الحراك الإحتجاجي الكردي في سوريا أسبابه ودلالاته السياسية

برزو محمود

الحراك الإحتجاجي الكردي في الشارع السوري سواء في مناطق ذات الأكثرية الكردية مثل (القامشلي، وعامودا، وديريك، ودرباسية، ورأس العين) بمحافظة الحسكة و(عفرين، وجبل الأكراد، وعين العرب) في محافظة حلب، أو في المدن السورية الكبرى وخاصةً العاصمة (دمشق وريف دمشق) حيث يقدر عدد الكرد فيها بمليون نسمة، وكذلك في مدينة (حلب)، هذا الحراك الذي بدأ به مجموعات شبابية لا تنتمي إلى الأحزاب الكردية بل هي قوى مدفوعة بحسها الوطني وشعورهم بالغبن وسلسلة من المظالم التي لحقت بالكرد عبر عشرات السنين،
كل هذه دفعهم على التظاهر والاحتجاج بشكل سلمي من أجل اجراء التغيير السياسي بما يتلائم مع مبادئ الديمقراطية والحرية والكرامة إلى جانب تأمين الحقوق القومية المشروعة للكرد ضمن سوريا.

هذا الحراك يفصح عن معاني وطنية عميقة، إذ يكتسب أهمية سياسية كبيرة، ويعبر عن حس عال من الوطنية، يدركون جيداً ما لهم وما عليهم، حيث يقف الكردي إلى جانب أخيه العربي من أجل إجراء تغيير سياسي عميق يفتح أفاقاً جديدة، ويهدف إلى بناء سوريا وطناً حراً يمنح الحرية للجميع دون إقصاء أو تمييز، يتمتع الكرد فيها بحقوقهم القومية المشروعة.

فالمشاركة الكردية في هذه المظاهرات بوقوفهم إلى جانب أخوتهم السوريين في المحافظات الأخرى زرعت شعور الاحترام لدى العرب تجاه الكرد، وسببت في تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة لدى الانسان العربي من ناحية، وحتى لدى المواطن الكردي من ناحية أخرى.

من هنا نجد أن مساهمة الكرد في الثورة السورية تأخذ أبعاداً سياسية واجتماعية عديدة تؤثر ايجابياً في نمو الوعي الوطني السوري لدى الانسان الكردي، وتبلور رؤية سياية أكثر وضوحاً لدى الانسان العربي تجاه الأخرالكردي.

ولا سيما الموقف الخاطئ للمواطن العربي السوري من المسألة الكردية، يستوجب منه إعادة النظر في طبيعة هذه المسألة وحقيقة جوهرها الديقراطي، حيث كانت القوى السياسية العربية سواء من ينتمي إلى النظام أو إلى المعارضة تتسم بفهم خاطئ إزاء القضية الكردية في السابق، وذلك لأسباب عديدة، منها أن الإستعلاء  القومي، والتعصب لها، وحالة عدم قبول الأخر، وهي خصائص سادت الوسط السياسي العربي بسبب النظام الشمولي لفترة طويلة استمرت أكثر من نصف قرن إلى أن جاء سقوط صدام حسين عام 2003، وبه ثُبت فشل المشروع القومي العربي بصيغتة البعثية تحديداً في مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني إذ يولد الاستبداد والنزعة الفردية الأتوقراطية في النظام السياسي، الذي لا يمكن أن يتلائم مع مبادئ العصر حيث النزوع إلى الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ودولة المواطنة.

لذلك لم يتردد النظام في قمع كل من يخالفه في الرأي واسكات معارضه بيد من حديد، فمن الطبيعي أن يستمر في إجراءاته وممارساته العنصرية ضد الشعب الكردي الأعزل، حيث كانت الاجهزة الأمنية السورية تلصق باستمرار تهم جاهزة ومصنوعة محلياً بكل ناشط سياسي كردي، ويتهمه بأنه (خطر على أمن الدولة)، أو أنه (يثير النعرات العنصرية)، أو أنه يطالب بـ(اقتطاع جزء من سوريا) أو أنه (ينتمي إلى حزب محظور) أو … أو … ، كل هذه المقولات والتهم المفبركة ساهمت في تشويه حقيقة أهداف الحركة الكردية ومطالبها المشروعة أمام الرأي العام العربي السوري، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بعجز الحركة الكردية وضعفها الذاتي في التفاعل الايجابي مع المحيط السياسي العربي، الذي لم يتضح أمامه الصورة الحقيقية للمسألة الكردية إلا في الآونة الأخيرة بعد أحداث 2004 التي تفجرت في مدينة القامشلي.


