إبراهيـم محمــــــود
أحدد موقفي منذ البداية مباشرة: ثمة خروجٌ عن جادة الصواب، يتمثل في جلب الأطفال أو اصطحابهم، أو الدفع بهم إلى المشاركة في مسيرة أو مظاهرة ما (كما هو جارٍ اليوم، في سوريا وغيرها)، إذ نشاهدهم ونلتقي بهم! إن ذلك ليعد من الكبائر، حيث يكونون برسم ضحايا أو في عداد ضحايا مركَّبة: استهدافهم من قبل النظام ورموزه وحماته، وجعلهم مشحونين بالعنف من قبل أهليهم، وخصوصاً بالنسبة للطفولة الأولى (حتى السنة السادسة).
ثمة إساءة بالغة إلى الطفولة، وحقوق الطفولة، وهو معروض ملون الوجه، مصبوغه، أو ملفوف بالعلم، أو بيافطة على رأسه أو حول جسمه الغض، ومعرَّض لعنف مادي ومعنوي قاتل أو مزكَّى للعنف.
إن ما يعوَّل عليه سياسياً، أو يروَّج له إعلامياً، إثر أي إساءة إلى الطفل هنا، يبقي المهتمَّ به في موقع المساءلة الأخلاقية وحتى القانونية، إذ يكون تبنٍّ لسلطة الخصم في اعتماد ما لا يجوز المس به، كونه يقذف بالمحترِف: المعارِض إلى موقع الخصم، ويسقِط في يده ما كان يعتبره حجة لديه للنيل منه عبر طفلـ”ـه” هذا!
نعم، إن أسوأ ما في مشهد الطفل المقحَم في الصف المعارِض، هو القفز به إلى مرحلة استباقية والنظر إليه قادراً على حمل ما يتوخاه أهله أو مصطحِبه (لا أتحدث عن الطرف الخصم، وكيف يجري تعليبه وتخريبه وتوضيبه، لأن الموضوع يتركز عما يعنينا في الجانب المعارِض).
إن المريع أو الفظيع في مشهد الطفل (المعارِض اعتباراً) هو أنه مشروح حياة كائن بريء يحتاج سنوات طويلة نسبياً لكي يتعرف إلى محيطه الاجتماعي ويحكّم ملَكة حكمه (الضمير)، ويستطيع عندها القيام بما يمثله وهو مشروع بناء حياة له ولغيره هذه المرة.
كيف يمكن لطفل موسوم بالبراءة وأُنس العالم، يزَجُّ به في مشهد صاخب، ساخن، دموي، مخيف، خطابي، يتوقع فيه أألَم احتمال؟ كيف له أن يوضع في مكان، يعجز عن الوقوف فيه الكثير من الراشدين، وهو الذي يفتقر إلى القوى النفسية، بقدر ما يكون جسمه عاجزاً عن تمثل ما هو مردد ومسموع ومعاين بحواسه كافة؟
ألسنا في الحالة هذه، نمارس تمثيلاً في هذا الطفل أو ذاك؟ وهو أن نقتل فيه البراءة الصانعة للإبداع، أي لما هو مأمول، لما يجمع بين القلوب، ويركّز على الجمال في أكثر مناقبه تعزيزاً لإنسانيتنا المطعونة.
إنها البراءة التي تكون دونَ كلّ هذا الإقحام به وله في ميدان يتطلب شروطاً، لما فيه من عنف متنوع، ونحن بذلك نكون أكثر ضراوة عنف ٍمما ندعو إلى إسقاطه، أو تغييره كلياً، لأن هذا الطفل الذي ألزمناه بأن يكون كما نريده، أو يريده المعنيون به، يكون قد جُرّد من طفولته، وصار مشروعاً معداً لعنف قادم، لجسد يرشح عسفاً وكراهية للعالم، بما أن المشهد الأكثر شدة وحدَّة، يكون الأكثر تجذراً في نفسه وذاكرته، ويكون عتبةَ انطلاق لقواه وأنشطته، وحتى مجال تفريق بين الخير والشر لاحقاً، حتى أبواه يغدوان ملحقين بعنفه اعتماداً على الزاد العنفي المبكر جداً.
