ترجمة برزو محمود[i]
لذلك، رأيت من الأهمية أن أعيد نشره مرة أخرى على صفحات الانترنت وعلى حلقتين.
(المترجم برزو محمود)
أن النقاش حول حقوق الشعب الكردي من خلال منظور القانون الدولي يثير مسألتين:
1.
مبدأ حق تقرير المصير للشعوب وممارسته.
2.
الفرص والمجالات التي تمنحها مبادئ حقوق الإنسان حول حماية الأقليات القومية.
وفي كلتا الحالتين لابد من وصف للخلفية التاريخية والثقافية.
بخصوص الحالة الأولى نرى أن المساعي الماضية من أجل تحقيق وحدة سياسية بما في ذلك تثبيت الهوية القومية، التي من الممكن إن تدعم المطالب الحالية من اجل حق تقرير المصير، تحتاج إلى خطة وبرنامج دقيق.
أولاً: الشعب الكردي وكردستان
يبلغ عدد الأكراد حوالي 16 مليون نسمة يعيشون في منطقة تقدر مساحتها بنصف مليون كم2 (…..) ومنذ سالف القرون تسمى هذه المنطقة بكردستان (موطن الأكراد).
ومن المحتمل أن يكون الأكراد أحفاد شعوب هندية – أوربية مختلفة استقروا في المنطقة المذكورة قبل ثلاثة أو أربعة آلاف سنة.
هذا عُرف الأكراد بشعب الجبال، وحاربوا البابليين والسومريين.
كما ويُعتقد أن الأكراد هم أحفاد الميدين الذين سحقوا نينوى في عام 612 ق.م.
لكنهم هُزموا على أيدي الفرس بعد ذلك بستين عاماً.
ومنذ آلاف السنين ثمة زواج بين الأكراد والشعوب الأخرى، مما يجعل الأمر صعباً أن نحدد أصولهم العرقية بشكل دقيق.
اللغة الكردية لغة هندو-أوربية تنتمي إلى مجموعة اللغات الإيرانية والأفغانية.
وللغة الكردية لهجتان رئيسيتان: الصورانية والكرمانجية، وجدير بالذكر أن اللهجة الصورانية قد تطورت كلغة مكتوبة، أما بخصوص الادب الكردي القديم فيعود تاريخ ظهوره إلى القرن السابع الميلادي، في حين أن قصة (مم وزين) مأثرة الأدب الكردي العظيمة، كُتبت في القرن السابع عشر.
وفي الوقت الذي انصهرت فيه المجموعات العرقية الأخرى في المنطقة مع جيرانها طوال قرون خلت، نلاحظ أن الأكراد قد حافظوا على شخصيتهم القومية على نطاق واسع، هذا ويثابرون في كفاحهم المستمر بهدف الحصول على استقلالهم.
ويعود ظهور أول صحيفة باللغة الكردية إلى عام 1898، عندما كانت الأمية منتشرة في كردستان بشكل واسع.
وجدير بالإشارة إلى أنه لا يوجد أبجدية مشتركة بين الأكراد حيث يستعمل أكراد تركيا وسوريا الأبجدية اللاتينية، ويستعمل كل من أكراد العراق وإيران الأبجدية العربية المعدلة، ويستخدم أكراد الاتحاد السوفيتي الأبجدية الكيريليكية.
دخل الأكراد الإسلام في القرن السابع الميلادي، وأصبح معظمهم ينتمون إلى المذهب السني.
لكن هناك أكراداً شيعة في إيران.
وللعامل العشائري أو القبلي دور كبير في كردستان لقوة الروابط العائلية، والولاء لحكم رئيس العشيرة.
وهذا ما عقّد ظهور حركة التحرر القومي الكردية.
ورغم أن الأكراد ومنذ آلاف السنين يعيشون في موطنهم في نفس المنطقة، لكن لم تكن لديهم دولة قط.
“إن أعظم شخصية في التاريخ الكردي هو صلاح الدين الأيوبي الذي دحر الصليبين وحكم سوريا ومصر في النصف الثاني من القرن الثاني عشر.
لكنه لم يستطع أن يمنح شعبه الاستقلال.
