بوسع القارىء تبديل الكنوز بما يصدر من بيانات وقرارات، ويُتداول في سياق “محاكم تفتيش” بصيغ شتى ضد هذا “الرفيق” أو ذاك، أو أكثر، أو ضد هذا الطرف أو ذاك، أو ضد مجهول، وحده القائد الحزبي يعلم بحقيقته.
إن متابعة تاريخ أقطاب الحركة الكردية، في سلوكياتها، وسبل تعاملها مع محيطها، وكيفية احتواء الشعب باعتباره مجرداً من الرأي الآخر، وهو أكثر من آخر، بقدر ما يكون أكبر من القاسم المشترك المسمى حزبياً، أو: الموازي لرأي الحزب، على الأقل، وأساليب الدعم اللوجستية من قبل أجندتها الحزبية، في تزكية كل ما هو صادر عنها، بوصفها” مطاوعتها: جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تماماً “متابعة شملت حدوداً وجنوداً في مناخها السديمي لحظة تشخيص نوعية الحياة المدارة في وسطها، وهي المتابعة التي كانت وراء فكرة هذا” الإعلان” الذي يسمي “دورته التدريبية” للذين سبق وأن ذُكروا، في مجالات عدة، والتي يمكن النظر فيها والتوقف عندها، وكيف أنها تمس صراخ التاريخ عما يسجَّل باسمه من خلالها، لتحقيق نوع من التأهيل الاجتماعي والعقلي والنفسي وحتى اللغوي.
إن النقاط المثارة هي التي تشكل محكاً في المجال هذا:
في سياق اللغة
ليعلم المتدرب أن الذي يعتمده في لغته لا يعنيه وحده، إنما يعني الآخرين.
إذ لا تهميش لأحد، لحظة التعرف إلى اللغة وكيفية تشكيلها، وهي في نمو مستمر.
إن الكلمات تتساوى في محكمة اللغة، إنما طرق الاستعمال والكفاية اللغوية والمقدرة على الاجتهاد في التركيب، هي التي تضفي على اللغة المنطوقة أو المكتوبة قيمة معينة، وحتى في الحالة هذه، على المتدرب أخذ العلم بحقيقة، وهي أن براعته اللغوية لا تعني انفصالاً عن الآخرين، وانقطاعاً معيناً عن المطالعة، إنما إبقاء باب تنمية الذائقة اللغوية، وأدوار اللغة ووظائفها، على قدر الاتصال بالآخرين دون فصل بين أي كان وسواه.
ولأنك أيها المتدرب اللغوي تعاني من ضعف في التواصل الاجتماعي، وفي الخبرة السياسية ذات الصلة بعالم المدينة، ووجوه الذات، فإن ذلك يرتد إلى اللغة في الحال، وما الأداء اللغوي السيء من خلال تكرار عبارات، واستعادة كلمات سجالية واتهامية، ووحيدة الاتجاه، إلا شاهد عيان على بؤس المكوّن اللغوي، وأن الاخضاع لدورة تدريب لغوية، بأي لغة” لغتك الكردية أولاً، ولغة وسطكَ الأخرى” ليشكل حاجة ماسة لا مجال للرفض، إلا إذا شئت أن تكون كائناً لغوياً مشوهاً أو ناقصاً، كما هو وضعك اللغوي المزري.
نعم، بؤس القراءات، وبؤس الإصغاء إلى الآخرين، يلحان على فاعلية الدورة هذه لتكون كائناً فعلياً في العالم، وبالتالي فإنك لا تعود قطباً، كما هو معنى أو دلالة موقعك، وكما هو الصراع على مفهوم القطب، إنما ليس أكثر من قطبة لجرح مزمن، يتطلب أكثر من عملية جراحية عاجلة وإنعاش عضوي للقوى الحسية بالذات.
في نطاق الجملة الاسمية
لتعلم أيها المتدرب الحزبي، وأنت في موقعك المتقدم، أن الاكتفاء بتهجئة الاسم، وهو مبتدأ، ليس سوى الدخول في مواجهة عالم كامل، كما هو استمراؤك لأسماء دون أخرى، وعدم سبر حقيقة هذه الأسماء خارج ما تعتقده وتتصوره، ليكون الخبر، أو التالي على الاسم “ما يعطيه قيمة أو مكانة، أو معنى” هو الذي يعرّف بك، وبمدى قدرتك على تفهم حقيقة الجملة الاسمية وهي تكون أكثر من كلمتين اسميتين، وأغنى منهما (الحزبي موجود- الحزبي يظن أنه موجود- الحزبي الموجود يحيل الآخرين إليه…الخ)، إنها تصوير لواقع حال/ ظاهرة في المجمل، للذين يتوارون في جملهم الاسمية دون النظر في تنوعها الهائل، وخباياها، وقدرتها على فضح كل من يحاول النيل منها، عندما يرى أن مجرد التلفظ بجملة اسمية، يعني استجابة لرغبته، وهي حقيقة واقع، بينما ينبري الخلاف خارجاً، لحظة الكشف عن عري المعنى، وسوأة المتكلم ، كما لو أنه يغمض عينيه، ويعتقد أن العالم حيث يكون هو تقليداً لسلوك طفل لما يبلغ مرحلة الحبوّ بعد..