كما هو معلوم تاريخياً أن الكرد في سوريا لعبوا دوراً وطنياً بارزاً في الدفاع عن سوريا في جميع المعارك الوطنية، والحقائق التاريخية تثبت ذلك جلياً سواء في ثورات الاستقلال كما في معركة ميسلون باستشهاد قائدها يوسف العظمة أو في ثورات بياندور وعامودا وابراهيم هنانو وصولاً إلى حرب تشرين حيث امتزجت دماء الكرد والعرب بتراب الوطن.

وفي البداية شارك الكرد في بناء الدولة السورية حيث كان أول رئيس سوري محمد علي العابد من أصول كردية.

وقراءة سريعة في مناهج وصحافة الأحزاب الكردية السورية نلاحظ البعد الوطني للخطاب السياسي الكردي، مما يشير إلى أن الكرد وطنيون بامتياز.

وأن مطاليبهم القومية منذ بداية الاستقلال حتى الأن تتمركز حول حقوق ثقافية واجتماعية وسياية كقومية تختلف عن القومية العربية في (اللغة والثقافة والادب والتراث) أي بخصائصها التاريخية واللغوية والاجتماعية.

لذا من العدل أن نعترف بحقها في ممارسة هويتها الثقافية كقومية مميزة لغةً وثقافةً، وهو حق مشروع حلله كافة القوانين والشرائع الانسانية والدينية كحق من حقوق الانسان أينما كان.

إلا أن المواطن الكردي السوري منذ خمسينيات القرن الماضي يتعرض للظلم والجور والاضطهاد وخاصةً في ظل حكم البعث، فهو محروم من الجنسية، محروم من حق التملك لأرضه، محروم من حق التعلم بلغته، محروم من حقه في ممارسة ثقافته قراءة وكتابةً، محروم حتى من حق البوح علناً بانتمائه القومي أمام الأمن السوري، ولا يُسْمح له أن يُطالِب بحقوقه، ولا يُسْمح له أن يُطالِب برفع الحظر على لغته.

تصور أن الكردي يُعتقَل مجرد أن يُمْسك أو يُضْبط معه كراس شعري مدون باللغة الكردية، ولتكن أغنية حب أو قصيدة فولكلورية، أو ما إلى ذلك.

لعلها سياسة وقانون نُحلل لنفسنا كل شيء، ونُحرم نفس الشيء على الأخرين بحجة الانقسام العنصري وخطر على الوحدة الوطنية.

فكتابة مقال أو قصيدة باللغة الكردية يُفسَر لديهم على أنها قنبلة في إثارة نزعة عنصرية، أما الكتابة بالعربية فهي وحدة وطنية.

أعتقد أن هذه السياسة لا تخدم الوحدة الوطنية ولا تخدم اللغة العربية، بل أنها تُزيد من حدة العنصرية لدى الكردي طالما أنها لا تعترف به، الأخر.

أليس من الغبن أن هذه السياسة العنصرية مورست بحق الكردي طيلة الخمسين سنة الماضية؟ بحيث أصبحت هوية الكردي تهمة في نظر الأمن السوري في المدرسة حيث يُمْنَع التكلم بغير العربية، علماً أن مطالبه محقة ومشروعة.

لهذا السبب فأن سؤال الهوية والإنتماء القومي للكردي السوري مثار جدل في جميع مواقع القرار في سوريا، فالمعتقل في الدوائر الأمنية، وطالب الوظيفة في الدوائر الوظيفية، والعسكري في الجيش، واللاعب في الملاعب الرياضية، وحتى الكردي البعثي في المكاتب البعثية يُسْأل عن انتمائه القومي.

ما يكمن وراء هذا السؤال وما يبرره لديهم هو اثارة مشاعر التمييز بين هذا وذاك، إنها سياسة تُفرّق ولا توحِد، تبعث على الكراهية بين القوميتين العربية والكردية، تقلل من الشعور الوطني السوري، وكأن الوطن لهوية واحدة حيث يغيب الهوية الوطنية السورية أمام الانتماء القومي، وكأن سوريا ملك لنوع واحد، ولفئة واحدة فقط، علماً أن هذا الوطن مثله مثل بقية البلاد في العالم يتسع لكل اللغات ولكل أطياف الشعب السوري إذا كان العدل والديمقراطية والمساواة هي القانون السائد، وليس اللون الواحد، وليست اللغة الواحدة، وليس فكر البعث الواحد الذي يمارس الإقصاء في أقصى درجاته بعيداً عن أدنى قيم الإنسانية.

