المشكلة ليست في الرئيس؟

كفاح محمود كريم
kmkinfo@gmail.com
  

    تكثف بعض وسائل الاعلام الغربية والعربية المشكلة في كثير من دول الشرق الاوسط بشخص رؤسائها، إلى الحد الذي توحي ببراءة منظومة الحكم وثقافته السائدة هناك، والتي تتحكم في مفاصل المجتمع والاقتصاد، وبذلك تجري عملية تقزيم لمأساة تمتد لعشرات السنين، منذ تأسيس كثير من هذه الأنظمة على أسس بدوية عشائرية لا تمت بأي صلة للعالم الجديد وحضارته في الفكر والسياسة والاقتصاد، حتى لكأنك تشعر وأنت تقرأ التاريخ الغابر، ما زلتَ تعيش في القرون الوسطى، بل وان كثير من الأجواء المعاصرة حول بعض الرؤساء الطغاة ترحل بك الى فضاءات وأجواء خلفاء بني أمية والعباس وحتى ورثتهم من بني عثمان؟
   لم يحصل في التاريخ السياسي للنظم الجمهورية والتي تعلن عن نفسها وتسوق توصيفاتها بأنها تقدمية مناوئة للأنظمة الملكية، وأحيانا كثيرة توصف توجهها بالمضاد او المعادي للرجعية وهي تعني النظم الملكية الوراثية، ما حصل هنا في جمهوريات الشرق الأوسط الملكية ومن قلدها في كوريا الشمالية وكوبا، حيث التوريث الصفة الأكثر امتيازا للأنظمة الملكية، أصبحت هي الأخرى من اخطر تطبيقات هذه الجمهوريات الرثة، والتي تمثلت في عملية تعديل الدستور في سوريا ليكون على مقاس الوريث الجمهوري، وكادوا أن يفعلوها في ارض الكنانة لولا ( الجدعان ) الذين ما زالوا منهمكين بتنظيف البلاد من آثارها وفلسفة ديمومتها، حينما أدركوا إن المشكلة اكبر من شخص الرئيس مبارك وعائلته!

    في دمشق كما في بغداد قبلها، وما يحصل الآن من صراع دموي عنيف في اليمن وليبيا، ليس كما تسوق له بعض وسائل الإعلام من انه صراع بين بشار الأسد والشعب السوري او قبله بين صدام حسين والعراقيين، وكذا الحال في ليبيا واليمن وغيرهما، انه صراع بين الشعوب ومنظومة الدكتاتوريات المؤدلجة ونظمها الفكرية والثقافية والاجتماعية، التي كثفت كل مساوئ التاريخ وعفونته، صراع بين أنظمة استقطبت حولها كل مظاهر التسلط الاجتماعي والقبلي والديني المتطرف والفردية والنرجسية وإلغاء الآخر وتكميم الأفواه وإشاعة العبودية، وسخرت لأجل ذلك كل ما على الأرض وباطنها في تلك البلاد من بشر ومال وثروات وقوة وسلاح، حتى غدت إمبراطوريات بوليسية تحكمها مجاميع من الغرائزيين والوصوليين والساديين والفاشلين وأعداد أخرى من أصحاب أنصاف المهن والثقافات والمعرفة والرتب من نواب الضباط والعرفاء والمفوضين الذين أصبحوا يحملون رتب فلكية من قبل فريق ومشير ومهيب وفيلد ماريشال!؟

    لقد شهدنا نهاية صدام حسين وسقوط هيكل دولته كأشخاص لكننا أيضا شهدنا ونشهد الآن استمرار ذلك النهج المتخلف في السلوك والممارسة لدى الكثير من القيادات الحالية على المستوى الحكومي او البرلماني او الفعاليات السياسية، وحتى في المجتمع والتي تتكثف في حلقات الانتهازيين والوصوليين واللصوص والطبقات الرثة التي تم إعدادها وتربيتها من قبل النظام طيلة أربعين عاما، لكي تبدأ هي الأخرى مرحلة جديدة مع الاحتلال  وأخطاء الحاكمين الجدد، وكذا الحال في مصر بعد شخص مبارك وفي تونس بعد زين العابدين، انها نسيج من الثقافة الأحادية والسلوك المنحرف والطبيعة العدوانية لمجاميع من الموظفين والعسكريين وقوات الامن الداخلي التي تمثل بقايا تلك الأنظمة المتساقطة.