كل جملة أسمية أكبر من الناطق بها وكاتبها، ومن هنا كان المنطق الحديث في عالم ما بعد الحداثة، كان إلغاءٌ لمفهوم المنطق ونسف حدوده كرمى الجملة الاسمية وغيرها، المنطق الذي يمنح كل قادر على الكلام قيمة تسهم في ثراء الكلام وتلك الجملة الاسمية المستهان بها!
في المضمار المفتوح للجملة الفعلية
ليس على المتدرب الحزبي حرج طبعاً، إن إدرك بحسه الواقعي، أن الفعل ضرب من ضروب النشاط المختلف بالنسبة لأي منا، ولكن الفعل يحتفظ بتاريخه الطويل.
إنه يتجاوز كل نطاق مضروب حوله أو عليه أو باسمه.
إن الحديث عن الجملة الفعلية يظل ناقصاً أو غير مكتمل، استجابة لروح المعنى فيها.
فالجملة الفعلية توحي بوجود اقتطاع لعالم معين، ولنشاط يتم اختزاله، بقدر ما يرمي إلى الإعلام بوجود حقيقة غير مصدَّق عليها إلا من قبل المعني بها، لتكون الحقيقة هذه مخالفة لاعتقاده بعدئذ تعبيراً عن التغير، كما لو أن الجملة الفعلية في سياق مجموع كلماتها المركبة، تمثّل عالماً جزئياً، وتتستر على عالم كان وآخر يكون في المستقبل، وهذا يهيب بكل متدرب بضرورة الالتزام بالحيطة، تتعلق بما يجب عليه إدراكه، من خلال نشاطه الجزئي أو أي قرار يشكل فعلاً معيناً لا يمثل العالم عموماً، كما هو مسلك “القطب في الحزب”، في أسمائه وأفعاله التي يمكن تقديرها انطلاقاً من العالم الذي يعيشه بكليته، وانفتاحه على هذا العالم.
إن قوى سياسية مختلفة تعني اختلاف المعاني لذات الجملة الاسمية أو الفعلية وصورتها وأثرها، تبعاً لموقع كل قوة سياسية حزبية أو غيرها، حيث يسمى هنا كل من له شأن، ومن لا يفكَّر فيه، وحتى الجماد يكون له اعتباره على صعيد مؤثرات الطبيعة، إن أراد المسئول الحزبي أن يكون له شأن تاريخي، ولشأنه شأن، وأن يحتفَظ بحقه في الوجود الفعلي، بما أنه يعيش تواصلاً حياً معه.
في حضرة المجتمع
ليس المجتمع احتكار أيٍّ كان، وليكون في علم أي معني بقوى سياسية أو حزبية، أن مجرد الدخول تحت يافطة السياسي أو الحزبي في حاضرة مجتمع ما، يعني إمكان توسيع القدرات النفسية، حيث إن المدينة تعلمنا بمواقعها المختلفة من خلال تقسيماتها (ساحاتها، شوارعها، حدائقها، مؤسساتها، أزقتها، حاراتها…الخ)، وما في ذلك من عدم وضوح ورؤية لكل شيء فيها، وما يفرض كل ذلك على المقيم في المدينة من التزامات عُقَدية، بلزوم مراعاة هذا التنوع، وهذا ما تشكو منه دون أن تعلم أيها القطب الحزبي، ما تعتبره مدينتك وشوارعك وساحاتك وأزقتك وحدائقك وأناسك….الخ، بينما يكون المحقَّق هو ما تتنكر له نتيجة سوء إدارة الذات في المدينة، وكون المدينة أكثر من أبنية ومن إشارات مرور ومناظر مختلفة، إنها ثقافة تتحدى كل نازل فيها، بقدر ما تختبره دائماً.
تدريب الذات
ليست الذات واحدة، كما يقول علماء النفس.
