«التحامل» على الحركة السياسية الكردية في سوريا

  د.

محمود عباس

  النقد بل والتهجم على الحركة بشكل عام من قبل الكل للكل، رد فعل لوضع أجتماعي ثقافي فكري وسياسي، تخلق حالة نفسية إرتدادية وذلك من جراء الصدمات المتواصلة التي يتلقاها الجمهور الكردي من السلطات الطاغية، والحركة السياسية بشكل خاص، خامدة، نضالها لا تتلائم ومدى الضربات أو هول المآسي، لذلك يجب أن لا يتوقع الأخوة في الحركة السياسية أو بعض المثقفين المدافعين عنها أي هدوء في اللهجة أو خمود في الكلمة، إلى أن تظهر البوادر الحقيقية في العمل الجدي،
 فإن لم تكن لهم تلك الأمكانيات التي يتباهون بها، وليسوا على قدر تحمل المسؤولية، فلا عتب، لكن عليهم مصارحة الشعب بها، الأعتراف بالحقيقة فضيلة، لا ذنب لمن لا يملك القدرة، ولا ذنب لمن يناضل من أجل إثبات الوجود الذي يريد أن يكون عليه، ولا يتمكن من تحقيق الغاية، شرط أن لا يبالغ ولا يخدع أويخادع شعبه بريادة أو إمكانيات لا يملكها، فمن حق الشعب الكردي التعرف على السوية التي يقف عليها المثقف والحركة السياسية، عندها سيكون التعامل والعمل معاً لتقوية المكانة لرفعها إلى مستوى الريادة، أما أن يدعي القيادة والريادة قولاً بدون فعل، فسيكون هذا المقدار من النقد بل وسيتكالب.

  الكلمة هي صرخة المثقف، لألم يشعر به في أعماقه، أو ربما لفرحة حدث أو يتوقع حدوثها في القادم من الزمن.

لكنها في واقع المثقف الكردي إنعكاس لحقيقة يتيمة الجانب، وهو الجانب المظلم المليء بالأنتكاسات والمآسي والذي يكافح لإلقاء بصيص من الضوء عليهم، تخرج أحياناً إلى العلن بشكل توصيات معظمها موجهة لذاته أو للمقربين المعنيين بالأمر المأمول منهم القدرة على التغيير والأنتقال به وبشعبه إلى بر من الحرية والآمان، وأحياناً تنطلق كبركان ثائر علها تخلق هيجاناً في الأجواء التي ملت من الجمود والخمود والسبات الأبدي.
  الصرخة، التي تتكرر من ” نفوس غير سوية !!” – الجملة كما وردت في بيان أحزاب الكردية السياسية الأخير في9|8|2011- من المثقف الكردي على الواقع السياسي، والتي لا تستسيغها آذان قادة أحزابنا الكردية، مآلها الألم الذي يقاسيه والسياسي بل الأمة الكردية جمعاء، جراء التشتت والضياع، والذي لا يرى أي مسبباً له سوى هذه الحركة التي تضع نفسها في القيادة، وهي بهذه ” السوية الغير سوية ” من الإنشقاق و التشرذم، والإنجراف الفظيع وراء الإملاءات المتعددة الجوانب، وعدم القدرة على القيادة، والتكالب المقيت على الريادة، والوعود العديدة والمتعددة الجوانب، وال” س “ينات التي لا تنتهي، وماذا بعد….
 كلمة إلى كل من يهاجم ولا يدافع من المنطق الحزبي المفتت والمهادن بشكل عام، أن لا يبحث عن التبريرات الغير منطقيه لواقع الأحزاب المؤسفة، بدون تحليل، فيخرج التبرير مشوهاً والنداءات ملثومة ومبطنة باشكاليات لا تختلف بكثيره عن نداءات إعلام السلطة السورية الفاسدة، كنداء إعطاء الفرصة للقيام بالإصلاحات، أو يرمى بالتهم على أن الناقد يزايد على الحركة، أو غيره من التبريرات المهترئة كالمتاريس الصدئة، أليس هذا ما تطالب به الحركة الكردية السياسية، الوقت، ثم الوقت، نحتاج إلى الوقت، إلى متى؟… ستون عقداً، ستون عقداً ياعالم!!..

لم يخلقوا سوى 14 حزباً فقط، إلى من سيورثوا هذه المآسي والمظالم التي يعيشها الشعب الكردي، كان بالأمكان تفريخ المئات من هذه الأحزاب ليورثوا هذه المآسي ويورثوها للأجيال القادمة!!!.