هذا وفي القرون القليلة التي تلت صلاح الدين حاربت العشائر الكردية المغول.
أما في القرن السادس عشر فكانوا يخوضون معارك طاحنة ضد الفرس والترك الذين كانوا يشجعون إنشاء الإمارات والمشيخات الكردية الصغيرة بهدف استخدامها بمثابة حواجز آمنة بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية.
وكان الكثير من هذه الإمارات والمشيخات قائماً حتى القرن التاسع عشر وتعيش دائماً في نزاعات وحروب داخلية بين بعضها البعض مما أدى إلى الحيلولة دون قيام دولة كردستان الموحدة والمستقلة”[2].
ثانياً: الصراع السياسي
ومقومات إقامة شبه دولة 1880 – 1980
تحت هذا العنوان نحاول سرد الحوادث التاريخية التي جرت بعد أن بدأت المسألة القومية كعامل سياسي تتبلور بين الأكراد.
ويعتبر إظهار الهوية القومية والاعتراف الدولي بالحقوق القومية عاملين مناسبين لإمكانية وضع مادة جديدة للقانون الدولي بحيث تكون للأكراد دولة أو مجرد وحدة سياسية تكشف عن مقومات دولة .
وبكلمات أخرى هاهي قائمة بالأحداث والمبادرات السياسية والاتفاقات الدولية التي يمكن اعتبارها عوامل مرتبطة بمدى إمكانية تطبيق حق تقرير المصير لكردستان
1880 : الانتفاضة القومية
تمت محاولة غزو دولة الفرس من الجهة الغربية بهدف تأسيس دولة كردية (تحت حكم الإمبراطورية العثمانية)، لكن الفرس استطاعوا قمع الانتفاضة بمساعدة تركيا، حيث اتحد الأعداء السابقون أمام خطورة إقامة دولة كردية.
1918 :النقاط الأربع عشرة في خطاب للرئيس ولسون
أن خطاب الرئيس ودرو ويلسون أمام الكونغرس بخصوص (( أهداف الحرب وشروط السلم)) في 8 كانون الثاني أرسى مبدأ حق تقرير المصير للشعوب في السياسات الدولية، وتبين الفقرة 12 أن القوميات التي تقع تحت الحكم التركي ينبغي أن تتمتع بحياة آمنة تماما، وتأمين الفرص لتطويرها الذاتي.
1920 : معاهدة سيفر
تبين هذه المعاهدة نهاية دور تركيا والضعف الذي آلت إليه، أما القسم الثالث من المعاهدة فيتضمن المادتين 62 و 64 تحت عنوان كردستان، حيث تنص على ما يلي:
(المادة 62 ): ((تتألف لجنة … من ثلاثة أعضاء ترشحهم حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ..
تقدم اللجنة خطة الحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تقطنها أغلبية كردية شرق الفرات وجنوب الحدود الأرمينية … وشمال الحدود بين تركيا و سوريا وبلاد ما بين النهرين))
(المادة 64: 1) ((وإذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الأكراد، القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيش حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فان تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة.
(المادة 64: 3) (( وإذا ما تم تخلي تركيا عن الحقوق فان الحلفاء لن يثيروا أي اعتراض ضد قيام أكراد ولاية الموصل بالانضمام الاختياري إلى هذه الدولة الكردية.
1922: بيان بريطاني عراقي يتعلق بحكم ذاتي للأكراد في العراق
الخلفية: استلمت بريطانيا العظمى سلطة الانتداب على العراق عام 1920، ونجحت في ضم ولاية الموصل الغنية بالثروة النفطية إلى منطقة الانتداب (على حساب تركيا).
وجدير بالذكر أن 85% من سكان ولاية الموصل كانوا من الأكراد.
ولقد اعترف البيان البريطاني – العراقي بحق الأكراد العيش ضمن حدود العراق “على أن يؤسسوا حكومة ضمن هذه الحدود”.
وأبلغت بريطانيا العظمى عصبة الأمم بهذا البيان سريا.