  

  إن المشكلة في سوريا ليست بشخص رئيسها فقط وإنما بالمنظومات التي أنتجها النظام السياسي وحزبه سواء كانت على شكل سلوك او ثقافة او تقاليد، او منظمات استقطب فيها النظام مجاميع كبيرة من اللصوص والقتلة والانتهازيين ونكرات المجتمع وسقط المتاع طيلة حقبة حكمه، وهذه الأنماط البشرية المنحرفة تفعل كل الأفعال الشنيعة دون وازع من ضمير او عرف او قانون، لأن النظام نجح في انتزاع إنسانيتها وأخلاقيات مجتمعها، وحولها الى حيوانات كاسرة كما شهدناها بين عامي 2004 و 2008م هنا في العراق، وما كانت تفعله من عمليات قتل جماعي وسادية مفرطة في الذبح والتعذيب والحرق، امتدادا لما فعلته هي ذاتها في حلبجة والاهوار والأنفال، وفي سوريا شهدنا خلال الأشهر الماضية مجاميع مما عرف بالـ ( الشبيحة ) تقوم بقتل أفراد الشرطة والعسكر والهجوم على المقرات الحكومية وقتل من فيها وإحراقها، على ان ذلك من أعمال المتظاهرين مما يعطي شرعية ويتيح لقوات حكومية بتنفيذ مذابح في قرى ومدن أخرى كما حصل في درعا وحماه وحمص وريف دمشق، وهو بالتالي ايضا يأتي امتدادا لذات السلوكية الإجرامية التي فعلها النظام في حماة قبل أكثر من عقدين من الزمان.

   عاجلا أم آجلا ستسقط هذه الأنظمة الدكتاتورية، وكما قلنا ذات مرة إن سقوط نظام صدام حسين لم يك على أيدي الأمريكان وقواتهم، بل ان نظامه سقط يوم قرر اهانة شعبه وقتله، سواء في كوردستان او في الاهوار او في الرمادي أو حتى مع جناح من أجنحة حزبهم، وكذا الحال في نظام سوريا، فهو سقط يوم قرر أن يدمر حماة ويستحوذ على السلطة لوحده، ويورث الحكم ويهين شعبه ويقتل المئات من خيرة أبنائه لأنهم أرادوا ان يعبروا عن آرائهم بحرية وسلام!؟ 
انهم ساقطون ساقطون عاجلا أم آجلا!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر تعتبر المعارضة في أية دولة ولدى الشّعوب الطريق المستقيم الذي يهديهم إلى الإصلاح أو السّلام والطّمأنينة، لذلك يتماشى هذا الطّريق مع الطّريق الآخر المعاكس له وهو الموالاة. في فترات الحروب والأزمات تكون المعارضة لسان حال المستضعفين والمغلوبين على أمرهم والمظلومين، لذلك نجدها وفي معظم الأحيان تحقق الأهداف المرجوة، وتكون طرفاً لا يستهان به في إنهاء الحروب…

محمد زيتو مدينة كوباني، أو عين العرب، لم تعد مجرد نقطة على الخريطة السورية، بل تحولت إلى رمز عالمي للصمود والنضال. المدينة التي صمدت في وجه تنظيم داعش ودفعت ثمنًا غاليًا لاستعادة أمنها، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد وأكثر تعقيدًا. فالتهديدات التركية المتزايدة بشن عملية عسكرية جديدة تهدد بإعادة إشعال الحرب في منطقة بالكاد تعافت من آثار النزاع، ما…

بوتان زيباري كوباني، تلك البقعة الصغيرة التي تحوّلت إلى أسطورة محفورة في الذاكرة الكردية والسورية على حد سواء، ليست مجرد مدينة عابرة في صفحات التاريخ، بل هي مرآة تعكس صمود الإنسان حين يشتد الظلام، وتجسيد حي لإرادة شعب اختار المواجهة بدلًا من الاستسلام. لم تكن معركة كوباني مجرد مواجهة عسكرية مع تنظيم إرهابي عابر، بل كانت ملحمة كونية أعادت…

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…