عليه أن الحصة الأسد من التعيينات في القطاع العام الحكومي هي لأبناء الطائفة العلوية,ونخص بالذكر سلك التدريس والتعليم, إذ تشهد المدارس في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد كثافة في أعداد المعلمين والمعلمات الوكلاء المستقدمين من الغرب السوري على حساب أبناء وبنات تلكم المناطق, وفي سياق متصل لاعتماد النظام على الطائفة العلوية, فقد أوشكت اللهجة ( الساحلية : العلوية ) أن تصبح اللغة الرسمية للبلاد, كان الأمر يحتاج إلى تعديل دستوري فقط, أليس الانتشار الهائل لمطربي الكراجات : علي الديك وإخوانه ووفيق حبيب..
إلخ إهانة للذائقة السورية والفن السوري ؟.
بذا فصم النظام العرى النفسية بين تلكم الطائفة والمكونات السورية الأخرى.
قام النظام أيضاً باحتواء الطوائف المسيحية العديدة في سوريا : الروم الأرثوذكس, والسريان الأرثوذكس, والأرمن الأرثوذكس, والروم الكاثوليك, والسريان الكاثوليك, والأرمن الكاثوليك, واللاتين, والنساطرة, والموارنة, والكنائس البروتستانتية..
إلخ.
من أجل تقديم سوريا للخارج على أنها النموذج الأيقوني لدولة التسامح بين الأديان, وقد أسهم ترويضها لرؤوس تلك الكنائس في امتداد ترويضها إلى الفضاء المسيحي المتعدد في سوريا, ولا نستغرب إذا كان بعض الإخوة الآشوريين في المنظمة الآثورية الديمقراطية يشكون من لا مبالاة المكون الآثوري تجاه السياسة, وتحول رجل الدين المسيحي إلى رجل أمن فوق رؤوسهم, عموماً فإن المدركين لألاعيب السلطة كانوا يعون جيداً أن المشاهد التلفزيونية التي كان يقدمها تلفزيون النظام ويظهر فيها التناغم بين رجال الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي, كانت لا تعدو أن تكون مشهداً سوريالياً ليس إلا, لمعرفتهم الأكيدة بالنظام الذي قام بتدجين الأديان السماوية وترويضها وتحويلها إلى مؤسسات أمنية ضاربة إضافية في الداخل.
تلقى المكون الكردي لسوريا حصة الأسد من قمع نظام الأسد, فقد أجزل عليهم بالعطاءات الاستثنائية: الحزام العربي (مصادرة أراضي الكورد الزراعية وتوطين العرب السوريين فيها), وفتح المعتقلات والسجون السورية على مصراعيها أمام النشطاء الكرد, قتل مجنديهم أثناء الخدمة الإلزامية في الجيش السوري, محاربتهم على الهوية, رفض إعادة الجنسية السورية إليهم, المرسوم 49 لعام 2008 الذي وضع قيوداً على حرية التملك في المناطق الكردية (وأيضاً بعض المناطق السورية الأخرى) بهدف شل أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية الكردية, النقل التعسفي الذي استهدف الموظفين الكرد في القطاع الحكومي وتحديداً منهم العاملين في سلك التربية,إلى جانب العشرات من السياسات والممارسات الإقصائية الشوفينية الأحادية للصهر القومي للمواطنين الكرد السوريين, الذين حولهم البعث إلى مجرد رعايا لا مواطنين.
هذه الحرب البعثية الأمنية من لدن نظام الأسد المعلنة على الوجود الكردي في سوريا والتي وصلت ذروتها في مارس / آذار 2004 جعلت المستشرق الهولندي ” نيكول سماير ” يعدها (عنوان نهاية النظام السوري).
لم يك النظام السوري معنياً يوماً بالوحدة الوطنية في البلاد, ولم يحاول يوماً احترام الوحدة الوطنية في البلاد, فمن المواد الأولى في دستوره الأحادي إلى ممارساته المتغولة على الأرض لم ينجح النظام سوى في إنتاج القطيعة بين المكونات السورية وترسيخها إلى يوم الدين السوري, ولا نستغرب بناء على ذلك اتهام أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق وعلى رأسهم د.