ولعل العلامة الفارقة الكبرى للقطب الحزبي هو اكتفاؤه بذات يتيمة، وليتها أفصحت عن مرونة ٍما فيها، لأن ما يقوله غير ما يخفيه، وما يردده في مكان لا يستحضره في مكان آخر، وما ينام عليه، لا يتفاعل معه حين يستيقظ، وما يتهيأ له نفسياً في هذا المقام، ليس هو ذاته في مكان آخر، ورغم ذلك، يتم التشديد على أن ليس هناك سوى من معيار واحد، وصورة ذات واحدة، كما يقول تاريخ أقطاب الحركة الكردية، بينما تقول الانقسامات: الصدوع الحاصلة، وبروز مسرح التصفيات النفسية دعائياً، وتجلي أحزاب مختلفة ببيانات مختلفة، تعبيراً عن تخالفات لا عن تنوع صحي، وتصيد الفرص، والاستئناس بكلمات تزيد في التباغض والتباعد واقعاً، وفي تحويل القواعد إلى ما هو أكثر في العدد، تقول الانقسامات في كل ذلك، ما هو مرئي ومحسوس في الكم غير المشرّف- طبعاً- للأقطاب، فيما هم عليه من ضعف وانطواء وانقطاع عن العالم من حولهم وما هو أبعد من ذلك، وهذا يدخلنا في سياق بؤس اللغة وأعطاب الجملة الاسمية ومن ثم الفعلية، وصعوبة التعرف إلى المجتمع، إذ تكون الذات مجمَّدة، أو محنطة، ومحتفى بها في آن، وكل ذلك من علامات ابتئاس أقطاب الحركة الكردية، أو الحركة بالذات، ويسرّع بضرورة إقامة الدورة سالفة الذات وسريعاً.
بين المقدمة والمؤخرة
ليس وقوع الرأس في القمة شرفاً لها بالطبع، كما أن وقوع المؤخرة في الأسفل ليس تلفاً لها بالتأكيد.
إنما هو الدور الوظيفي، هو الإبداع الطبيعي البليغ الذي يتم تجاهله في وسطنا.
عليك، أنت الذي تتمثل رأساً أيها القطب الحزبي ألا تسهو عن مؤخرتك، أو تقع في مصيدة التغافل عنها، على طريقة النعامة، وهي تضع رأسها في الرمل، وتترك مؤخرتها الضخمة لطعان الآخرين ورمياتهم.
كثيراً ما يؤتى المرء من المؤخرة، كما في عبارة (ولُّوا الأدبار)، والرأس الذي لا يعنى بمؤخرته، ولا ينظر في الجهات الأربع، ويتتبع كل المؤثرات المحيطية، تنال منه المؤخرة وهي توقعه أرضاً، أو تجعل عاليه سافله.
ليس هذا من باب الذم، إنما لتحديد العلاقة الفعلية بين المقدمة والمؤخرة، وما يجب التنبه له.
إن ما يعيشه القطب الحزبي هو الاعتداد برأسه رغم ضحالة المعلومات المتداولة في بؤرته المؤطرة، ونسيان المؤخرة وأهوالها، كما هو الدارج في المثل الكردي (الرأس المعمر يُري المؤخرة عجائب شتى).
لكأن القطب الحزبي ينسى ما توارثه أسلافه الطبيعيون، وهذا ما يجب النفع به في وحدة الجسم وروعتها..
ضحك بمثابة الخاتمة المفتوحة
سيكون هناك ضحك كثير، كما لم يضحك أي قطب سابق، سيكون هناك تندر بمقال على الشاكلة هذه، سيكون ضحك معمم، يصل بين “القمم- القواعد”، وتعليقات تستغرق زمناً معتبَراً، وسيكون ضحك على مقاس النفور من وضع مثار على الطريقة هذه، ضحك يفصح عن أن ثمة من يتذوق الطرافة، وتستوقفه المفارقات، وفي وضع غير محسود عليه- ربما كثيراً- كوضعي، وفي هذا الظرف الدقيق، بقدر ما سيكون هناك ضحك من نوع آخر، لا يتنبه له الذين يضحكهم ما هم غافلون عنه، هو ضحك التاريخ والذين يعيشونه بكل قواهم، ومن هم خارج ما أسمّيه بـ “محمية الحزب” غير المحمية، وربما توقع الأسوأ من الضحك..
سأضحك الآن بملء روحي إذاً!
___
محفوظ”، والصحيح “م.رشيد”، إنه اعتذار موجَّه للصديق الكاتب، والسادة القراء..