لقد نسينا تحت وطأة ضغوطنا اليومية القاهرة السافرة، وجرَّاء معاناة عنف النظام الدموي، نسينا ما هو جوهري، وهو المستقبل وما يجب أن يتوافر فيه، وكيف يجب أن يكون مغايراً لماضينا وحاضراً، وكيف يجب أن يكون طفلنا الذي نعمل لأجله، أن يكون محايداً، ليتذكرنا وهو يعيش روعة العالم تالياً، كما لو أن النار التي أشعلناها أو أحرقتنا باسم نظام مستبد بالمعنيين به هنا وهناك، هي النار التي صيَّرناها بجسومنا إلى شعلة نور يستضيء بها.
إن هدفنا هو أن نخلق ذاكرات تعيش للآتي، لعالم يكون في وسع أطفالنا بالجملة أن يتحابوا، أن يتواصلوا حباً وهم كبار، أن يتفاعلوا بقلوبهم وليس باللكمات ذات الصلة بالعنف العائلي والمدرسي والشارعي كما هو الراهن.
إنه لنجاح لا مفر منه إن أردنا حياة أفضل لأطفالنا: عندما نعيش بمواجهتنا عنف نظام صلف ونروم تغييره، ونمهد السبيل لأطفالنا لكي يدخلوا رحابة عالم متعدّي الحدود هانئين، وهي اللحظة المسماة بشعرية العالم المثلى قيمياً.
إن تجنيبه العنفَ، أي عنف، ما أمكن، يشكل نصف المعركة التي يخوضها الكبار في أمكنة مختلفة!
يُذكَر هنا أن الأفريقي يطعِم طفلَه جرعات متتالية من سم الحية القاتل ومنذ صغره، ليتعود هذا السم المركَّز، إذا لدغته حية مميتة تالياً، إذ تشتهر بها أفريقيا، وومن ثم يتكيف مع منظرها، كما لو أنها كائن أليف، لتنقلب الكراهية المتوقعة إلى محبة واندفاع للتعايش الطبيعي معها كما هو معهود عنها وفيها بالمران.
إنها فلترة حياة مدهشة!
لعل في المشهد المذكور، أكثر مما هو مشار إليه، وهو في حكمة الأفريقي، وفحواها: إنه يريد من الحية التي أطعِم سمُّها ذلك الكائنَ الصغير، واعتاده، أن تقدّر بغريزتها الطبيعية، أن بعضاً منها (وهو الجوهري)، قد توزَّع في جسم كائن مختلف، وما عليها إلا أن تتآلف معه، وليشكل الاثنان مجتمعاً موحداً، لدينا إذاً عقد طبيعي، أو ميثاق شرف بين كائنين متغايرين، ولكن شهادة الطبيعة تقول بأن التغاير ملتقى المنشود ومرتقاهما الحيوي..
هل لدى معارضتنا بعض مما يميّز الإفريقي” البدائي” وحكمته اللامدرسية، لنعيش أجمل ما لم نعشه بعد؟!!!
نعم، إن أسوأ ما في مشهد الطفل المقحَم في الصف المعارِض، هو القفز به إلى مرحلة استباقية والنظر إليه قادراً على حمل ما يتوخاه أهله أو مصطحِبه (لا أتحدث عن الطرف الخصم، وكيف يجري تعليبه وتخريبه وتوضيبه، لأن الموضوع يتركز عما يعنينا في الجانب المعارِض).
إن المريع أو الفظيع في مشهد الطفل (المعارِض اعتباراً) هو أنه مشروح حياة كائن بريء يحتاج سنوات طويلة نسبياً لكي يتعرف إلى محيطه الاجتماعي ويحكّم ملَكة حكمه (الضمير)، ويستطيع عندها القيام بما يمثله وهو مشروع بناء حياة له ولغيره هذه المرة.
كيف يمكن لطفل موسوم بالبراءة وأُنس العالم، يزَجُّ به في مشهد صاخب، ساخن، دموي، مخيف، خطابي، يتوقع فيه أألَم احتمال؟ كيف له أن يوضع في مكان، يعجز عن الوقوف فيه الكثير من الراشدين، وهو الذي يفتقر إلى القوى النفسية، بقدر ما يكون جسمه عاجزاً عن تمثل ما هو مردد ومسموع ومعاين بحواسه كافة؟
ألسنا في الحالة هذه، نمارس تمثيلاً في هذا الطفل أو ذاك؟ وهو أن نقتل فيه البراءة الصانعة للإبداع، أي لما هو مأمول، لما يجمع بين القلوب، ويركّز على الجمال في أكثر مناقبه تعزيزاً لإنسانيتنا المطعونة.