1923: معاهدة لوزان
لم يتم التصديق على شروط معاهدة سيفر، وأصبحت القوى الغربية تعطي الأولوية لمصلحة الأتراك على حساب الأكراد لكي تجعل منهم حصنا قويا ضد روسيا البلشفية وكانت الجمهورية التركية الحديثة في ظل حكم كمال أتاتورك تعارض بشدة قيام الدولة الكردية المستقلة في الوقت الذي كانت بريطانيا مهتمة بشكل رئيسي بمصالحها النفطية في العراق.
وهنا يمكن القول أنه من الغريب حقا أن معاهدة لوزان لم تشير ولو بكلمة واحدة إلى حق تقرير مصير الشعب الكردي.
1924: أوفد مجلس عصبة الأمم لجنة لتقصي مسألة الحدود التركية – العراقية ( قضية الموصل).
كما تم تعيين اينار ورسن السويدي رئيساً لهذا اللجنة والتي تقصت بدورها الوضع السياسي والاثنوغرافي في المنطقة المذكورة.
1925: قرار عصبة الأمم بخصوص قضية الموصل
بالنيابة عن لجنة مجلس عصبة الأمم اقترح السيد اوستن اودن أن تقرير اللجنة حول قضية الموصل يحتاج إلى أرضية مناسبة كأساس قرار من قبل المجلس.
بالفعل تم تبني نص القرار بالإجماع في 16 كانون الأول.
وأن الصياغة الأخيرة التي عدل المجلس عبرها الحدود بين تركيا والعراق قصدت استبعاد فكرة قيام دولة كردية مستقلة، لكنها أكدت على حق الأكراد بالحصول على “الإدارة الذاتية” كما هو مقترح من قبل لجنة التقصي، وطلب من بريطانيا أن تعلم المجلس بالإجراءات الإدارية المتخذة للاعتراف باقتراحات اللجنة من اجل حكم ذاتي محلي.
1932: قمع بريطانيا للانتفاضة الكردية في كردستان العراق.
وفي هذا الأثناء طالب القادة الكرد بتحقيق “وعد” العصبة بخصوص إدارة كردية في شكل الحكم الذاتي، لكن لجنة المجلس أشارت في 28 كانون الثاني من عام 1932 أن فكرة إقامة “حكم ذاتي لبعض الأقليات في العراق” غير واقعية البتة.
1937: ميثاق سعد آباد بين تركيا والعراق وإيران
يحتوي هذا الميثاق على فقرة (المادة 7) والموجهة ضد “العصابات والمنظمات المسلحة التي تهدف إلى الإطاحة بالمؤسسات القائمة” حيث كانت الدول الإقليمية تتحد في وجه الحركة القومية الكردية.
1943: انتفاضة في العراق في منطقة بارزان
قام الأكراد بانتفاضتهم هذه تحت قيادة مصطفى البارزاني الذي أصبح فيما بعد شيخ عشيرة كما اشتهر كبطل أسطوري في انتصاراته الأولية، لكن البارزاني اضطر في نهاية الأمر على الفرار مع جنوده إلى إيران.
1945: جمهورية مهاباد
هي دولة كردية أعلن عنها في كانون الأول 1945 تقع ضمن ما يسمى حالياً بالأراضي الإيرانية.
وكان البارزاني أحد قادتها البارزين.
حظيت هذه الدولة الفتية في الأشهر الأولى من قيامها بدعم سياسي وعسكري كبيرين من الاتحاد السوفياتي.
1947: الإطاحة بجمهورية مهاباد
تمكن الجنود الإيرانيون من السيطرة على المنطقة لدى انسحاب القوات السوفيتية.
وتم إعدام العديد من قادة الجمهورية.
وفي تموز 1947 قطع البارزاني ونخبة من جنوده طريقهم إلى الاتحاد السوفياتي، واكتسب انسحاب الخمسمائة من بيشمركته مغزى أسطورياً في تاريخ القومية الكردية.
وجدير بالذكر أن البارزاني منح حق اللجوء السياسي في الاتحاد السوفيتي وأمضى إحدى عشرة سنة هناك.
