الخطاب السياسي الكردي في سوريا

برزو محمود

في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة حيث الإحتجاجات والمظاهرات الشعبية تعصف بوطننا السوري اصبحنا أمام منعطف كبير تتهيء لتحولات عميقة وسريعة في نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما يفرض على المعارضة السورية العربية والكردية مهاماً مرحلية غير اعتيادية من أجل تحقيق التحول الديمقراطي السلمي وبناء دولة مدنية.

إلا أننا لو دققنا في الحراك السياسي الكردي وخاصةً حركة الأحزاب الكردية، نجد أنها عاجزة عن تحقيق مهامها المرحلية التي تتطلب عملاً دؤوباً وأداءً عالياً وخطاباً سياسياً متزناً يستوعب ماهية ضرورات المرحلة التاريخية  في سبيل ايصال الوطن إلى بر الأمان، وتأمين حقوق الشعب الكردي المشروعة في اطار الوحدة الوطنية في سوريا دولة ديمقراطية، مدنية، تشاركية، تعددية، لجميع أبناءها، دون تمييز أو تفضيل.

والمتتبع لحركية ومواقف الأحزاب الكردية في هذه المرحلة سيلاحظ أن خطابها لا ترتقي إلى مستوى القضية الكردية، ولا إلى مستوى الشأن السوري العام، ويمكن أن نبدي الملاحظات التالية بخصوص الخطاب الكردي:      
1.

يتسم الخطاب السياسي بالغموض بسبب غياب الرؤية السياسية الشاملة والكاملة للمسالة الكردية في سوريا.


2.

خطاب غير قادر على التمييز بين أولويات حل القضية الكردية والقضايا الثانوية في الوقت الراهن.


3.

     غياب المثقف الكردي من ميدان السياسة.
4.

الامكانيات الفكرية الضعيفة لدى قيادة معظم الأحزاب الكردية، إلى جانب نزعاتها الأنانية والانطوائية التي تعيق تحركها وتفاعلها مع ذاتها من جانب، ومع المحيط العام من جانب أخر.
5.

ظهور مراهقين سياسيين، وأصحاب شعارات، وشخصيات ضعيفة جداً من حيث الأداء السياسي.
6.

هيمنة الذهنية التقليدية التي لا تدرك مهام المرحلة الحالية، وطبيعتها الديناميكية في فهم الواقع، مما يُعيق تحركها في العمل السياسي.


في الحقيقة أن الكم الهائل من الأحزاب الكردية في سورية لم تكن نتيجة لحالة صحية تعبر عن واقع اجتماعي معين، بل هي نتيجة للظروف المعقدة للقضية الكردية المتواجدة في أربعة دول اقليمية مثل تركيا والعراق وسوريا وايران حيث غياب الديمقراطية في هذه البلدان من جانب، وغيابها في الحياة الحزبية الكردية بحد ذاتها من جانب أخر، عدا أن التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي تنخر في جسم المجتمع الكردي مما خلقت لدينا حالة سلبية عامة تعكس صورة السياسي الكردي في حالة مشوهة وضعيفة غير قادرة على قراءة سليمة للواقع السياسي ولا يقدر على طرح قضيته بالشكل المطلوب، ويظهر الاختلاف في الخطاب السياسي على درجات متفاوتة ومتباينة من سياسي إلى أخر، أو من حزب إلى أخر.

ومن بعض سماته أنه غير دقيق وغير واضح، مضطرب أحياناً، يخل بالموضوعية في حالات أخرى، إذ لا يتلائم إلى حد ما مع ظروف المرحلة الراهنة، عاجز عن إقناع الأخر (شريكه العربي السوري).

فالمطلوب هو خطاباً سياسياً يعبر عن عدالة المسالة الكردية بعيداً عن الشعارات الفارغة، في ظروف يستوجب منّا أن نميز بين العام الذي يخص كل السوريين، والخاص الذي يخص الكرد فقط، بحيث لا يتناقض الخاص مع العام ولا العكس.

وكلاهما في خدمة الأخر، إذ لا يجوز أن تتعارض حقوق الكرد (الأقلية عدداً) مع حقوق العرب (الأكثرية عدداً)، وكذلك لا يجوز العكس، طالما أن العدل والمساواة هما الميزان والمعيار في حل الإشكاليات.