إنها البراءة التي تكون دونَ كلّ هذا الإقحام به وله في ميدان يتطلب شروطاً، لما فيه من عنف متنوع، ونحن بذلك نكون أكثر ضراوة عنف ٍمما ندعو إلى إسقاطه، أو تغييره كلياً، لأن هذا الطفل الذي ألزمناه بأن يكون كما نريده، أو يريده المعنيون به، يكون قد جُرّد من طفولته، وصار مشروعاً معداً لعنف قادم، لجسد يرشح عسفاً وكراهية للعالم، بما أن المشهد الأكثر شدة وحدَّة، يكون الأكثر تجذراً في نفسه وذاكرته، ويكون عتبةَ انطلاق لقواه وأنشطته، وحتى مجال تفريق بين الخير والشر لاحقاً، حتى أبواه يغدوان ملحقين بعنفه اعتماداً على الزاد العنفي المبكر جداً.
لقد نسينا تحت وطأة ضغوطنا اليومية القاهرة السافرة، وجرَّاء معاناة عنف النظام الدموي، نسينا ما هو جوهري، وهو المستقبل وما يجب أن يتوافر فيه، وكيف يجب أن يكون مغايراً لماضينا وحاضراً، وكيف يجب أن يكون طفلنا الذي نعمل لأجله، أن يكون محايداً، ليتذكرنا وهو يعيش روعة العالم تالياً، كما لو أن النار التي أشعلناها أو أحرقتنا باسم نظام مستبد بالمعنيين به هنا وهناك، هي النار التي صيَّرناها بجسومنا إلى شعلة نور يستضيء بها.
إن هدفنا هو أن نخلق ذاكرات تعيش للآتي، لعالم يكون في وسع أطفالنا بالجملة أن يتحابوا، أن يتواصلوا حباً وهم كبار، أن يتفاعلوا بقلوبهم وليس باللكمات ذات الصلة بالعنف العائلي والمدرسي والشارعي كما هو الراهن.
إنه لنجاح لا مفر منه إن أردنا حياة أفضل لأطفالنا: عندما نعيش بمواجهتنا عنف نظام صلف ونروم تغييره، ونمهد السبيل لأطفالنا لكي يدخلوا رحابة عالم متعدّي الحدود هانئين، وهي اللحظة المسماة بشعرية العالم المثلى قيمياً.
إن تجنيبه العنفَ، أي عنف، ما أمكن، يشكل نصف المعركة التي يخوضها الكبار في أمكنة مختلفة!
يُذكَر هنا أن الأفريقي يطعِم طفلَه جرعات متتالية من سم الحية القاتل ومنذ صغره، ليتعود هذا السم المركَّز، إذا لدغته حية مميتة تالياً، إذ تشتهر بها أفريقيا، وومن ثم يتكيف مع منظرها، كما لو أنها كائن أليف، لتنقلب الكراهية المتوقعة إلى محبة واندفاع للتعايش الطبيعي معها كما هو معهود عنها وفيها بالمران.
إنها فلترة حياة مدهشة!
لعل في المشهد المذكور، أكثر مما هو مشار إليه، وهو في حكمة الأفريقي، وفحواها: إنه يريد من الحية التي أطعِم سمُّها ذلك الكائنَ الصغير، واعتاده، أن تقدّر بغريزتها الطبيعية، أن بعضاً منها (وهو الجوهري)، قد توزَّع في جسم كائن مختلف، وما عليها إلا أن تتآلف معه، وليشكل الاثنان مجتمعاً موحداً، لدينا إذاً عقد طبيعي، أو ميثاق شرف بين كائنين متغايرين، ولكن شهادة الطبيعة تقول بأن التغاير ملتقى المنشود ومرتقاهما الحيوي..
هل لدى معارضتنا بعض مما يميّز الإفريقي” البدائي” وحكمته اللامدرسية، لنعيش أجمل ما لم نعشه بعد؟!!!