هذه السياسة تكشفت أبعادها وأهدافها العنصرية منذ عهد الانفصال ليس فقط في كتاب محمد طلب هلال حيث يطرح فيه الكيفية التي يمكن للنظام أن يقضي على الكرد في سوريا بصهرهم في بوتقة القومية العربية، بل من خلال فرض قوانين وتطبيق اجراءات استثنائية على ارض الواقع في مناطق الكرد يجبرهم على الهجرة من مناطقهم، ويمكن تلخيص هذه الإجراءات العنصرية في المظاهر التالية:
1- سحب الجنسية السورية من عدد كبيرمن العائلات الكردية الفلاحية.
2- تطبيق مشروع الحزام العربي في عام 1974 بالإستيلاء على أراضيهم الزراعية في منطقة سميت آنئذ بـ(خط العشرة – وهو الشريط الحدودي المحاذي للحدود التركية السورية بعرض 10 م والممتد طولاً ويبدأ من أقصى الشمال الشرقي من عنديوار حتى منطقة الدرباسية) وهي المنطقة المأهولة بالعنصر الكردي فقط.


3- لذا فأن الكرد طيلة الأعوام المنصرمة والذي يقدر بنصف قرن عانوا من سياسات عنصرية بغيضة، وعلاوة على هذا، بذلت السلطة جهوداً كبيرة في تغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة الكردية أو ما يسمى بـ(خط العشرة) بجلب الاف العائلات العربية من ريف الرقة وزرعهم في الوسط الكردي في الشريط الحدودي حيث بنوا قرى عربية جديدة بجانب القرى الكردية القديمة بهدف إزالة ومحو طابعها القومي الكردي ليتحول من منطقة كردية إلى خليط عربي كردي، تحسباً لأهداف مستقبلية.


4- كما لجأت السلطة إلى تغيير أسماء القرى الكردية الأصلية لتحل محلها أسماء عربية جديدة.
5- تهميش الكرد من الحياة السياسية السورية، وزرع الفرقة وخلق نزاعات عشائرية فيما بينهم.


6- مارست السلطة عملية تطبيق الحظر على اللغة الكردية، ومنعت التكلم بالكردية اثناء العمل الوظيفي.


7- فرضت السلطة حظراً مقيتاً على الثقافة الكردية إذ منعت السلطة طبع ونشر وتداول كتب ومجلات مدونة باللغة الكردية.


8- لا يُقبَل في الوظيفة كل من يُثبَت لديهم أنه يعمل ضمن حزب كردي.


9- إلى جانب تطبيق سياسة الضغوط الاقتصادية على الرأسمال الكردي وإلحاقه بهيمنة البرجوازية المركزية في المدن الكبيرة مثل حلب ودمشق.
10- لتصعيد الصراع وتسعير العداء بين العرب والكرد، يقوم البعثيون بنشر اشاعات سياسية تحض العرب على الكرد بزعم أن (الوجود الكردي بمثابة اسرائيل ثانية) اشارة على مدى خطورتهم السياسية بالنسبة للعرب، مع أن قادة الجيش السوري يضعون الجنود الكرد في الخطوط الأمامية من جبهة المعركة مع اسرائيل.

     
بناء على ما سبق من سياسات الاضطهاد العنصري ومحاصرة الانسان الكردي في منطقة ضيقة ولدت لديه شعوراً بالكراهية إزاء الانسان العربي الذي أكتسب هو الأخر وعياً مشوهاً يعيش في الأوهام القومية والايدولوجيا الشعارتية التي تدخله في نفق مظلم، يحول الفرد إلى عبيد وأسير لمفاهيم ومعتقدات لا تمت إلى العصر الحالي وكأنها حالة دونكيشوتية يتصور أنها تنقل بالأمة العربية إلى مصافي الدول المتقدمة، إلا أنه يُنمي نزعة تؤدي إلى التسلط واستغلال الأخر، لعله حلم أبدي لا طائل من وراءه طالما أن حريته السياسية مكبلة بجملة من القيود لا يستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية في قضية ما لأن ممارسة الحياة السياسية حق إلهي وحكر على فئة معينة، أحتكره حزب البعث العربي الاشتراكي طيلة نصف قرن.