 
مما يثير الانتباه والملاحظة أن صورة الطرح الكردي في خطاب بعض قيادي الاحزاب الكردية تتشكل أو تأخذ شكلها عبر فكر سياسي مجرد بقوالب جامدة مما يخلق اضطراباً وريبة لدى الجانب العربي إلى درجة التوجس والخشية من الكرد والمسألة الكردية ككل.

لو تحدثنا بوضوح أكثر ما نريد أن نقوله هو بروز شخصيات غير مؤهلة للقيادة السياسية وشخصيات أخرى لا تتمتع بؤهلات إعلامية أو أنها تثير مشاكل شخصية لا تمت للمسألة موضوع النقاش، نصبح أمام مراهقين دخلوا السياسة الكردية تحت غطاء كونهم يمثلون (حزباً) كردياً، بينما في واقع الحال مثل هؤلاء لا يمثلون الشعب الكردي المغلوب على أمره، وما هم في الحقيقة سوى اشلاء متبعثرة ظهروا في هذا الزمن الرديء.

لهذا فأننا نصطدم أحياناً بخطاب كردي قاذف لا يخدم الكرد بشكل خاص ولا يخدم سوريا، فمثلاً ما الفائدة أن نكون مضطهدين في دولة اسمها الجمهورية السورية أو الجمهورية العربية السورية! ليس من مصلحة السياسي الكردي أن يثير هكذا قضايا في الاعلام، فهذه المسائل السجالية تتطلب جدلاً طويلاً تناقش بين السياسيين فقط وفي غرف مغلقة.

هذه المسألة رغم مدلولها الواضح حيث طالما أن سوريا بلد متعدد القوميات، إذاً وصف الجمهورية بالعربية تخل بالميزان، وبالتالي ربما تخلق حالة نفسية تمهد لهيمنة عنصر على عنصر أخر، أو إضطهاد قومية كبيرة لقومية صغيرة، مما قد يخلق أفكارا عنصرية كما هو موجود في عبارة (فلم لا نسود) في النشيد الوطني السوري، حماة الديار، علماً أن العنصر القومي الغالب في سوريا هو العنصر العربي، وهذه الغلبة حقيقة لا تحتاج إلى سجال أو نقاش ومن الممكن أيضاً أن تكون هذه الغلبة مبرراً موضوعياً أن نقبل بتسمية “الجمهورية العربية السورية” بدلاً من “الجمهورية السورية”، ولتكن كذلك طالما أن ذلك يريح الأخوة العرب بشرط أن تتعهد الحكومة الجديدة عبر دستور جديد بإزالة كافة المشاريع العنصرية المطبقة بحق الكرد وخاصة الحزام العربي وما ترتب عنه من نتائج على أرض الواقع.

من ناحية أخرى يمكن للأخر أن يطرح غياب الدقة في مصطلح “كردستان” طالما أنه موطن لقوميات متعددة مثل (السريان والارمن والعرب والمحلمية وغيرهم من الأقليات)، فهل يُقْبَل مصطلح يدل على القومية الكبيرة فقط دون القوميات الأخرى؟ حقيقةً، الأمر هنا اختلف لأن مصطلح “كردستان” تسمية تاريخية وجغرافية موجودة منذ زمن بعيد، حتى ربما أنه مصطلح من صنع غير الكرد أطلقوا على منطقة جغرافية تقع بين حدود العراق وايران وتركيا وسوريا، وهي ليست تسمية حالية أوجدها حزباً كردياً عنصرياً كما هو الحال مع “الجمهورية السورية” التسمية الأولى بعد الاستقلال، إلا أن الفئة العربية القومية الصقت صفة (العربية) بها لهدف ايديولوجي ينبع من نزعة عنصرية سادية تبرر هيمنتها على القوميات الأخرى، حيث لا لغة غير العربية، وكل من يدعو غير هذا، عليه بالرحيل.

تلك كانت ديموقراطية الحزب الواحد، والحكم الواحد، والفكر الواحد.

20/7/2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…