  ننقد ونهاجم، ربما خيراً بالشعب الكردي، الجميع يعي ويدرك بأن هذه الحركة بمجملها السياسية والثقافية والإجتماعية و … خارجة من صلب الجماهير، والكل أخطأ ويخطئون، ونحن الجميع مهدفون وعلينا جميعاً تقبل النقد، القضية الكردية أكبر بكثير من إلقاء ثقلها على الحركة السياسية وحدها وعلينا كحركة ثقافية الأعتراف بها قبل الآخرين، ليس بيننا من هو نبي هذه الأمة، وليس بيننا من هو بلا خطيئة، الجميع يود أن يقدم خدمة لشعبه، أي كانت الدوافع، ذاتية أنانية أو حب بالأمة، لكن الحركة السياسية أكثر من الجميع تلكأت ولا تعترف، تقاعست وعلى مدى عقود، لكنها لا تصارح أو تصرح، تشتت لكنها لا ترى سوى وحدة وهمية كل من جهته! تتقبل الإملاءات على مضض لكنها لا تتجرأ على تبيان الحقيقة فتملي ما أمليَ عليها! تفرض عليها التقسم فترفض بدورها التجمع بناءً على حجج تلبسها بالوطنية وتحارب الآخرين بمنطق الأقوى  والأهم في الريادة….وماذا بعد؟ … وهناك الكثير ما يمكن أن يقال والأخوة يعلمون مثلي وأكثر، لكن القوة في جرأة الصراحة، وليس بمهاجمة النقاد.
  هرمت الحركة السياسية لبطئ حركتها، يقول المثقف، لهذا يطالبها أن تكون حركة بكل معنى الكلمة، وأن يكون هناك قادة يحملون الصفات المطلوبة، وليس كل من يحب القيادة يمتلك صفات القائد، هناك العديد من الذين لهم ” مرض ” حب القيادة والأسباب عديدة، والذين لا يقبلون النقد هم أوائل من لا يملكون صفات القيادة، وأغلب قادة الحركة السياسية الكردية لايقبلون النقد أبداً، ولا يعني هذا بأنهم ليسوا وطنيون، القيادة شيء وأن تكون وطنياً مخلصاً شيء آخر.


  الإحصائيات والتقارير الدقيقة لعلم الإجتماع والنفس، تظهر بأن الإنسان متى ما تجاوز الخمسينات من العمر، يدخل في مرحلة من الجمود والركود الفكري والنفسي و…” لكل قاعدة شواذها…بالتأكيد هذا الإستثناء لا توجد في قادة الحركة الكردية السياسية ” الحركة تجاوزت هذه العقود، وقادتها معظمهم من الأجيال الوطنية الكلاسيكية فكراً وتخطيطاً وأسلوباً في النضال.

عليهم الإعتراف بهذا وتقبل التغيير، وإن لم يكن لهم القدرة على التغيير، وهذا ما يلاحظ، فعليهم السماح للشباب في الريادة، وتبدأ هذه بالإعتراف بأن الشارع الكردي بيد الحركات الشبابية، والقادة الكلاسيكيين في الحركة السياسية ليسوا أصحابها، والثورة الشبابية الكردية قادمة لإزالة الجمود، فإما أن تتلائم معها بالتغيير الكامل، أو تعتزل الساحة وتخليها لهم،… كيف وبأي طريقة؟ لا أعلم!، ربما العلم عند قادة الحركة السياسية!، ربما ونحن المثقفين والكتاب أيضاً علينا السكوت أو تقبل القادم أي كان لونه، وترك النقد، حيث التاريخ سيكتب نفسه بنفسه بجدلية لايمكن التأثير فيها مهما صرخنا !.


  البيانات والبلاغات، والمقالات النارية من قبل الحركة السياسية أو من مثقفيها أو من يدعمونها بأقلامهم ويطلبون لها بإتاحة الفرصة للقيام بالإصلاح!! لا تفيد، كما ولا تعطيها القوة والهيمنة على الشارع، وسوف لن يوقف النقد والتهجم عليها، وسوف لن تكتم الآفواه، بالأسلوب الذي يتبعونه، ألا ترون معي أنه نفس الأسلوب الذي تتبعه السلطة السورية مع الشعب؟! مع أختلاف في مراكز القوة!  الحقيقة الوحيدة والمنطق الأوحد الذي سيكتم الآفواه، وستصمت الأقلام الناقدة والساخرة، بل وسيجلب المثقف إلى جانبهم هو العمل، العمل ثم العمل الجاد والفعلي، عليها أن تكون حركة عمل لا حركة بيانات ونداءات نظرية فقط التي لا ولن تفيد.
  لا يعترض أحد على تشكيل هيئة للحركة بشكل عام، ولا أحد يعترض على إقامة المؤتمر الوطني، لتشكل تلك الهيئة، شرط أن تخلى من التلاعب من ما وراء الستارة، لكننا ضد المماطلة والتلكأ والتبريرات التي لا أول ولا آخر لها، ستون سنة ياعالم! المؤتمرات بإمكانها أن تقام بين ليلة وضحاها، إذا كانت النيات صادقة وصافية، وأهم الأسباب التي كانت ولاتزال تعرقل قيام مثل هذا المؤتمر، خلال كل هذه العقود ” إلا في حالتين إرضاخيتين ” إلى جانب الإملاءات الخارجية، هو ما سينبثق عنه من نتائج، وما سيرضخون له فيما بعد!!..


