قرار يكيتي خطوة في الإتجاه الصحيح.. و لكن

زيور العمر

كان قراراً خاطئاً عندما وقعت خمسة أحزاب كوردية في 30 يونيو الماضي  على وثيقة هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الوطني الديمقراطي .

فالمعارضة إثر الإعلان عن الإطار الوليد لم تتوحد.

و الأحزاب الكوردية التي كانت قد إتفقت للتو على مبادرة سياسية لحل الأزمة السياسية  في البلاد إنقسمت الى مجموعتين أحدها فضلت البقاء في إعلان دمشق , و أخرى إنضمت إلى هيئة التنسيق الوطنية .

و نتيجة القراءة الخاطئة أصبحت الأحزاب الكوردية  مشاركاً  في شرزمة المعارضة السورية بدلا من توحيدها ,  وفي موقع الإتهام جراء التنصل عن مبادراتها السياسية كغطاء للعمل الكوردي المشترك سياسيا  و ميدانيا, ومسؤولة عن التنازل عن الأسس التاريخية للقضية الكوردية في سوريا , و ذلك عندما وافقت لقوى عربية ضعيفة و هشة على إعتبار سوريا جزءا من الوطن العربي.

و مع ذلك , نقول أن قرار يكيتي بالإنسحاب من هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي قرار صائب  في الإتجاه الصحيح  يستوجب منا الإشادة به و دعمه و مساندته لعله يكون دافعاً للأطراف الأخرى لإتخاذ نفس الموقف و تصحيح الخطأ السياسي بحيث يكون بداية لمرحلة جديدة تتسم بالمسؤولية تجاه المرحلة التاريخية التي تمر بها سوريا حيث يثور الشعب السوري بجميع مكوناته و أطيافه ضد آلة القتل و السفك منذ إندلاع الإحتجاجات الجماهيرية  في 15 آذار و سيلان أول قطرة دم في 18 آذار.


فمنذ الإعلان عن إنضمام بعض الأحزاب الكوردية الى هيئة التنسيق الوطنية لم يشيد أي مراقب و متتبع كوردي به, بل بالعكس لاقى كافة أشكال النقد و التحفظ  في الأوساط الشعبية و بين قواعد بعض الأحزاب الموقعة , و أعتبرت الخطوة في حينها مؤشرا على أن البوصلة السياسية لتلك الأحزاب تشير الى الإتجاه الخاطئ , و أنها ستكون سبباً في إحداث شرخ و فجوة في علاقة الأحزاب الكوردية مع الحراك الشبابي  و موجة الإحتجاجات الجماهيرية.

فما أن أعلن عن تأسيس الإطار الجديد ـ هيئة التنسيق ـ  بدأ العد التنازلي لتفاعل تلك الأحزاب مع حركة الشارع و القوة الفاعلة له , حتى أضحت في موقع المناهض لها و في تناقض مع أهدافها و مسار تطورها.


و لعل المراقب الكوردي على وجه الخصوص لاحظ أن كل الأطر السياسية التقليدية و من بينها أحزاب الحركة الوطنية الكوردية  تنشد التغيير الديمقراطي ـ ظاهرياً على الأقل ـ من دون أن يكون المقصود به رحيل النظام القائم و هدم منظومته الإستبدادية الأمنية المقيتة , في إشارة الى غياب مشروع الدولة المدنية الديمقراطية عن برامج و تصورات تلك القوى و الأطراف كأساس لتحقيق المطالب القومية العادلة للشعب الكوردي .

و إذا كانت هنالك من معطيات تثير هذه الشكوك فإنها كانت بلا شك تصريحات قيادات الأحزاب الكوردية نفسها و التناقضات التي كانت تكتنفها , فمن جهة  تشكك الأحزاب الكوردية في عملية التغيير من ناحية أهميتها للشعب الكوردي طالما أنها ستأتي بقوى أخرى ـ المعارضة السورية ـ  الى الحكم التي لا تنظر الى القضية الكوردية على أنها قضية شعب يعيش في سوريا منذ فجر التاريخ و يشكل أحد مكوناتها الأساسية , يستوجب حلها الإقرار بالتعدد القومي في البلاد و إقرارها دستورياً, و تصر تلك الأحزاب الكوردية من جهة أخرى على البقاء الى جانب المعارضة السورية و الإنجرار خلف صياغاتها و مقارباتها الغير مقبولة للقضية الكوردية في أغلب الأحيان .
 
و السؤال : إذا كانت الأحزاب الكوردية لا تثق في المعارضة السورية و لا تجدها أفضل من النظام القائم , فلماذا تتحالف معها؟

لا شك أن الأمر يستدعي مراجعة واسعة لمجمل المواقف و الرؤى المطروحة , و لا سيما من قبل الأحزاب الكوردية , في ظل التباعد الحاصل بينها و بين الشارع .

فهذه الأحزاب يجب أن تدرك أن لا معين و لا سند  لها غير الشارع الكوردي و أي تجاهل لمزاج الجمهور الكوردي و مطالبه لن يؤدي إلا إلى تعميق الفجوة و توسيع الشرخ , و بالتالي لا مجال أمام هذه الأحزاب سوى الإلتحام مع حركة الشارع  و الإبتعاد عن حالة اللاموقف و الصمت و الضبابية إن كانت تريد لنفسها موقعاً متميزاً في الحركة الوطنية المطالبة بالتغيير الديمقراطي الحقيقي  في البلاد.

نقول مرة أخرى أن قرار يكيتي بالإنسحاب من هيئة التنسيق الوطنية هو خطوة في الإتجاه الصحيح , و لكنه لا يكفي ما لم يعلن الحزب و بكل وضوح وقوفه الى جانب الحراك الشبابي و دعمه و مساندته لحركة الشارع , و لتأكيد ذلك لا بد من  الإقرار :

1ـ  بأن لا حل لأية قضية وطنية في البلاد و في مقدمتها القضية الكوردية في ظل النظام القائم , و بالتالي لا مناص من رحيله .


2ـ وبأن الدولة المدنية الديمقراطية الراعية للحريات و العدل و المساواة هي الضمان الوحيد لإيجاد حل عادل للقضية الكوردية.


3ـ  و بأن الشارع الكوردي تقوده في الوقت الراهن مجموعات الحراك الشبابي الكوردي و يستدعي تقوية حراكها الإعلان عن المشاركة الحقيقية في أنشطتها و فعالياتها و ليس الإكتفاء بإرسال بعض الأفراد للمشاركة فيها .


4 ـ و بأن أي موتمر وطني كوردي لا يمكن أن يكتسب أي شرعية و مصداقية دون تمثيل حقيقي و لائق بنضالات الشباب الكورد و تضحياتهم , و لعل التمثيل بالثلث هو التمثيل الأكثر عدلاً.

إن أقر حزب يكيتي بهذه الحقائق و ترجمها في مواقف و تحركات على الأرض فإنه سيستعيد المكانة اللائقة بنضالات و تضحيات قياداته و كوادره بحيث تكون بداية مرحلة جديدة أساسها العمل من أجل مصلحة الشعب بعيدا عن الحسابات الحزبوية و المصالح الفئوية التي آذت الحزب في السنوات الماضية .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…