خلافاً لكل هذا، فأن القومية، بمفهومها الانساني الحديث، هي نزعة حضارية تحفز نحو زرع المحبة بين أفراد المجتمع، وتنشر روح الأخاء الوطني بين المواطنين بكافة أطيافهم القومية والدينية والمذهبية من خلال تفعيل قيم انسانية كونية تتمثل في المساواة الحقيقية والحرية والكرامة والعلاقات الديمقراطية بين أطياف البشر بقومياتهم المتعددة والوانهم المختلفة، وتتمسك بكل ما يتضمنه حقوق الانسان من مبادئ وقيم الحرية والمساواة والتسامح.


وبما أن العرب قوة بشرية واقتصادية كبيرة لا بد أن تأخذ دورها الحضاري المتطور في هذا الكون، وقد أدرك الأن الشباب العربي أن الخطوة الأولى في تحقيق هذا الدور هي بناء دولة القانون والمواطنة الحقيقية على أسس ديمقراطية مدنية حديثة يمكّنهم أن يتمتعوا فيها بكل ما يتمتع بها الانسان الاوربي من حقوق مدنية وسياسية واجتماعية واقتصادية في الحياة.

وعلى هذا الأساس وفي هذا المسار يضمحل تدريجياً الفوارق الاجتماعية بين الطبقات، ويزول التمييز العنصري والفئوي والمذهبي بين مكونات المجتمع الواحد في الدولة الواحدة مما يخلق حالة ديمقراطية يحكم الشعب نفسه بنفسه، ويقرر مصيره بنفسه من خلال نظام برلماني وانتخابات حرة نزيهة يشارك الكل في اختيار ممثليهم الحقيقيين.

إذاً حقوق الكرد مرتبطة جدلياً في إطار هذه العلاقة.


لو دققنا في الشارع الكردي وسألنا الكردي في هذه اللحظة التاريخية حيث الثورة السورية مشتعلة في غالبية المحافظات السورية عن طبيعة مشاعره، نجده يصرح قائلاً أنه لأول مرة يشعر بأنه سوري، لأول مرة يحب العلم السوري وخاصةً في جمعة (آزادي).

بالرغم أن السلطة السورية في الفترة التي سبقت الاحتجاجات بذلت جهوداً غير عادية من أجل إستمالة مجموعة من الكرد (رجال أعمال وبعض السياسيين) إلى جانبها أو على الأقل اتخاذ موقف الحياد عبر شخصيات كردية يتمتعون في الأساس بعلاقات القربى مع السلطة، إلا أن شباب الكرد في القامشلي وعامودا ودرباسية وفي عدة مدن سورية أخرى خرجوا إلى الشارع يهتفون بالحرية والكرامة ويساندون انتفاضة أطفال درعا الباسلة.

وكذلك الحركة الكردية التي ننظر اليها على أنها الممثل الشرعي للشعب الكردي في سوريا أيدت الاحتجاجات السلمية ودعت اليها من أجل تحقيق اصلاحات جذرية في النظام السياسي تؤمن حياة حرة وكريمة للسوريين جميعاً.
من هنا نجد أن الموقف الإحتجاجي الكردي المتضامن مع بقية المناطق الإحتجاجية في سوريا يُشكل رسالة واضحة أن الكرد لا يثقون بوعود السلطة في الاصلاحات السياسية، ويُشير ايضاً أن الكرد وحركته السياسية ليسوا بانفصاليين كما كانت تتهمهم السلطة على مدى نصف قرن بهدف تشويه جوهر القضية الكردية أمام الرأي العام العربي في سوريا، وتأليب العرب على الكرد عندما يلزم الأمر.

فالسلطة كانت تلجأ إلى مثل هذه السياسات العنصرية من أجل تحقيق غايات معينة تمنح الديمومة لنظامها واستمرارية حكمها دون إعتبار لأمن وسلامة علاقة المواطنة السورية الواحدة وترسيخ المساواة والتأخي الحقيقي بين القوميتين، بين المواطن الكردي والمواطن العربي على حد سواء باعتبارهما ينتميان إلى وطن واحد، وهذا هو الضامن الوحيد لتعزيز الوحدة الوطنية في سوريا.