فداء الحوراني بتشجيع الكرد على الانفصال عن سوريا, ومعرفتنا الأكيدة بالنظام الذي حاول لعقود هدم الجسور بين السوريين, تجعلنا لا نستغرب تعرضنا وتعرض غالبية النشطاء الكرد السوريين لمحاكمات جائرة بتهم شتى تأتي في طليعتها تهمة ( محاولة اقتطاع جزء من أراضي الدولة السورية لضمها إلى دولة أجنبية ), وهي تهمة أقل ما يقال عنها أنها مضحكة ومثيرة للسخرية, وقد قلت في معرض الرد عليها أمام محكمة الجنايات العسكرية بحلب يوم 26 سبتمبر / أيلول 2010 : إذا كان النظام السوري يريد عودة الجولان المحتل منذ 1967 فأنا كناشط كردي سوري أريد أبعد من ذلك عودة لواء الاسكندرون المحتل من قبل تركيا منذ 1938.
تأسيساً على ما تقدم, من إيراد بعض حالات التكسير المجتمعي في سوريا التي قامت السلطات بارتكابها, فإني أذهب إلى حد القول, أن السوريين سيعانون في مرحلة ما بعد النظام الحالي الأمرين, إذ ليست عملية إشادة عقد اجتماعي جديد في سوريا وضخ ثقافة اندماج عمليانية في سوريا مجدداً بالأمر الهين واليسير ظل تقسيم الدولة البعثية العائلية الأمنية لسوريا إلى مكونات غيتوهية منغلقة على أولوياتها, ومحلقة خارج السرب, وقد تطول مرحلة الوصول إلى الاندماج الطوعي الحقيقي الواعي والتشاركية الوطنية السورية لعقود, ولن نشهد ذلك إلا بعد حزمة قوانين جديدة, وضمانات دستورية كفيلة بنقل السوريين من رهائن الشمولية إلى كائنات حرة في بلد يقدس الحرية.
رتب التنسيق البعثي الأمني للحياة الداخلية في البلاد المكونات السورية في غيتوهات ضيقة ومنغلقة, منفصلة عملياً ومتصلة نظرياً, فالنظام الأمني البعثي في سوريا صاحب مشروع كارثي في تذكية وتنمية التعصب القومي والديني والطائفي والمذهبي ورعايته,بالغاً أقصى درجات التناقض البنيوي بين الشعار والممارسة, فالنظام الذي حارب بالبارود والنار التيار الإسلامي في سوريا ثمانينيات القرن العشرين, مرتكباً خلاله فظائع ومجازر جماعية, هو نفسه الذي رمى كامل بيضه في سلة أهل السنة, فاجتاحت سوق الكتاب مؤلفات دينوية سقط متاع وسطحية, لا تسهم إلا في رمي العقل إلى حاويات القمامة,متحولاً إلى حاضنة للتيارات السلفية والتكفيرية, استثمرها جيداً في العراق ولبنان, فاتحاً الأبواب أمام انتشار الوهابية وظاهرة القبيسيات في سوريا, مضافة إلى الأبواب المشرعة أمام مشروع تشييع سوريا, الأمر الذي يشي بذروة التناقض البنيوي بين شعاراته وإيديولوجيته العلمانية من جهة وممارساته العيانية الواقعية من جهة أخرى,فالبعث العلماني اختار أن يضع العمامة على رأسه.
في الحقل الطائفي والمذهبي, تم تحويل مؤسسات الدولة دون استثناءات إلى مربع وملهى للطائفة العلوية, فغالبية ضباط الجيش ينحدرون منها, وغالبية مديري الأجهزة القمعية وعناصرها منها, وصار متعارفاً عليه أن الحصة الأسد من التعيينات في القطاع العام الحكومي هي لأبناء الطائفة العلوية,ونخص بالذكر سلك التدريس والتعليم, إذ تشهد المدارس في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد كثافة في أعداد المعلمين والمعلمات الوكلاء المستقدمين من الغرب السوري على حساب أبناء وبنات تلكم المناطق, وفي سياق متصل لاعتماد النظام على الطائفة العلوية, فقد أوشكت اللهجة ( الساحلية : العلوية ) أن تصبح اللغة الرسمية للبلاد, كان الأمر يحتاج إلى تعديل دستوري فقط, أليس الانتشار الهائل لمطربي الكراجات : علي الديك وإخوانه ووفيق حبيب..
إلخ إهانة للذائقة السورية والفن السوري ؟.
بذا فصم النظام العرى النفسية بين تلكم الطائفة والمكونات السورية الأخرى.
قام النظام أيضاً باحتواء الطوائف المسيحية العديدة في سوريا : الروم الأرثوذكس, والسريان الأرثوذكس, والأرمن الأرثوذكس, والروم الكاثوليك, والسريان الكاثوليك, والأرمن الكاثوليك, واللاتين, والنساطرة, والموارنة, والكنائس البروتستانتية..
إلخ.
