حول إرهاب النشطاء الكورد الذي أخذ يطل برأسه…

  هيم عمر

في الوقت الذي يسطر فيه السوريون ملاحم البطولة تلو الأخرى في معركتهم الحاسمة على تاريخ تمكن نظام البعث من سلبه على مدار خمسة عقود طويلة، و بينما يقدم أهالي القرى و المدن السورية على التضحية بأغلى ما لديهم قرباناً للخلاص من ظلم و إستبداد نظام البعث، الجحيم الذي لم يسلم منه السوريون، كبيرهم و صغيرهم؛ نرى الأحزاب الكوردية قد أغرقت الشعب الكوردي في نقاشات و سجالات عدمية تنم في مجملها عن سعي حثيث من قبلها لحرف و فصل الكورد عما تشهده البلاد من لحظات تاريخية عظيمة ستغير ملامح مستقبلها بشكل جذري، و كل ذلك لأغراض لا تزال غامضة و عاصية على التفسير لغاية اليوم.
بعد مرور خمسة عقود و نيف على إنطلاق الحركة السياسية الكوردية في سوريا يعاني المشهد الكوردي العام من حالة شيزوفرينيا مزمنة، جراء غياب أي ترابط منطقي و موضوعي بين جزئياته.

فبإستثناء الشباب الكورد الذين برهنوا بوعي و مسؤولية أذهلت الجميع على أنهم أهل للتاريخ الجاري صنعه، نجد أنفسنا قبالة مشهد أسود تحظى الأحزاب الكوردية بحصة الأسد من سواده، أحزاب ما برحت تغدر بالثقة التي منحها الشعب و تتخلف عن آداء المهمام و المسؤوليات المناطة بها.

قبل بضع أسابيع إكتشفت هذه الأحزاب ضرورة قصوى في إصدار بيان مطول و مذيل بتواقيع أحدى عشرة منها بخصوص رواية شابها الكثير من الإلتباس عن شاب قيل أنه تعرض لتهديدات لفظية، و لكنها إلتزمت صمت الموتى عندما أشرف حزب، منتمي إليها و محسوب عليها، في وضح النهار على تعطيل حراك شباب جرتهم ومضة الأمل في حياة حرة و كريمة إلى الخروج للشوارع، مخاطرين بأرواحهم في مواجهة مع نظام أثبت بجدارة بربريته؛ و كادت تلك التدخلات أن تتسبب في صدامات عنفية بين أنصار ذاك الحزب و الشباب الكوردي المتظاهر في شوارع القرى و المدن الكوردية.

لقد إرتكبت الأحزاب الكوردية، بشكل خاص في الأشهر الأخيرة، أخطاء فادحة ترتبت عليها و لا تزال مخاطر جمة، بدءً من إطلاقها لمبادرتها البائسة و عدم الإلتزام بها، و مروراً بالإحراج التي سببته للشعب الكوردي بالموافقة على الحوار مع النظام الذي كان منهمكاً بسفك دماء الأبرياء، و وصولاً لإنقلابها الأخير على المساعي الرامية إلى عقد مؤتمر وطني كوردي تلتحم فيه طاقات الشعب، بحثاً عن مخارج من الواقع المرير الذي يعيشه الكورد و سبلاً للإرتقاء بهم إلى مستوى التغييرات العاصفة بسوريا و كوردستان و المنطقة بأسرها.

و لكن أن يصل الأمر بهذه الأحزاب أن يرتكب أحد أطرافها جرائم الإرهاب الجسدي بحق نشطاء كورد مسالمين و تتستر الأحزاب الباقية على فعلته، فذلك ذنب لا يغتفر ببساطة.

و في غمار الثورة الجارية و معاناة السوريين جراء جرائم و إرهاب النظام، لا بد و أن تراودنا خواطر مفعمة بروح المقارنة بين النظام و تلك الأحزاب.

قد يرى البعض طرحاً متطرفاً في كلماتي هذه و لكن رأيي يبقى أن العنف ضد المدنيين المسالمين هو إرهاب، سواء كان مرتكبيه كورداً أم لا، و إنه يستحق أشد كلمات الشجب و الإستنكار.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…