مما لا شك فيه أن تضامن الكرد مع أخوتهم العرب يثبت تمسك الكرد بوطنهم سوريا، على أنهم وطنيون بامتياز، ويعزز الوحدة الوطنية، ويدحض تلك الأراء والمفاهيم الخاطئة التي كانت تعشعش في ذهنية عناصر النظام وحتى في ذهنية بعض فئات المعارضة بأن الحركة القومية الكردية تحمل اجندة انفصالية أو أنها مرتبطة بالهم الكردي فقط، وما إلى ذلك من تهم روج لها المخابرات السورية وحزب البعث طيلة الخمسين السنة الماضية، وهذا ما أدى إلى تشويه المسألة الكردية في وعي الانسان العربي نظاماً ومعارضةً، كما أثر سلباً على طبيعة التعايش ونوعية العلاقة بين الكردي والعربي في سوريا.

وعملت الأجهزة الأمنية السورية بمبدأ (فرق تسد) إلى إذكاء روح التفرقة البغيضة بين التنوع الاثني والديني والطائفي، ولاسيما في الجزيرة حيث الأكراد والسريان والعرب والأرمن في المناطق الشرقية.

وعلى هذا الأساس نجد أن الأحزاب الكردية منذ أن ظهرت على الحياة السياسية في سوريا عام (1957) تعتقد جازماً أن القضية الكردية في سوريا جزء لا يتجزء من مسألة الديمقراطية، وكلما كانت السلطة ديمقراطية، وكلما طبقت مبدأ المساواة، ترسخت العدالة الاجتماعية على نطاق أوسع، وبالتالي يفتح الطريق أمام الكرد أن يتمتعوا بحقوقهم القومية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وهذا ما يقلل من مساحة النعرات العنصرية ويزيل الاحتقان القومي لدى الكرد كأقلية اثنية (عدداً) في سوريا، ويخفف من غطرسة القومية الكبيرة ويقلل من استعلائيتها، مما يُزيد من عوامل القربى والوحدة والتعايش السلمي بين الشعبين.

ومن البديهي جداً أن المناخ الديمقراطي وتطبيق مبدأ المساواة والعدل يساعد على تثبيت معاني الوفاق والوئام والود بين جميع فئات ومكونات المجتمع السوري.

وانطلاقاً من هذه النظرة الموضوعية للمسألة الكردية نجد أن حلها بالشكل الديمقراطي يعزز العلاقة الأخوية بين العرب والكرد ويزيل آثار التعصب القومي بالتدريج.

لذا من واجب كل الشرفاء والمخلصين، سياسيين ومثقفين، عرباً وكرداً، مسلمين ومسيحيين أن يعملوا ويكافحوا لخير هذا البلد، للأنتقال السلمي إلى دولة ديمقراطية تعددية تشاركية، دولة الحرية والعدل والمساواة، بناء سوريا الجديدة، بناء سوريا وطناً للجميع، لا مكان للظلم والقمع فيها، لا مكان للعنصرية القومية فيها، لا بد من قبول الأخر كما هو، لا محاولة لتغيير هويته وثقافته بالشكل الذي نريده، احترام الكل للكل بألوانه الطبيعية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر تعتبر المعارضة في أية دولة ولدى الشّعوب الطريق المستقيم الذي يهديهم إلى الإصلاح أو السّلام والطّمأنينة، لذلك يتماشى هذا الطّريق مع الطّريق الآخر المعاكس له وهو الموالاة. في فترات الحروب والأزمات تكون المعارضة لسان حال المستضعفين والمغلوبين على أمرهم والمظلومين، لذلك نجدها وفي معظم الأحيان تحقق الأهداف المرجوة، وتكون طرفاً لا يستهان به في إنهاء الحروب…

محمد زيتو مدينة كوباني، أو عين العرب، لم تعد مجرد نقطة على الخريطة السورية، بل تحولت إلى رمز عالمي للصمود والنضال. المدينة التي صمدت في وجه تنظيم داعش ودفعت ثمنًا غاليًا لاستعادة أمنها، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد وأكثر تعقيدًا. فالتهديدات التركية المتزايدة بشن عملية عسكرية جديدة تهدد بإعادة إشعال الحرب في منطقة بالكاد تعافت من آثار النزاع، ما…

بوتان زيباري كوباني، تلك البقعة الصغيرة التي تحوّلت إلى أسطورة محفورة في الذاكرة الكردية والسورية على حد سواء، ليست مجرد مدينة عابرة في صفحات التاريخ، بل هي مرآة تعكس صمود الإنسان حين يشتد الظلام، وتجسيد حي لإرادة شعب اختار المواجهة بدلًا من الاستسلام. لم تكن معركة كوباني مجرد مواجهة عسكرية مع تنظيم إرهابي عابر، بل كانت ملحمة كونية أعادت…

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…