1970: اتفاقية وقف إطلاق النار مع الحكومة العراقية
بموجب هذه الاتفاقية يحصل الأكراد على الحكم الذاتي في المناطق التي يشكلون فيها الأكثرية وذلك بعد استفتاء عام.
كذلك قد تم تقديم ضمانات ثقافية في دستور عام 1970
1974: أعلنت بغداد عن قانون حكم ذاتي ومنطقة كردية ذات حكم ذاتي.
هذا القانون أدى إلى تجزئة الأكراد مادام أنه لا يفي بشرط اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1970.
لذا استؤنفت الحرب.
1978: وفاة الزعيم الكردي مصطفى البارزاني
استلم ولداه (وخاصة ادريس البارزاني) قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك)
1980: الحرب بين إيران والعراق (….)
انتخاب مجلس تشريعي مكون من خمسين عضواً يمثلون المنطقة الكردية ذات الحكم الذاتي.
إن ما تشير إليه التطورات التاريخية حتى الآن هو أن ظهور مبدأ تقرير المصير للشعوب قد ارتبط بالموقف الكردي، وكذلك بالمجموعة الدولية عبر اتفاقية سيفر وعصبة الأمم.
ومن ناحية ثانية فإن هذا المبدأ لم ينفذ في الواقع العملي على الرغم من أنه يمكن ملاحظة تقدم ما باتجاه الحكم الذاتي (حق الأكراد في التمتع بإدارة محلية كردية في العراق).
أما إضطهاد الأكراد في تركيا فإنه يتميز بوضوح أكثر على المستوى السياسي، فالقوى المنتصرة في لوزان تخلت عما كان مقرراً في اتفاقية سيفر حول إنشاء دولة مستقلة، وأكدت العصبة عام 1925 أن الدور الذي كان من المفترض أن تلعبه في هذه العملية بموجب اتفاقية سيفر لا يمكن إنجازه.
على هذا الصعيد ألا وهو نشوء وولادة فكرة حكم ذاتي محلي.
إن شروط اتفاقية سيفر لم تنفذ قط إذ فشلت عصبة الأمم فيما يتعلق بصياغتها القانونية في إقرار أي تطور يخص الكيان القانوني للشعب الكردي في صيغة مادة في القانون الدولي.
بما معناه إقامة وحدة سياسية قادرة على إدارة العلاقات الدولية – فلو أن ذلك كان قد تحقق … فمن المؤكد أنه كان سيشكل حجة قوية بيد الحركة الكردية اليوم.
في مثل هذه الحالة كان يتوجب على الأكراد إقامة وجود إقليمي من هذا النوع لأنفسهم.
كان عمر جمهورية مهاباد أكثر من سنة بقليل (كانون الأول 1945 حتى ربيع 1947) وأصبحت مثار جدل لأنها أظهرت نوعاً من الاستمرارية والاستقلال السياسي كمستلزمات لإقامة دولة.
ومن ناحية أخرى يمكن القول أنها كانت على تماسك سياسي وقدرة كافية على إدارة العلاقات الدولية لتعتبر كمادة في القانون الدولي (لكن في موضع أدنى من موضع دولة).
هذا التعبير الملموس للقومية الكردية يثير اهتماماً من وجهة نظر قانونية.
ومن خلال ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد على أن حق تقرير المصير للشعوب هو أكثر من المبدأ السياسي الذي أعلنه الرئيس ولسن في نقاطه الأربع عشرة في 1918.
وكان واضحاً بعد 1945 أن المعايير القانونية كانت تشكل جزءاً من الوضع.
لكن هذه المعايير كانت تحتاج أيضاً إلى أن تتطور من خلال الممارسة العملية لمنظمة الأمم المتحدة نفسها وفي عام 1970 فسرت الجمعية العمومية مبادئ القانون الدولي المتضمن في ميثاق الأمم المتحدة عن طريق إصدار بيان خاص “بيان العلاقات الدولية” حيث كان واضحاً أنه لم يحصل الإجماع على تقرير المصير، بل نص على شروط عامة يتعذر معها القيام بتحليل قانوني واضح.
زارين في مجلة الثقافة الجديدة العدد –242- تاريخ شباط 1992 الصفحة 101-110