من أجل تقديم سوريا للخارج على أنها النموذج الأيقوني لدولة التسامح بين الأديان, وقد أسهم ترويضها لرؤوس تلك الكنائس في امتداد ترويضها إلى الفضاء المسيحي المتعدد في سوريا, ولا نستغرب إذا كان بعض الإخوة الآشوريين في المنظمة الآثورية الديمقراطية يشكون من لا مبالاة المكون الآثوري تجاه السياسة, وتحول رجل الدين المسيحي إلى رجل أمن فوق رؤوسهم, عموماً فإن المدركين لألاعيب السلطة كانوا يعون جيداً أن المشاهد التلفزيونية التي كان يقدمها تلفزيون النظام ويظهر فيها التناغم بين رجال الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي, كانت لا تعدو أن تكون مشهداً سوريالياً ليس إلا, لمعرفتهم الأكيدة بالنظام الذي قام بتدجين الأديان السماوية وترويضها وتحويلها إلى مؤسسات أمنية ضاربة إضافية في الداخل.
تلقى المكون الكردي لسوريا حصة الأسد من قمع نظام الأسد, فقد أجزل عليهم بالعطاءات الاستثنائية: الحزام العربي (مصادرة أراضي الكورد الزراعية وتوطين العرب السوريين فيها), وفتح المعتقلات والسجون السورية على مصراعيها أمام النشطاء الكرد, قتل مجنديهم أثناء الخدمة الإلزامية في الجيش السوري, محاربتهم على الهوية, رفض إعادة الجنسية السورية إليهم, المرسوم 49 لعام 2008 الذي وضع قيوداً على حرية التملك في المناطق الكردية (وأيضاً بعض المناطق السورية الأخرى) بهدف شل أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية الكردية, النقل التعسفي الذي استهدف الموظفين الكرد في القطاع الحكومي وتحديداً منهم العاملين في سلك التربية,إلى جانب العشرات من السياسات والممارسات الإقصائية الشوفينية الأحادية للصهر القومي للمواطنين الكرد السوريين, الذين حولهم البعث إلى مجرد رعايا لا مواطنين.
هذه الحرب البعثية الأمنية من لدن نظام الأسد المعلنة على الوجود الكردي في سوريا والتي وصلت ذروتها في مارس / آذار 2004 جعلت المستشرق الهولندي ” نيكول سماير ” يعدها (عنوان نهاية النظام السوري).
لم يك النظام السوري معنياً يوماً بالوحدة الوطنية في البلاد, ولم يحاول يوماً احترام الوحدة الوطنية في البلاد, فمن المواد الأولى في دستوره الأحادي إلى ممارساته المتغولة على الأرض لم ينجح النظام سوى في إنتاج القطيعة بين المكونات السورية وترسيخها إلى يوم الدين السوري, ولا نستغرب بناء على ذلك اتهام أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق وعلى رأسهم د.
فداء الحوراني بتشجيع الكرد على الانفصال عن سوريا, ومعرفتنا الأكيدة بالنظام الذي حاول لعقود هدم الجسور بين السوريين, تجعلنا لا نستغرب تعرضنا وتعرض غالبية النشطاء الكرد السوريين لمحاكمات جائرة بتهم شتى تأتي في طليعتها تهمة ( محاولة اقتطاع جزء من أراضي الدولة السورية لضمها إلى دولة أجنبية ), وهي تهمة أقل ما يقال عنها أنها مضحكة ومثيرة للسخرية, وقد قلت في معرض الرد عليها أمام محكمة الجنايات العسكرية بحلب يوم 26 سبتمبر / أيلول 2010 : إذا كان النظام السوري يريد عودة الجولان المحتل منذ 1967 فأنا كناشط كردي سوري أريد أبعد من ذلك عودة لواء الاسكندرون المحتل من قبل تركيا منذ 1938.
تأسيساً على ما تقدم, من إيراد بعض حالات التكسير المجتمعي في سوريا التي قامت السلطات بارتكابها, فإني أذهب إلى حد القول, أن السوريين سيعانون في مرحلة ما بعد النظام الحالي الأمرين, إذ ليست عملية إشادة عقد اجتماعي جديد في سوريا وضخ ثقافة اندماج عمليانية في سوريا مجدداً بالأمر الهين واليسير ظل تقسيم الدولة البعثية العائلية الأمنية لسوريا إلى مكونات غيتوهية منغلقة على أولوياتها, ومحلقة خارج السرب, وقد تطول مرحلة الوصول إلى الاندماج الطوعي الحقيقي الواعي والتشاركية الوطنية السورية لعقود, ولن نشهد ذلك إلا بعد حزمة قوانين جديدة, وضمانات دستورية كفيلة بنقل السوريين من رهائن الشمولية إلى كائنات حرة في بلد يقدس الحرية.