  لا نطالب بإقامة مؤتمر لمجرد مؤتمر، ولا بمؤتمر لتوحيد الأحزاب الكردية ذات النسق والنفس الواحدة في حزب واحد، معاذ الله!! أن نتدخل في أمور حب الزعامة والقيادة! بل نود معرفة: هل ستكون هناك هيئة؟ أو هل سيتشكل مجلس يتحدث بأسم الشعب الكردي، وهل ستكون للهيئة، في حال تشكيلها، القوة في أصدار القرارات؟!…بالمناسبة، أليست الحركة السياسية هي التي رفضت بشكل أو آخر بناء ” المجلس الوطني الكردستاني – سوريا ” في عام 2006 تحت شعارات متنوعة وعديدة، كان بإمكانهم بناء وريادة المجلس الوطني ذاك، وبناء هيئة تمثل الشعب الكردي، لكنهم رفضوها بل وأعترضوا على تأسيسها لأسباب؟ ولا تزال الأحزاب لا تعترف!… تتوضح الآن بعضها وستتوضح بشكل تام في القادم من الزمن، ولسوف تحاسب الحركة السياسية أولاً عليها يوماً ما.


  يحز في النفس التهجم، أو النقد الجارح، وحتى النقد البسيط، على أي كان ومنها الحركة السياسية وقادتها، لكن الواقع الكردي تتأزم يوم بعد يوم، والصراع يزداد داخل البيت الكردي، ونكاد أن نكون على أبواب أقتتال أخوة، والجميع يؤكد على أنه لو كانت هناك هيئة عامة تمثل هذا الشعب، وتملك قوة القرارات العامة على الأقل، لما حصل الذي يدور الآن في الشارع الكردي، مثل الحادثة المؤسفة التي حصلت في ” سري كانيه ” مع ذلك وبسبب غياب الهيئة والقرار، ورغم البيانات الخجولة هنا وهناك من التنديدات إلى التبريئات، لكن القضية مؤسفة وفاضحة، كان بالأمكان تجنب حصولها، أو في هذ الحالة البحث الجاد فيها وتثبيت الأصح.

من نلوم المثقفين أصحاب ” نفوس غير سوية ” الذين ينقدون ويهاجون؟ أم الحركة السياسية عامة وبدون تحيز؟.
    نأمل خيراً في المؤتمر المزمع عقده، وللجنته التحضيرية كل الخير والنزاهة.

متمنين له النجاح التام.
  د.

محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يكتسب الخطاب الشعبوي سلطته وسطوته حين يتم استغلاله كأداة لإعادة تشكيل الواقع وفرض رؤية محددة، لتسيدها، بغض النظر عن صحتها أو توافقها مع منطق الواقع. هذا النوع من الخطاب لا يكتفي بتقديم المواقف الخاطئة بوصفها حقائق، بل يتجاوز ذلك إلى تشويه المواقف العقلانية، وتجريم كل من يتبنى رأياً صائباً، في محاولة لترسيخ الوهم وإضعاف كل محاولة للتصحيح. إن…

فرمز حسين ليس سهلاً البقاء في القمة، مقولة سويدية و تعني أن الحفاظ على البقاء في القمة أصعب بكثير من الوصول اليها. هذا المثل ينطبق حرفياً على هيئة تحرير الشام و الفصائل الاسلامية المسلحة الأخرى التي دخلت دمشق منتصرة. الأسد سقط و زمرته بعد ثورة شعبية دامت أكثر من ثلاثة عشر عاماً شارك فيها الأغلبية الساحقة من السوريين مضحّين في…

نظام مير محمدي* لقد أشعل تحرير سوريا الجدل من جديد حول الفرص الضائعة التي أطالت أمد نظام بشار الأسد الوحشي. فقد كشف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في مقابلة أجريت معه مؤخرا أنه في عام 2013، خطط هو والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون لشن ضربة لزعزعة استقرار الأسد بعد استخدامه للأسلحة الكيميائية. ومع…

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…